خبر : عن المجتمع الدولي والقضية الفلسطينية ...محمد ياغي

الجمعة 16 أكتوبر 2015 12:31 م / بتوقيت القدس +2GMT



يوجد تضخيم لأهمية الدور الذي يمكن للمجتمع الدولي أن يلعبه في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. هذا التضخيم مصدره أن للعالم مصالح في العالم العربي وبالتالي سيتدخل لإجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها إن أحسنّا التصرف وأقنعناه بعدالة مطالبنا ونفذنا جميع ما يُطلب منا.
طبعاً المقصود بالمجتمع الدولي هو "الغرب" تحديداً وليس أي دول أخرى.
نظرياً هذا التقدير في مكانه لو أن مصالح الغرب في العالم العربي تم ربطها بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. بِلغة أُخرى، لو تم ربط عملية التجارة بين الدول العربية والغرب على قاعدة "نتبادل التجارة معكم إذا أجبرتم إسرائيل على الانسحاب". عندها فقط سيدرك الغرب أن مصالحه فعلاً مرتبطة بإنهاء الاحتلال.
لكن الواقع مختلف تماماً. عندما تقوم دولة عربية بشراء أسلحة بقيمة خمسين مليار دولار من دولة غربية، وعندما تقوم أخرى بفتح أراضيها لإنشاء قواعد عسكرية غربية، وعندما تقوم ثالثة بالاستثمار في دولة غربية أكثر بعشرات المرات من استثماراتها في جميع بلدان العالم العربي، فإن علينا أن نستنتج بأن مصالح الغرب مُصانة وأن العلاقة بينها وبين القضية الفلسطينية غير قائمة.
الاستثناء الوحيد كان في ظهور علاقة بين تنامي الإرهاب العالمي واستمرار الاحتلال الإسرائيلي، لكن سرعان ما اختفت هذه العلاقة بعد أن تبين أن الروابط الطائفية في العالم العربي أقوى بكثير من الروابط الوطنية والقومية. بمعنى آخر، تبين للغرب بأن العلاقة بين الإرهاب العالمي والاحتلال الإسرائيلي محدودة جداً، بدليل أن الجهاديين موجودون على حدود فلسطين التاريخية لكنهم يفضلون أن يقتلوا أنفسهم أو أن يُفجروا تظاهرة شعبية في تركيا أو مجموعة من الصحافيين في فرنسا بدلاً من ذلك لحسابات أيديولوجية.
لكن الأهم من أن الفكرة- مسألة ضغط الغرب على إسرائيل- قائمة على حسابات غير حقيقية، هو في عدم وجود سوابق تُفيد بأن الغرب قد تدخل سابقاً في نزاعات أخرى من العالم وأنه تمكن من تحقيق السلام فيها.
لعل المثال الوحيد الـذي يَظهر فيه الغرب كقوة حاسمة في مسألة تحقيق السلام هو التدخل الغربي في صربيا العام 1998 لإنهاء الحرب ضد مسلمي البوسنة. لكن هذا المثال لا يمكن البناء عليه لأن التدخل في صربيا تم بسبب إنهاء حرب موجوده في قلب أوروبا. بمعنى لو أن المذبحة كانت في أفريقيا أو آسيا لما كنا قد شاهدنا تدخلاً غربياً. سبق ذلك مذبحة في رواندا راح ضحيتها مئات الآلاف ولم يتدخل الغرب. الصومال كدولة اختفت بسبب الصراعات الداخلية فيها ولم يتدخل الغرب. الأمثلة أكثر من أن تعد.
البعض يشير الى التدخل الغربي في ليبيا والعراق وسورية: لكن هذه الأمثلة يمكن أن تُساق من باب الكوميديا حقيقة لأن أي من هذه الدول لم ينعم بالسلام بعد التدخل الغربي. وأكثر من ذلك لم تعد هذه الدول قائمة، بمعنى أنها أصبحت عاجزة عن السيطرة على أراضيه بعد التدخل الغربي.
الأمثلة الأخرى التي تساق هي إيرلندا الشمالية وجنوب أفريقيا. لكن الغرب في الحالتين لم يتدخل.
