خبر : شيخة حليوى: (وطن) غائب حاضر

الإثنين 13 يوليو 2015 12:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT
شيخة حليوى: (وطن) غائب حاضر



شيخة حليوى
في محطّة الوقود بين القدس والقدس (الأولى الّتي نعتقدها كذلك والثّانية الّتي تسخر منّا) أملأ خزّان الوقود الفارغ وأفرغ ذهني من خرائط الطّرق غير المؤدّية للقدس.
عن يميني مجموعة ترطن بالفرنسيّة وعن يساري أخرى ترطن بالألمانيّة. بين قهوة الطريق والسجائر الأنيقة تبقى “القدس والسّبت والشّيكل” على عبريّتها وهم ينطقونها مطعّمة بلثغة أوروبيّة متأصّلة.
أسألُ العاملَ العربيّ عن شارع جبوتينسكي. يعتذر: لا أعرف. وما يُسمّى بيت الرئيس؟ أصرُّ على السؤال. يردُ بثقة: طبعا أعرفهُ. أخمّن أنّه لا يعرفُ أنّ صهيونيّة جبوتينسكي الأوكرانيّ ما كانت سترضى بوجودي أو وجوده هنا بين قدسين. لولاها لما كان بيتُ الرّئيس بيتا للرّئيس يُحاذيه مركز الأرشيف الصهيونيّ وشارع الاستيطان اليهوديّ. راح العامل يُدلّل على مهارته في تحديد الأماكن وأنا بعد الإجابة المتخمة باليمين واليسار والمنعطف والدوّار تنغلقُ مسامات الفهم عندي.
وصلتُ إلى المعهد بعد أن سألتُ نصف المارّة وثلث سائقي الأجرة. كلّهم يعرفون أين يقع بيت الرئيس وأظنهم يعرفون جبوتينسكي أو أقلّه يكنون له ودّا وامتنانا. الشّارعُ نفسه أيضا ممتنٌّ جدّا للتسمية. حدائق خضراء وسكون فلسفيّ بعيدٌ جدّا عن فلسفة “وطنٌ قوميّ لليهود..والعرب خطرٌ وجوديّ”.
الغرفة رقم 324 أنيقة جدّا. طاولة دائريّة ومقاعد جلديّة فخمة. شاشة تعرض صورة غائب طعمة فرمان وشرائح متلاحقة عن الغربة والمنفى وقلق الكاتب في وطنه وخارجه تؤكّد على عنوان الندوة.
سبعة أشخاص.
….باحثٌ مستقلٌّ في الإسلام السّياسيّ(هو يدّعي ذلك ولكنّه غير مستقلّ عن منظومة المؤسسة العنصريّة).
…باحثٌ في التّاريخ العربيّ الحديث. يساريّ (لا يدّعيها ولكنّ كتبه تقول شيئا عن ذلك)
…. باحثة في الأدب العربيّ الحديث. العراقيّ تحديدا.
…باحثة في الأدب العربيّ الحديث(بين تعقيب ومداخلة تضعُ سُترة ثمّ تُرضعُ طفلها الوليد)
…..معلّمة لغة عربيّة من أصولٍ فرنسيّة تعمل في مدارس عبريّة وتهوى الأدب العربيّ.
…غائب طعمة فرمان. أديب عراقيّ راحل حاضرٌ في الوعي وفي أروقة فان لير في شارع جبوتينسكي في القدس الّتي تسخر منّا.
أنا….أبدو كسلحفاةٍ مقلوبة على ظهرها قربَ شاطئ الحياة (ظلال على النّافذة-غائب فرمان).
تجاوزت مشكلة الطريق إلى معهد فان لير. السؤال كيف سأتجاوز محنة الحديث عن الغربة والمنفى في الأدب الفلسطينيّ(عنوان الندوة القادمة)؟
قد يكون هذا النصّ نموذجا.
*كاتبة فلسطينية.