لندن - أثارت الدراسة التي قدمتها مجموعة أبحاث "جاينز للمعلومات" الاستشارية البريطانية، والتي أظهرت أن سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه تقلصت لتشمل 17 في المائة فقط من إجمالي مساحة سورية، اهتمام المسؤولين الأميركيين في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" ممن يراقبون عن كثب المعارك السورية المندلعة منذ العام 2011.
وقالوا إن "الأسد أدرك منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهات أهمية الحفاظ على أكبر مساحة ممكنة من سورية، حتى يمنع معارضيه من الحصول على موطئ قدم، وأنه كان يسعى إلى منعهم من الادعاء أنهم يمثّلون أي جزء من سورية، لأن سيطرتهم تؤهّلهم الدخول في تسوية معه، ومشاركة النظام في الحل، وتالياً في السلطة".
وأضاف المسؤولون أن "خسارة الأسد 18 في المائة من إجمالي مساحة سورية، آو ما يوازي 30 ألف كيلومتر مربع، بين مطلع العام ومنتصف هذا الشهر، يعني أن 83 في المائة من الأراضي السورية أصبحت خارج سيطرة الحكومة السورية، التي صارت سيادتها تقتصر على 17 في المائة من البلاد".
ويعتقد المسؤولون في "البنتاغون" أن "الأسد سيحصر دفاعه عن الأراضي التي يسيطر عليها، وهي تقتصر على دمشق وحمص والممر الذي يربط بينهما، وفي الشمال الغربي في المنطقة التي تنتشر فيها أقليات سورية، أكبرها العلوية".
وأيد المسؤولون الأميركيون ما ورد في التقرير البريطاني بالقول إن "أعداد قوات الأسد انخفض بحوالي النصف، من 300 ألف مقاتل قبل العام 2011 إلى 150 ألفاً اليوم، وأن قوات النخبة السورية بينها خائرة القوى ومنهمكة في الدفاع عن معاقل النظام".
ويشير التغيير في قدرات الأسد القتالية إلى أن المعارك صارت بقيادة الحرس الثوري الإيراني والمجموعات العربية التابعة له، خصوصاً "حزب الله"، في وقت تلعب فيه قوات الأسد دور الإسناد المدفعي والجوي ما أمكنها ذلك.
واستطردت المصادر الأميركية قائلة إنه "على مدى الأشهر التسعة الماضية، اقتصرت عمليات قوات الأسد القتالية على الدفاع، بعد 3 أعوام من الهجوم، مع محاولات للاستيلاء على بعض النقاط الإستراتيجية والحيوية التي يسيطر عليها الثوار. لكن عمليات طرد الثوار ما عادت بالسهولة أو السرعة نفسها التي كانت تقوم بها قوات الأسد و(حزب الله) قبل سنوات"، حسب المسؤولين.
ويتابع هؤلاء: "إن أحد الأسباب التي سمحت بالصمود لمواقع تابعة للأسد، معزولة وبمثابة جزر في وسط مناطق تابعة كلياً للثوار، هو تصميم الرئيس السابق حافظ الأسد لقواته، إثر محاولة الانقلاب التي قام بها أخوه رفعت ضده في النصف الأول من الثمانينيات. ودفَع الانقلاب الأسد الأب إلى إعادة هيكلة جيشه بعيداً عن خوض معارك ضد أعداء خارجيين، وتصميم الوحدات بشكل مستقل، يسمح لها الصمود باستقلالية عن القوات الأخرى أو المناطق المحيطة".
وهكذا، تحولت كل قاعدة عسكرية تابعة للأسد إلى دويلة قائمة بذاتها، تدافع عن نفسها، وتتلقى مساعدات إما بتموين جوي أو عن طريق التهريب من خلال مناطق الثوار.
وحتى يتمكّن الثوار من الوصول إلى معاقل الأسد في دمشق والشمال الغربي، عليهم إلحاق الهزيمة بمجموعة من هذه القواعد العسكرية، وهو أمر معقّد.
وهذا يعني أن خطوط الجبهة بين الأسد والثوار صارت شبه ثابتة، رغم محاولات الثوار الحثيثة للتقدم على جبهتين، جبهة سهل الغاب المحاذي للمناطق الشمالية الغربية، وهو إن حصل يفتح هذه المناطق أمام اقتحام الثوار لها، ومناطق جنوبية على طريق درعا تفتح للثوار أبواب دمشق.
ومع حلول الربيع، شن ثوار الجنوب هجوما على قوات الأسد كان هدفه السيطرة على تلال القنيطرة في غرب سورية الجنوبي للالتفاف على خط دمشق - درعا. وكاد الثوار أن يحققوا انتصاراً لولا قيام واشنطن بالإيعاز لعمان بالتهديد بقطع خطوط التموين للثوار في حال لم يوقفوا هجومهم، فأوقف الثوار الهجوم.
أما في سهل الغاب، فما زالت المعارضة السورية، التي تسيطر على بعض قرى شرق السهل، تحاول اقتحام قرى غرب السهل ذات الغالبية العلوية. لكن الكثافة السكانية العلوية في هذه القرى والتحصينات وتفوّق أسلحة الأسد، كلها تمنع الثوار من تحقيق أي اختراق.
الصورة السورية الحالية تشير إلى ثبات خطوط الجبهة، حسب المسؤولين الدفاعيين الأميركيين، وهو ما يعني أنه في المستقبل القريب قد تنحسر ضراوة العمليات وتنحصر في مناطق المواجهات، مع بعض القصف العشوائي الذي تقوم به غالبية الأطراف السورية المتحاربة بين الفينة والأخرى.
هل يؤدي ثبات خطوط الجبهات داخل سورية إلى التسريع في التوصل إلى حوار دبلوماسي وتسوية سياسية؟ المسؤولون الأمريكيون متفائلون لأسباب غير واضحة. ربما يكون تفاؤلهم سياسياً للإيحاء بأن الاتفاقية النووية مع إيران تنعكس إيجاباً على الملفات الشرق أوسطية الأخرى.
لكن الرؤية الأميركية تقضي بأن الأسد لن يدخل في تسوية ما لم يدرك اقتراب انهيار نظامه وقواته، وهذا أمر، مع استتباب الجبهات، لا يبدو أنه سيحدث في المستقبل القريب، ما يعني أن الحرب السورية مستمرة في المستقبل المنظور.