في إيرلندا الشمالية قامت الولايات المتحدة برعاية مفاوضات بين الحكومة البريطانية والأحزاب الإيرلندية، لكنها لم تفرض على الطرفين حلولاً. ربما هددت بالانسحاب من رعاية المفاوضات لتسريع قبول الأحزاب الإيرلندية بمقترحات صاغتها مسبقاً مع حكومة بلير، لكنها بالتأكيد لم تفرض على الطرفين حلولاً.
أما ما يتعلق بجنوب أفريقيا، فإن المقاطعة لنظام الأبارتهايد بدأت شعبياً في الغرب. في أميركا تحديداً بدأت المقاطعة بضغط من طلاب الجامعات الأميركية على إدارة جامعاتهم لسحب استثماراتها من جنوب أفريقيا. فقط بعد نجاح المقاطعة الشعبية وتحولها الى قضية رأي عام بدأت الحكومات الغربية بإعادة حساباتها ومقاطعة نظام الحكم العنصري الذي دعمته هي حتى منتصف الثمانينات.
لكن في الحالتين:الإيرلندية والجنوب أفريقية، لم يكن الحسم -إنهاء الصراع- مصدره الغرب أو المقاطعة.
التقدم باتجاه الحل السياسي جاء في الدولتين بعد توصلهما لقناعة باستحالة الاستمرار في الوضع القائم. بمعنى أن حكومة بلير في بريطانيا وحكومة دوكليرك البيضاء في جنوب أفريقيا أدركتا استحالة تحقيق نصر وارتفاع كلفة الحفاظ على الوضع القائم وهو ما جعل من إمكانية التوصل لحلول سياسة ممكنة. الغرب هنا لا دور له في ذلك. صاحب الفضل هو التضحيات الكبيرة التي قدمتها الحركة الوطنية الإيرلندية الشمالية والجنوب أفريقية — مع مراعاة الفارق بالطبع بين البلدين.
بشكل أكثر وضوحاً: الحلول السياسية يتم التوصل لها إما في حالة انتصار طرف بشكل ساحق وفرض شروطه على الطرف الآخر، والحالات هنا قليله جداً وظروفها مغايرة تماماً للحالة الفلسطينية- مثلاً، استسلام ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. وإما أن يصل الطرف الأقوى في الصراع الى حقيقة أن استمراره في احتلال شعب آخر مكلف جداً وأن عليه الرحيل. لا توجد أمثلة تؤكد أن للغرب فضلا في الحالة الأخيرة. الغرب يتدخل عندما يطلب طرفا الصراع تدخله، وهو يتدخل حينها لمساعدة حليفه وليس خصم حليفه.
صحيح بأن هنالك حقائق تتعلق بخصوصية العلاقات الأميركية الإسرائيلية. لكن ليست هذه الخصوصية هي ما يمنع الغرب من التدخل لإنهاء الاحتلال. ما يمنع الغرب من التدخل هو نفسه ما يمنع الغرب من التدخل في أي مكان آخر في العالم: الغرب يتدخل فقط لحماية مصالحه. في الحالة الفلسطينية تحديداً وفي ظل علاقات العرب المعلنة مع إسرائيل والتي وصلت حد التحالف في بعض الملفات، لا يوجد سبب واحد للغرب للتدخل باستثناء المسألة الأخلاقية- لكن ليعطني أحدكم مكاناً واحداً في العالم تدخل فيه الغرب لأسباب أخلاقية صرفة!
سياسات الدول كانت منذ القِدَم ولا تزال قائمة على حسابات المصالح.
المنظمة الدولية- الأمم المتحدة- نفسها موجودة ليس لتنظيم العلاقات بين الدول ولكن لتنظيم العلاقات بين الكبير منها. بمعنى أن سبب وجودها قائم على الحق المُعطى للخمسة الكبار فيها لحماية مصالحهم من خلال ما يتمتعون به من "فيتو" على قراراتها.
مختصر الكلام. لا يمكن وضع إستراتيجية لإنهاء الاحتلال قائمة على المراهنة على تدخل أميركي أو غربي عموماً.. هذا لا يتفق مع طريقة قراءة الدول لمصالحها.