خبر : أمل فلسطيني في الأفق؟ ...حازم صاغية

السبت 06 يونيو 2015 08:59 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

عاشت القضيّة الفلسطينية أطواراً ثلاثة حتى استنفدتها بالكامل، من دون أن تتحقق الأهداف المطروحة في أي من هذه الأطوار الثلاثة. فقد عاشت الطور القومي العربي الذي بدأ بُعيد النكبة في 1948، ووصل إلى ذروته مع صعود الناصرية ابتداء بحرب السويس في 1956 ثمّ الوحدة المصرية- السورية وإقامة «الجمهورية العربية المتحدة» في 1958. وقد تجسد هذا الطور في المصادرة الناصرية للموضوع الفلسطيني، مع ما رافق ذلك من تنافس ناصري- بعثي على تمثيله والنطق باسمه. أما الخاتمة المأساوية للطور هذا، فجاءت مع هزيمة يونيو (حزيران) 1967.

كذلك عاشت القضية الفلسطينية الطور الوطني الفلسطيني الذي بدأ بالتناحر مع الطور القومي وانتهى بالتناحر مع الطور الإسلامي. ولئن أُرّخ لهذا الطور بنشأة حركة «فتح» التي يُنسب إليها ابتكار الهوية الوطنية الفلسطينية، فإن نقطة القوة هذه ربما كانت هي نفسها نقطة الضعف. ذاك أن ولادة تلك الهوية في الخارج لم تؤد فحسب إلى إسباغ الطابع السلبي عليها، بل ترتبت عليها نتيجتان سلبيتان أخريان: من جهة، صار شعار «تحرير فلسطين» محكوماً بالصدام مع مجتمعات وجماعات مستقرة في الجوار، وفي هذا السياق وقعت الحربان الأهليتان الفلسطينية- الأردنية في 1970- 1971 والفلسطينية- اللبنانية في 1975- 1976. ومن جهة أخرى، تحكّم بالقرار الوطني الفلسطيني وعي منقطع عن الإنتاج المادي والمعرفي سواء بسواء، وهو ما عبر عن نفسه بمجتمع المخيمات المهمشة.

بيد أن تضافراً استثنائياً في الظروف (نهاية الحرب الباردة، هزيمة صدام حسين في حرب الكويت وما تلاها من إفقار منظمة التحرير الفلسطينية) أعطى القضية الفلسطينية في طورها الوطني هذا فرصة استثنائية، على رغم شوائبها ونواقصها، هي اتفاق أوسلو ونشأة السلطة الفلسطينية بوصفها مقدمة لولادة دولة فلسطينية. إلا أن هذه الفرصة ما لبث أن بددها التعنت الإسرائيلي الاستثنائي، خصوصاً وجهه الأكثر شراً المتجسد في بناء المستوطنات، متضامناً مع ضعف الكفاءة السياسية والمؤسساتية الفلسطينية، كما مع الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة الذي قصم ظهر المشروع الوطني الفلسطيني.

وعرفت القضية الفلسطينية طوراً إسلامياً بدأ مع حركة «حماس» في أواخر الثمانينيات، وجزئياً حركة «الجهاد الإسلامي». والطور هذا يجد اليوم تتويجه في السلطة الهزيلة القائمة في غزة. ولكن هذا الطور، في أسلمته للقضية، أبعد عنها قطاعات فاعلة، وحرمها من كل جاذبية حديثة وديمقراطية، كما قدم نموذجاً لا يفتقر إلى الإغراء فحسب، بل ينطوي على احتمالات خصبة للنزاعات الأهلية بين الغزاويين أنفسهم على خطوط عائلية وقَبلية. ولما كانت هذه الأسلمة تسير يداً بيد مع تعاظم عملية التهويد التي تشهدها إسرائيل، بتنا أمام واحد من الصراعات المغلقة للإثنية المركزية.

وغني عن القول إننا إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم وطاقات القطاع جغرافياً وبشرياً واقتصادياً، وعلاقاته الراهنة شديدة التدهور بمصر، وتوازن القوى الذي يحكمه بالدولة العبرية، لم يبق لنا ما نتفاءل به حيال هذا الطور الإسلامي ووجهته المرجّحة نحو تفتت وتآكل متعاظمين.

هل يعني انسداد الأطوار الثلاثة -القومي العربي والوطني الفلسطيني والإسلامي السياسي- نهاية الموضوع الفلسطيني، أم أن ثمة فرصاً أخرى تتيح ابتكار حل أو إنارة ضوء في آخر النفق؟

لقد جاء اعتراف السويد ومنظّمة اليونيسكو، وبعد ذاك وهذا هو الأهمّ اعتراف الفاتيكان، بدولة فلسطين، ليطلق احتمالاً دوليّ الطابع، كما أنّه ذو مضمون إنسانيّ وثقافيّ في آن معاً. فإذا أضفنا مقاطعة منتجات المستوطنات اليهوديّة تجمّعت عناصر قابلة للتفعيل والاستثمار، خصوصاً إذا ما ترافقت مع نضاليّة مدنيّة لا يخالطها العنف، ويواكبها تقديم السلطة الفلسطينيّة في رام الله لنموذج متقدّم في احترام حقوق الإنسان. وعناوين كهذه لابدّ أن تكون لها جاذبيّتها، عاجلاً أو آجلاً، سيّما إذا نجحت في مخاطبة الرأي العام الأميركي.

وما لا شك فيه أن المهمة صعبة، خصوصاً أن احتمالات التخريب عليها كثيرة: من إسرائيل، ولكنْ أيضاً من بقايا الأطوار الثلاثة المنقرضة: التنظيمات «الجهادية» ومعها إيران، والقوى المتترسة بما تسميه قومية المعركة، وعلى رأسها بقايا النظام السوري والفصائل التي تأتمر به، وأخيراً فساد الطور الوطني ومحسوبيته. مع هذا، لا بأس بالرهان الصعب فيما تنسدُّ الآفاق جميعاً.