دمشق / وكالات / شاهد حكمت في العشرين عاما من عمره، أحداث حياته تمر من أمام عينيه، فبعدما كان ينتظر مستقبلا ساحرا ومشرقا، قضي على كل آماله بعدما بتر تنظيم "داعش" يده، ليعيش في توجس ورهبة مما تخبئه له الايام.
والشاب حكمت، وهو مواطن عربي كان يعيش مع والدته وثمانية أشقاء في إحدى قرى قضاء الحويجة، اتهم بالسرقة من قبل تنظيم "داعش"، الذي يسيطر على المنطقة، فبتروا له يده اليمنى من المعصم.
وكان حكمت قد اختطف من قبل أربعة من مسلحي "داعش" -ثلاثة منهم كانوا من ابناء قريته لكنهم انضموا إلى صفوف داعش في الموصل- واتهمته "المحكمة الشرعية" للتنظيم في تلك المدينة بسرقة عدد من الأبقار من رجل يعيش في قرية مجاورة.
وروى حكمت حادثة تنفيذ الحكم بحقه، قائلا "لقد تجمعوا في ساحة عامة. أنصار داعش وبعض أهالي الموصل كانوا يصوروننا بهواتفهم النقالة عندما كان مسلحو داعش يبترون أيدينا".
حدث ذلك في (21/4/2015)، وكان حكمت سابع شخص في طابور مؤلف من 10 أشخاص اتهموا بالسرقة، وكانوا على وشك فقدان ايديهم بترا بسيف يصل طوله إلى نحو متر وفقا لمبدأ "حد السيف" كما في الشريعة الإسلامية، والذي مازال ينفذ حتى الآن في إيران والمملكة العربية السعودية وعدد من الدول الإسلامية الأخرى، على الرغم من إدانة جماعات حقوق الإنسان.
وأضاف حكمت وهو يومئ برأسه إلى الأسفل وعيناه شاخصتان على ساعد يده اليمنى، إن "أولئك الذين كانوا قبلي كانوا يصرخون. كنت أدعو من الله أن ينقذني، لكنني كنت واثقا من لا أحد يستطيع مساعدتي، وأنهم كانوا على وشك بتر يدي".
ومضى قائلا "رأيت يدي الدامية لا تزال تتحرك على الأرض، لقد كانت لحظة مخيفة ومثيرة للاشمئزاز، ولكن كانت لدي الرغبة في اعادتها إلى مكانها مرة أخرى قبل فقدانها إلى الأبد".
ووفقا لتقارير دولية، فقد أعدمت الجماعة المتطرفة منذ عام 2014 نحو 3027 شخصا، بينما مازال عدد الأشخاص الذين يعاقبهم التنظيم بالبتر أو الرجم أو أساليب قديمة أخرى مجهولا.
الالام والكوابيس
وكان حكمت يحيا حياة بسيطة في ناحية شميت جنوب قضاء الحويجة، وساعد أمه في تدبير معيشة عائلتهما الكبيرة بعد وفاة والده، الذي كان حرسا للحدود ضمن القوات العراقية.
لكنه الآن يستيقظ كل صباح وهو غير متيقن من حياته الجديدة، فعندما تم بتر يده لم يتمكن حكمت من إكمال دراسته، فترك الدراسة وهو عامه الاخير، لكن لديه آلام غريبة في ساعد يده المبتورة، وتطارده كوابيس العقوبة التي تعرض لها.
ويقول الدكتور ناصر سينائي، وهو أستاذ جامعي وعالم النفس، إن الحالة النفسية لحكمت طبيعية بعد أن شهد مثل هذه الصدمة الشديدة.
وأضاف ان "إحساسا كبيرا يظل في مكان الجزء المفقود من الجسم، وندعو هذه الحالة الأطراف الوهمية، إنها مثل الذاكرة العالقة في الذهن، وهو ما يجعل الشخص أكثر عرضة للكوابيس".
واوضح أن "هذا الحادث المأساوي وحده كفيل بأن يسبب الكوابيس"، مشيرا إلى أن حكمت يحتاج الى جو أسري ونفسي داعم، واقترح أن يقوم بحضور جلسات لمجموعة من أقرانه (المعنفين جسديا) للحديث عن مشاعره.
