ان رمضان في عام 2015 هو شهر عنيف: قتل السياح في تونس، قتل المصلين في الكويت، وقتل الجنود المصريين في سيناء، وتكثيف موجة الإرهاب في الضفة الغربية. في الواقع، على عكس ما حدث قبل 42 عاما، لا تقف أي حرب رمضان على الأبواب. ليس هناك أي احتمال لقيام جيش تقليدي كبير من احدى بلدان الشرق الأوسط بغزو دولة اخرى في الشرق الأوسط. ولكنه في العالم العربي بأسره تظهر أعراض عنيفة من عدم الارتياح والتهيج.
الفشل الكاسح للربيع العربي يبرز فشل المشروع القومي العربي، ويسبب للكثير من العرب الشعور بالغضب والإحباط. في أوقات الأزمات تجد هذه المشاعر تعبيرا حربيا وتغذي المتزمتين من داعش وحماس، والمتعصبين الذين يعملون من تلقاء انفسهم. لا يمكن ان نعرف أبدا أين سيحدث الاشتعال المقبل، واين سيحدث الانهيار القادم، لكنه من الواضح ان رمضان هذه السنة ليس مريحا ولا يبشر بالخير.
صيف 2015 هو صيف مرور سنة على عملية "الجرف الصامد". الحرب التي عايشناها في العام الماضي كانت نتيجة لانهيار عملية السلام في آذار 2014، ولحقيقة انه لم يتم استبدالها بعملية بديلة وانما بفراغ سياسي. ولكن القيادتين القوميتين للشعبين لم تتعلم شيئا. فالفراغ الذي قادت اليه عملية الجرف الصامد لا يزال معنا حتى بعدها. لا توجد عملية سلام اقليمي ولا عملية سلام محلية. لا شيء. فراغ. وداخل هذا الفراغ يؤجج التطرف الفلسطيني نظيره الاسرائيلي، والعكس بالعكس. لا يمكن ان نعرف أبدا أين سيحدث الاشتعال المقبل، واين سيحدث الانهيار القادم، لكنه من الواضح ان صيف هذه السنة ليس مريحا ولا يبشر بالخير.
لا يمكن لإسرائيل وحدها معالجة الشرق الاوسط. ليست المستوطنات هي التي تجعل بعض العرب يغرقون غيرهم من العرب داخل اقفاص من حديد. ليس الاحتلال هو الذي يجعل المتزمتين المسلمين يذبحون المسيحيين العزل في شواطئ شمال افريقيا. ان الأوان كي نفهم: نحن نعيش في مجال جغرافي ضربه القدر، لا توجد فيه حريات، ولا رأفة ولا حقوق انسان. في هذا المجال التعيس تهب في السنوات الاربع الاخيرة عاصفة يقتل خلالها مئات الآلاف ويفقد الملايين المأوى.
لسنا المسؤولين عن الكارثة الانسانية الرهيبة، ولسنا نحن من سينهيها. ولكن هذا لا يعني انه لا يمكننا عمل شيء. بل على العكس. الازمة رهيبة، ولكنها فرصة ايضا. انها تحتم على اسرائيل، بل تسمح لها، بالخروج بمبادرة من نوع جديد، تملأ الفراغ السياسي الخطير وتدافع عنا الى حد ما في مواجهة انعدام النظام العنيف الذي يحاصرنا. ويجب ان يقف قطاع غزة في مركز المبادرة الجديدة، وايضا، التحالف الاسرائيلي مع تحالف المعتدلين العرب السنة.
مثلا، انشاء مصنع كبير لتحلية المياه في قطاع غزة، يزود الفلسطينيين بمياه الشرب الحيوية بواسطة الدمج بين التكنولوجيا الاسرائيلية، والمال السعودي والضمانات المصرية. ومثلا، انشاء ميناء مصري – سعودي قرب غزة، يوفر للفلسطينيين مخرجا الى البحر دون ان يشكل خطرا على امن اسرائيل. ومثلا: انشاء مصنع ضخم للبناء في غزة، يوفر لشبابها العمل ولسكانها المساكن.
في المستقبل المنظور لن يتم التوصل الى سلام مع حماس، ولكن يمكن التوصل الى اتفاق هدنة مع حماس. في المستقبل المنظور لن تكون ديموقراطية ليبرالية في غزة، لكن يمكن اقامة كيان سياسي معقول، ينشغل في مشاريع التطوير وليس في تطوير الأسلحة. اذا عملت مصر والسعودية والأردن واسرائيل ودول الخليج معا من اجل تحويل قطاع غزة الى مكان مزدهر يسوده الأمل، فانها ستمنع حرب غزة القادمة، وستضع الاسس لنظام اقليمي جديد. نظام يواجه الفوضى العربية ليس بواسطة سلام مثالي وهمي، وانما بواسطة سلام واقعي من الاستقرار.


