خبر : أتحداكم ! بقلم : محمد يوسف الوحيدي

الأربعاء 14 أكتوبر 2015 02:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
أتحداكم !  بقلم : محمد يوسف الوحيدي



 

جُن جنون المحتل ، تزايد ضربات الجبن الإستيطاني و هيستيريا الإعدامات الميدانية ..و إنطلق المارد الفلسطيني، ثورة حتى النصر .. القدس لنا ، إعلام  كاميرات و مراسلون ، كتاب و محللون ، شاشات تنقل الحدث مباشرة من الميدان .. هبة هي ، بل إنتفاضة ، بل هي أكبر بكثير من إنتفاضة ، إنها ثورة الشعب ..

كل هذا جميل ، و لكن و بعد شهرين  أو تلاته ، بعد ستة أشهر أو سنة  .. كيف ستكون الصورة ؟

أنا أفهم حِميتي و إنفعالي الشخصي ، و أنا أتابع الأحداث ، و أرى عمليات إعدام الأطفال ، و الإجتراء على البنات و النساء من الناصرة وحيفا و سخنين و أم الفحم إلى البريج وغزة مرورا برام الله ونابلس و الخليل و جنين و القدس الشريف، و ربما اصدقائي سواء أشباح الفضاء الإلكتروني أو أشخاص حولي .. بعد أن ننتهي من تدوال و تعاطي الفيديوهات ، و إجترار فيديوهات و أغان ، و صور من الإنتفاضة الأولى و الثانية ، و إلصاق الماضي بالحاضر ، و بعد أن ننتهي من ترديد أشعار محمود درويش و سميح القاسم ، و ينتهي مخزون " الجاليري " من صور أبو عمار و عبد الناصر و أحمد يس و ابو علي مصطفى و الحكيم جورج حبش ، هل فكرنا بشكل الأوضاع بعد شهرين أو ثلاثة أو حتى سنة؟؟ كيف سيكون الحال ؟؟

يا سيدتي ، يا سيدي ، دعك منا نحن الشعب ، فنحن معذورون ، نحن شعب مغلوب على أمره و يعبر عن قهره و غله و يرفض الذل و الإحتلال بوسائله البسيطة و لا يملك إلا روحه يفدي بها مبادئه و عقيدته ،  ولكن ما بال  المفكرين و القادة و " النخب" فينا..

 هل فكر قادة العمل الجماهيري و التنظيمي و السياسي و الديبلوماسي و العسكري ،و الإعلامي و الأكاديمي و الإقتصادي ، هل حاولت ، فقط حاولت ، مجرد محاولة ، الأحزاب أو الفصائل أو التنظيمات أو التيارات تقديم ( رؤية ) للرئيس ، للإعلام ، للمجلس الوطني ، للتشريعي ، لأي تشكيل أو نظام يمثل فلسطين ، برؤيته ؟ بتوقعاته ، بنسب النجاح و الفشل ؟؟ بالمطلوب للنجاح و عدم تكرار أخطاء الماضي  ؟ برؤية لا تجعلنا ننزلق في إتجاه " المصيدة و الفخ" كما فعل شارون بنا بعد الإنتفاضة الثانية ، أو حتى نتحاشى ألا نقع في أوسلو جديدة كما حدث بعد الإنتفاضة العظمى ؟ هل هناك خطة ؟ رؤية ؟؟ دراسة ( حال) و تقارير ( تقييم و تقويم )  ؟؟

أم أن مثقفينا ، و قيادات التيارات على إختلافها و ألوانها سيستمرون في تطبيق المثل القائل ( هبلة و مسكوها طبلة ) ؟؟ وكل رؤاهم و نظرياتهم ستذهب أدراج رياح البث الإستعراضي على شاشات القنوات و أثير الإذاعات ؟؟

و أنا هنا ، لا أتحدث عن إقامة ورش عمل ، و مؤتمرات بحث و دراسة ، و إنعقاد جلسات عصف فكري في الفنادق  تملأ أجواءها رائحة البيرفيوم و دخان السيجار ، و سيدات العمل النسائي و "السيفيل سوسايتي" و مساواة الجنس و النوع ، و البطيخ الخالي من البذر ...و تقدم فيها وجبات سريعة و مشروبات ساخنة من الإسبريسو و الكابوتشيني ، و تدفع تكاليفها السفارة الفلانية أو العلانية ، لا ، أعوذ بالله ..

