خبر : آزاد دارتاش: الأدبان الكردي والفلسطيني ينهلان من نبع واحد

السبت 19 سبتمبر 2015 08:18 ص / بتوقيت القدس +2GMT
آزاد دارتاش: الأدبان الكردي والفلسطيني ينهلان من نبع واحد



بغداد ـ «القدس العربي»: ما زلنا لا نعرف الكثير عن الأدب الكردي، على الرغم من معرفتنا بالعديد من الأسماء الكبيرة التي مثلت هذا الأدب في العديد من اللغات، ومنها العربية، مثل شيركو بيكه س، وشيرين كمال أحمد، وحمه كريم وغيرهم من الأسماء المعروفة. ومن الجدير بالذكر أن أغلب هذه الأسماء هي من السليمانية، أما في أربيل ودهوك، فإن معرفتنا بنتاجهم الإبداعي لا يتعدى بضعة نصوص أو مقالات أدبية.
ولكن بعد الحرب الأخيرة على العراق، وزوال ما كان يمنعنا من أن نعيش كشعب واحد، ونتعرف على مختلف القوميات في العراق، بدأنا نطلع بصورة واضحة ومكثفة على الأدب الكردي. واليوم نحاور الناقد الكوردي من دهوك آزاد دارتاش الذي عرف بمتابعته الكبيرة للأدبين العربي والكردي ودراسته لهما دراسة واعية.. عن الأدب والفكر والمرجعيات الفكرية للأدب الكردي كان لنا معه هذا الحوار:

■ هل تستطيع مقاربة الأدب الكردي مع أقرب أدب له من خلال المصادر وامتداد الجذور؟
□ الأدب الكردي شأنه شأن أي أدب آخر، تأثر بهذا الشكل أو ذاك بآداب القوميات المجاورة. وقبل كل شيء استمد قوته من التراث الكردي، ومن ثم تأثر بالشعر في منطقة بهدنانة والذي يكتب باللهجة البهدنانية، وتأثر أيضاً بالشعر العربي إلى حد كبير من خلال قصائد السياب والبياتي ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم، وتأثر أيضاً بالشعر الفارسي والثقافة الفارسية.
بصورة عامة، كل أدب يتأثر بمختلف الآداب المجاورة ويؤثر فيها، فلا يوجد أدب صافٍ ومتكامل بمعزل عن التأثيرات العديدة.

■ هنالك قول معروف يرى أن الأدب الكردي كان متأثراً تأثراً كبيراً بالأدب العربي، ولكن بعد انتفاضة العام 1991 في كردستان تأثر بالأدب الفارسي بشكل أكبر بسبب ابتعاده عن الأدب العربي…؟
□ تأثر الشعر الكردي بالشعر العربي من خلال الشعراء الفلسطينيين لأن المرحلة التي مرت على الكرد، خصوصاً منذ العام 1961 وحتى الانتفاضة كانت تمثل فترة الغليان والثورة ومقاومة النظام البعثي، فكان هناك تقارب كبير بين نفسيتي الشاعرين: الفلسطيني والكردي، خصوصاً لدى من يتقن اللغة العربية منهم، وهم الأغلبية، علماً بأن اللغة العربية كانت تمثل لنا اللغة الثانية، وأكثر مصادرنا أخذت من خلالها، واستطعنا الاطلاع على أغلب الآداب العالمية من خلالها أيضاً. ولا أرى مسألة انغلاقنا على الأدب العربي صحيحة، لأننا كنا منفتحين أكثر على العالم من خلال سورية ولبنان بالدرجة الأولى، وكانت جميع الإصدارات الحديثة تصلنا، في حين لا يستطيع مثقفو بغداد أو الجنوب الحصول عليها بسبب الرقابة القمعية التي كانت موجودة في جميع أنحاء العراق. كما أن الأنظمة المعلوماتية كانت مباحة لدينا، كالستلايت والانترنت، فنحن نطلع من قبل الانتفاضة على أدب المغرب العربي، ولم نقرأ كتابات محمد أركون أو علي حرب أو نصر حامد أبو زيد في المكتبات العربية.
أما تأثرنا بالأدب الفارسي فمسألة طبيعية جداً، لتشابه اللغتين والجوار والظروف الاجتماعية والسياسية المتشابهة التي مررنا بها، لأن الشاعر نتاج مرحلة أو لحظة معينة. وفي الوقت نفسه، الاختلاف موجود وواضح فلكل قوم سماتهم الأدبية الخاصة، والاختلاف موجود أيضاً عند شعراء المرحلة الواحدة والجيل الواحد.

