غزة / سما / إلى الشرق من مدينة غزة يقع حي الزيتون العتيق، شوارعه ومبانيه تعود لمئات السنين عوضاً عن نكهته الدينية، فهو وجهة للكثير من المسلمين والمسيحيين لكونه يحتضن الكنائس والمساجد القديمة.
الدخول إلى شوارعه يشعرك بهيبة غريبة، لكن هذه المرة يلفتك شيء مميز حيث الألوان المفعمة بالحياة منقوشة على جدران إحدى الحارات فيه.
دخلت مراسلة “الخليج أونلاين” إلى دهاليز الحارة للتعرف أكثر على اللوحات الفنية التي رسمت بحرفية. بعد السؤال عثرت على صانعها فكان العم أبو عبد الله الصعيدي (58 عاماً)، عامل تمكن بأدواته البسيطة من أن يعيد الحياة إلى أهل حارته، لا سيما بعد العدوان، فلم ترق له الكتابات المخطوطة على الجدران التي تذكرهم بالدمار والموت.
يقول الصعيدي: “عشقي للورود والطبيعة جعلني أحدث تغييراً في بيتي بواسطة أدواتي البسيطة. أحاول استغلال أي قطعة وتحويلها إلى تحفة فنية”.
ويتابع لـ”الخليج أونلاين”: “الجيران تقبلوا الفكرة وأصبحوا يطالبونني بتزيين جدران بيوتهم. كنا نسهر معاً لمنتصف الليل، فساحة بيتي وأزقة الحارة تحولت إلى ورشتي “حدادة ونجارة”، فالجميع كان يتهافت للمساعدة وفق إمكانياته”، مبيناً أن فكرة تلوين ميناء غزة كانت حافزاً قوياً له لتحويل حارته إلى لوحة فنية.
وذكر الصعيدي أن عشقه للتراث التركي أثر على أعماله، الأمر الذي دفع جيرانه إلى تشجيعه لولعهم الشديد بالأعمال الدرامية التركية التي دخلت البيوت الغزية عبر شاشات التلفاز.
ويشير إلى أن الجميع بات يحافظ على نظافة الشارع لاستقبال السياح، “فهم دوماً يأتون لالتقاط الصور فيه”، لافتاً إلى أنه تم تصوير تصوير مسلسل غزي بشارع الصغير، سيعرض خلال شهر رمضان.
وهذا الأمر جعله يتشجع وينقل الفكرة لأصدقائه الذين يعملون في مهنة “النقاشة” مثله لتقليد أعماله في مناطق سكناهم الشعبية.
ويتمنى الصعيدي أن تتحول حارات غزة إلى لوحات فنية تنسيهم ألم الحصار والحروب، وتبرز للعالم المظهر الحضاري وحب الغزيين للحياة، موضحاً أن فكرته تحولت لمبادرة على مستوى القطاع تحت شعار “مين يلون شارعه؟”.
ويأمل هذا الرجل أن يحصل على موافقة لتحويل مشافي قطاع غزة إلى لوحات فنية للتنفيس عن المرضى، “بدلاً من القمامة الملقاة في باحاتها”.
أما جاره الشاب محمد نايف فيروي أنه “بمجرد أن لمح جاره يلون بيته سارع لمساعدته وتشجيعه على تنفيذ الفكرة”، مبيناً أنه “في بادئ الأمر كانوا يخشون إفساد ما صنع بأيدي الصغار، لكن بعد الانتهاء من العمل حدث عكس ما كان متوقعاً”.
في الشارع ذاته محلُّ الخمسيني أبو صياح أبو لبن الذي يقول: “حينما تغيرت ملامح الشارع، انتعشت الحياة داخل الحي لا سيما بعدما أصبح السياح يترددون عليه”.
وأوضح أن الخطوة التي اتخذها جاره الصعيدي شجعته وبقية الجيران على تلوين بيوتهم من الداخل والخارج بألوان زاهية، وكذلك “المحافظة على أبسط القطع التي لا قيمة لها وتحويلها إلى تحف فنية”.
يقول: إنه “رغم أن غزة عاشت ويلات الحروب، إلا أن ساكنيها يصرون دوماً على إبراز حبهم للحرية من خلال الأعمال الفنية التي تعكس تعلقهم بالحياة”.