بل أتحدث عن تقديم المشورة ، النصح ، الإجتماع من أجمل الإجماع الوطني ، قنوات الحوار بين الفكر و التنفيذ ، تخطي حالة النقد الرواقي و السفسطة و النفخة الكذابة ، إلى حالة الإنخراط و إقران الفكر بالفعل ، و النظرية بالتطبيق .. وحتى أكون أكثر وضوحا ، هل حدث أو سيحدث لقاء مثلا بين اليسار و الرئيس ، أو اللجنة التنفيذية أو أعضاء النشريعي شمالا و جنوبا بأعضاء الوطني و التنفيذية ، مع بعض الشباب من الطلبة و النشطاء من مختلف التيارات و المستقلين ، من أعضاء مجالس الطلبة في الجامعات ؟؟ مثلا .... يعني أنا فقط أضرب مثلا ... هل فكر أحد في هذا ، هل يريد – أكرر : " يريد" ... أي من الأطراف السابقة هذا ؟

 نعم نحن – الشعب - نفرح ، و يثلج صدرنا ، و يشفي غليلنا أن يثأر شاب أو شابة من فلسطين للأقصى ، و للكرامة ، و للحق ، نعم نشعر بالفخر بأنه بذل أغلى ما يملك ، نفسه ، من أجل المبادئ و الوطن ، و قبل كل هذا لله و في الله .. و ندفنه و نحول جنازته إلى مسيرة حافلة و مشحونة و شاحنة لمسيرات تعقبها ، ولكن يبقى السؤال ، كيف يمكن إستغلال كل هذه الطاقات ؟ و تنظيمها ، و تأطيرها ، و التخلص من ألوانها و شوئبها و إستخلاص العبر من أخطاء الماضي ، و الأهم من كل هذا ، عقـلنتها ..

لأن المنطق يقول أن أي فعل لابد أن ينتهي بحسابات خسارة و مكسب ، لابد أن ينتهي بأن نجلس مع العدو ، الخصم ، لنحصد نتائج فعلنا .. لابد أن ينتهي بمفاوضات ، نعم ،سمها  مفاوضات سمها " دردشات " سمها ما شئت ، و لكن الواقع المحتوم أننا سنصل إلى تلك اللحظة ، طبيعة الأشياء تقول هذا ، فلا حرب أبدية ، و لا معركة لا تنتهي على الأقل بمفاوضات ( وقف إطلاق نار) .. فهل نريد أن نصل إلى مفاوضات ، بنفس الاسلوب ؟؟ هل نكرر المشهد و المنهج بنفس الوسائل و بالتالي تتكرر النتائج ؟ هل سيترك الشعب الفصائل تتناحر و تستثمر و تستأثر ، و تلقى براياتها عنوة ، أو بإقناع أهل الشهيد بالتعويض و المغريات  لتبني ( رقم ) جديد يضاف إلى قوائمها فيتعزز موقفها " الإنتخابي" أو على أقل تقدير الإعلامي ؟؟

 أعتقد أننا كلنا نعرف ما نريد ، أعتقد أننا جميعا نريد الوصول إلى أفضل مما توصلت إليه الإنتفاضة الأولى ، أفضل من أوسلو ، لا تريد حكما ذاتيا ،ولا سلطة بلا سلطة ، لا نريد دائرة مفرغة من التفاوض للتفاوض ، لا نريد أن يبقى اسرانا في السجون و حدودنا مغلقة و مفاتيحها في أيدي الغرباء ، نريد دولة ، حرة ذات سيادة ، نريد جواز سفر ليس فيه خانة رقم الهوية ، و لا مدسوسة عليه عبارة ( وثيقة سفر ) بالإنجليزية ، نريده جوازا ، عنوانا مزينا بنسر العروبة نسر عبد الناصر ، و يعلوه إسم دولتنا ، دولة فلسطين ، نريد زوال الإحتلال بشكل تام ، مرة و للأبد ، لا نريد أن نرى غريبا جاء من أوكرانيا أو أمريكا أو فرنسا يسرق أرضنا و بيتنا و مسجدنا و شارعنا و يقول لنا هي لأجداد أجدادي و منحة الرب لي  ...نحن الفلسطينيون نعرف كلنا ما نريد و لكن أيها الساسة – القادة - الأحزاب – الحركات – الفصائل - النخب - المثقفون  .. أتركوا شاشات التلفزيونات ، و تعالوا بيننا ،  هل تعرفون ما نريد ؟؟ و إذا كنتم تعرفون فهل تتفقون بينكم كيف تدلونا على الطريق ، بكلمة موحدة و خطاب واحد و فكر واحد لكي نصل لما نريد ؟.. أتحداكم ..