■ بعد توزع الكرد على أربع دول، هل بقي الأدب الكردي أدباً واحداً، أو أن لكل منطقة أدبها الخاص ونظمها الخاصة؟
□ كما هو معروف أن كوردستان توزعت بعد الحرب العالمية الأولى، وخلال هذه المدة أصبح لكل جزء من كوردستان ظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة. هذه الفروقات أثرت على الفكر والأدب الكرديين، وحتى على النظرة السياسية والجغرافية لمناطق كوردستان في كل جزء، وبالتأكيد هناك سمات مشتركة، ولكن الأدب تعبير عن لحظة جمالية لمنطقة معينة، وهذه الأجزاء اختلفت في نواح عديدة، فقد نكون نحن في العراق تطورنا بسبب ظروفنا في جانب معين، ولكن الكرد في تركيا متطورون في نواح عديدة. فمثلاً كان تطورنا بسبب وجود مدارس كردية منذ الثلاثينيات، والاستقلال الذاتي منذ أربعة وعشرين عاماً، وغيرها من الظروف التي أتاحت لنا أن نتقدم ونتفاعل مع العوالم المختلفة، ومن خلال هذا أنتج أدباؤنا إبداعاً مختلفاً ومتقدماً، وأصبح لدينا نقادنا المتميزون الذين يتابعون كل ما ينتجه الكرد.

■ قد يكون هذا هو السبب الأول لبروز أسماء كردية عراقية أكثر من كورد المناطق الأخرى، فمثلا لدينا كوران، وفايق بيكه س، وشيركو بيكه س، ولطيف هلمت وأحمد محمد إسماعيل وغيرها من الأسماء، ولا نرى مثل هذه الأسماء؛ مثلاً، في الأدب الكردي الإيراني؟
□ إن الحركات التجديدية التي حدثت في الشعر الكردي كان أغلبها من كوردستان العراق، وهذه نتيجة طبيعية لوجود المدارس الكردية كما قلت. كما وجدت لدينا إذاعة وصحف ومجلات كردية منذ وقت بعيد، على العكس من تركيا التي، وحتى هذه اللحظة، تمنع التعامل باللغة الكردية في الشارع والجامعة، وهذا عرقل العملية الإبداعية لدى كرد تركيا، وفي إيران أيضاً.

■ حدثت في الأدب العربي انقلابات كبيرة بعد أربعينيات القرن الماضي، وهذا عائد إلى اطلاعنا على الأدب الانكليزي والفرنسي والأميركي، متمثلة بحركة الشعر الحر ومن ثم استمر هذا التطور حتى الآن متمثلاً بقصيدة النثر، هل كان الأدب الكردي يساير كل هذه التطورات؟
□ بالتأكيد، فإن كان رواد الشعر الحر لديكم السياب ونازك والبياتي، فلدينا قدري جان وكوران، وهم مجايلون لهم، فإن كان السياب قد درس الانكليزية وتأثر بشعرائها، فعبد الله كوران كان يجيدها، وقدري جان كان يجيد أكثر من لغة. وكان التجديد في الأدبين العربي والكردي واحداً وفي وقت واحد، كما أن عبد الله كوران كان زميلاً للسياب.
ولا ننسى بلند الحيدري الذي كان كردياً وأحد رواد الشعر الحر في العراق.. وإن لم يكتب بلند سوى باللغة العربية، فابن عمه ممتاز الحيدري من أهم الشعراء الكرد، كذلك سليم بركات من أوائل من كتب قصيدة النثر شاعر كردي.
لهذا، فإن الحركات التجديدية كانت واحدة لدى آداب المنطقة، ونرى ما بعد كوران، الشاعر رونكه المجدد الكبير في الشعر الكردي ومن بعده شيركو بيكه س ولطيف هلمت وغيرهم، ولكن لكل أدب خصوصياته وطرق تعبيره الخاصة وطبيعة تواصله من خلال التفاعل بين إرثه وبين ما يصله من الثقافات الأخرى.

■ ما زال الكثير من الأدب الكردي مغيباً عن القارئ العربي، هل هناك مشروعات لفتح الأدبين على بعضهما؟
□ أصدرنا العديد من المطبوعات التي تهتم بالثقافة الكردية باللغة العربية، مثل مجلة «بياف» باللغة العربية، بعدما صدر منها خمسة عشر عددا بالكردية، وكان العددان الأولان اللذان صدرا باللغة العربية بمناسبة سقوط النظام البعثي في العام 2003، لتستمر المجلة فيما بعد كمجلة ثقافية تهتم بنشر الأدب الكردي للقراء العرب، عراقيا وفي بقية الدول، خصوصاً بعد ما تم الاتفاق مع عدد من المترجمين والباحثين فتم إصدار مجلة «بياف الأدبي» باللغة العربية، وقمنا بترجمة الكثير من نتاج الشعراء والقاصين فضلاً عن الكتابات النقدية حول هذه النتاجات لتكون جزءاً من مشروع الحوار الثقافي الكردي العربي.
وأدعو هنا المثقف العربي لتناول الأدب الكردي من خلال القراءة والبحث، فلنتخلص نحن جميعاً من المواقف المسبقة وأحادية الجانب، نتمنى أن يكون هناك حوار فعال من خلال الإصغاء والاستماع بصدق وشفافية. 

عن «القدس العربي»