ومضى سينائي قائلا "ومع بقاء هذا الحدث حيا في عقل الضحية، هناك حاجة لأخذ خطوات صغيرة وحذرة، ليستدل على الطريق الصحيح نحو حياة اجتماعية جديدة، بما في ذلك التعليم والزواج".
ويعيش حكمت في الوقت الحالي مع عمه في قضاء داقوق، الذي يبعد مسافة 30 كم عن مركز مدينة كركوك التي تحميها قوات بيشمركة كوردستان.
وقال محمد، عم حكمت، لشبكة رووداو، إن "رؤيته وهو يتعثر تحطم القلوب، سأفعل كل ما بوسعي لمساعدته على العودة إلى حياته الطبيعية".
وعندما سيطر تنظيم "داعش" على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق، نشر لائحة من العقوبات على الجرائم في المناطق الخاضعة لنفوذه، وقد دانت منظمة العفو الدولية نظامه القضائي "كالتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة"، والمحاكمات "غير العادلة والقتل، واستخدام العقوبات القاسية واللاإنسانية، مثل الجلد وبتر الأيدي والأرجل".
مستقبل مجهول
ظل حكمت مصرا على براءته، وعندما دعته المحكمة إلى القسم على القرآن، أكد أنه لا مشكلة لديه وهو مستعد للقسم ليقول الحقيقة، وانه لم يسرق الأبقار.
وأوضح أنه كان من المفترض أن "أكون حرا في غضون يومين، ولكنهم احتجزوني لمدة شهر وخمسة أيام، حتى جاء صاحب الأبقار إلى المحكمة مستصحبا معه ثلاثة شهود كانوا يشبهون افراد داعش".
وأضاف حكمت أنه تعرض لضرب مبرح كل يوم عندما كان في السجن، لارتدائه خاتما عليه حجر أحمر اللون كانت قد اهدته اياه حبيبته، مردفا "سألوني لماذا ارتدي الخاتم، فارتداء الخواتم شيء لا يفعله سوى الشيعة، لكن لم يكن لدي فكرة عما يتحدثون"، ملفتا إلى أن حبيبته كانت معه في محنته.
وسمحت المحكمة الشرعية لـ"داعش"، بعلاج يد حكمت المبتورة، لكنه قال إنه لم يكن يعرف من أين يبدأ، فذهب الى صيدلية وقام مالكها بنقله إلى المستشفى، حيث لبث ليلة واحدة، ومازال لا يعرف من الذي دفع له فاتورة الحساب، وعندما غادر المستشفى، قام الصيدلي ذاته بدفع أجرة السيارة ليعود إلى قريته.
واستطرد حكمت قائلا "عندما كنت في سيارة الأجرة، سألني السائق عن سبب بتر يدي، وكنت خائفا جدا من قول الحقيقة، فأخبرته أنه كان بسبب حادث سيارة".
وتابع "في طريقي إلى البيت، مررنا من خلال عدة نقاط تفتيش تابعة لداعش، وأعتقد أنهم كانوا يعرفون سبب بتر يدي، ولكن الجميع كانوا يسألون عما حدث على أي حال، وكنت خائفا جدا من أن أقول لهم إنكم من فعل هذا بي".
وعندما وصل حكمت إلى منزله في قرية شميت، لم يستغرق الامر طويلا ليعرف أن إعاقته جعلته منبوذا، وبعد لقائه مع عائلته وأصدقائه، قرر الهروب إلى داقوق ليلجأ إلى منزل عمه، حيث ساعده ابن عمه على الفرار إلى بر الأمان عن طريق السير على الأقدام لمدة يومين.
وتقول إحدى منظمات الصحة العالمية التي رفضت الكشف عن اسمها، إن العديد من الخدمات متاحة لضحايا داعش، كتوفير الأطراف الاصطناعية وإعادة التأهيل البدني لهم وللفقراء ايضا.
وحكمت الذي كان يحلم بأن يصبح مهندسا في مجال النفط، يقول أنا أفكر في مستقبلي"، مردفا "أنا أفكر كيف يمكن أن أنهي دراستي من دون يد أكتب بها".


