كل من تابع الملف المتعلق بالاتحاد الدولي لكرة القدم – "الفيفا"، سواء ما تعلق منه بالمطالبة بطرد إسرائيل من عضويته أو انتخاب رئيس جديد له لا بد وأن يكون قد لاحظ مثلي بأن هذا الملف قد اعتراه العديد من الأخطاء، أولها المطالبة بطرد إسرائيل من عضوية منظمة دولية دون أن تكون السلطة جادة فعلياً في ذلك. وثانيها الادعاء بأن هذا الملف رياضي لا علاقة "للسياسة" فيه. وثالثهما التعامل مع انتخابات رئاسة المنظمة الدولية دون تنسيق مباشر وفاعل مع الاردن وهي الدولة التي ترشح أميرها لرئاسة الاتحاد.
يقول جبريل الرجوب، رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، في المؤتمر الصحافي الذي عقده فور عودته من اجتماع "الفيفا" بأن التراجع عن المطالبة بطرد إسرائيل من المنظمة الدولية كان بعد موافقة إسرائيل على أربعة مطالب من أصل خمسة تتعلق بالرياضة الفلسطينية، ولهذا فإن ما جرى في سويسرا يعتبر إنجازا للفلسطينيين وليس خسارة. وفي نفس السياق يقول الرجوب بأن ملف "الفيفا" هو "رياضي" لا علاقة للسياسة به، بمعنى ان القرار بالمطالبة بطرد إسرائيل من عضوية "الفيفا" تم اتخاذه من قبل الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وأن قيادة السلطة لم تستشر في ذلك لا سابقا ولا لاحقا عندما قرر الاتحاد سحب مطالبته.
حديث الرجوب يبدو معقولاً لو كانت فلسطين دولة تتمتع بالسيادة على أرضها لكنها تعاني من بعض "المنغصات" الخارجية التي تثيرها دولة مجاورة، لكنه بالتأكيد لا يصلح عندما يكون الحديث عن "دولة" تحت الاحتلال. تحت الاحتلال كل ما يتنفسه الناس هو سياسة. الحصول على رغيف الخبز هو سياسة لأن الاحتلال من يتحكم بوجوده او عدم وجوده في الأسواق. السفر بين المدن الفلسطينية وقراها سياسة لأن كل من يغادر بيته لا يعلم إن كان سيعود إليه سالماً أو سيلقى حتفه على حاجز عسكري أو برصاص مستوطن أثناء سفره.
الرياضة الفلسطينية ليست استثناء. لهذا فإن الحديث عن "رياضية" ملف "الفيفا" هو مجرد "طق حنك" كما يقال لا يجب ان يصدر عن "سياسي" فلسطيني. الرجوب يعلم بأن حركة التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني والدول التي كان من المتوقع أن تصوت لصالح قرار طرد إسرائيل كانت ستفعل ذلك ليس من باب تشجيع "اللعب الحلو لفريق كرة القدم الفلسطيني" ولكن من باب التضامن السياسي مع الفلسطينيين. أعتقد بأن الفلسطينيين تعلموا الكثير من ملف "غولدستون" وهم ليسوا بحاجة لتكرار التجربة.
ليس كل شيء تكتيكا ولا يجب ان يكون. إما ان يكون هنالك قرار إستراتيجي بالعمل على عزل دولة الاحتلال دولياً وتكريس سياسة المقاطعة لها كنهج وإما أن لا يكون. لا يجب المغامرة بمصداقية الفلسطينيين وبجديتهم في طرح مسألة معاقبة إسرائيل وعزلها دولياً. هدا تكتيك ضار يجرد الشعب الفلسطيني من حلفائه، ويعطي الانطباع لدولة الاحتلال بأن بإمكانهم مراضاة الفلسطينيين بالفتات. أكثر ما نخشاه في مسألة التكتيك هذه أن لا تعود هنالك مصداقية لأي شيء يقوله قادة الشعب الفلسطيني.
كعضو لجنة مركزية في حركة "فتح" من حق الرجوب أن يحاول حماية المستوى السياسي وأن يحمل نفسه المسؤولية. لكن جميع الشعب الفلسطيني يدرك بأن قرارا بحجم المطالبة بطرد إسرائيل من منظمة دولية ثم العدول عنه لا يمكن أن يتم بدون مشاركة المستوى السياسي.
نأتي أخيراً للمسألة التي شغلت الشارع الأردني أكثر من المسألة المتعلقة بالموقف من إسرائيل وهي مسألة التصويت للأمير علي لرئاسة الفيفا وما ترتب عليها من بث لسموم إقليمية عفنة ومطالبات بسحب الجنسية الأردنية من الرجوب وأخرى من بعض النواب بتقنين قرار فك الارتباط مع الضفة.
علينا بداية ان نسجل بأنه لا دخان بدون نار. صحيح بأن فلسطين صوتت للامير علي لرئاسة الفيفا، لكن صمت الأمير علي يوحي بأن هذا الموقف قد اتخذ في الساعات الأخيرة فقط. بينما كان المفروض هو تبني المرشح الأردني لرئاسة الفيفا منذ البداية والتنسيق مع الأردن لحشد الأصوات لإنجاح مرشحه. المسألة هنا لا تتعلق فقط بوجود مرشح عربي أقرب للشعب الفلسطيني من بلاتر المتهم برعاية الفساد في المنظمة الدولية، ولكن على المحك هنا هو خصوصية العلاقة الفلسطينية- الأردنية ومصالح الشعب الفلسطيني المرتبطة بالأردن. هذه مسألة لا يمكن التلاعب بها، إغفالها، أو القفز عنها.
هذا في جميع الأحوال لا يبرر حملة "الكراهية" التي يحاول البعض بثها. سحب جنسية الرجوب وقوننة فك الارتباط ليست بذات أهمية. الأولى خاضعة للقانون الأردني، والثانية هي مسألة جدالية في الأردن. البعض يقول بأن القوننة تحمي الأردن من التحول الى وطن بديل للشعب الفلسطيني، والواقع يقول بأن الصراع مع إسرائيل غير خاضع للقوانين. إسرائيل لم تكترث بأحد عندما احتلت الضفة الغربية، ولم تكترث بأحد عندما ضمت القدس، وهي لم تكترث بأحد عندما بنت جدارها الفاصل، ولا تكترث بأحد وهي تبني مستوطناتها. إسرائيل لا تكترث بحلفائها الذين يعطونها المال والسلاح فكيف ستكترث بالأردن إذا ما قررت في ظروف مواتية لها إقليميا تهجير الفلسطينيين الى الأردن.
المسألة المقلقة حقاً هي في استغلال البعض لموقف الرجوب خلال انتخابات الفيفا لخلق "صراع فلسطيني-أردني" على الساحة الأردنية نفسها. لا نعرف بالضبط لمصلحة من يتم ذلك وكيف يمكن لتوتير العلاقات بين أبناء الشعب الواحد أن يخدم الأردن. هنالك نخب تتغذى على كل صراع لكن مصالح هذه النخب ليست بالضرورة، تمثل مصالح الشعب الذي تدعي دفاعها عنه.
في العام 2012، أفزعني ذلك الحديث الذي كنت أسمعه تقريبا في كل بيت أدخله عن ضرورة محاربة الشيعة الروافض. أفزعني لسببين: الاول أن الأردن لا يوجد به شيعة، والثاني أن الذين يرغبون بمحاربة الشيعة هم من طردتهم إسرائيل من أرضهم وحولتهم الى لاجئين ينتظرون معونة وكالة الغوث. بحثت ووجدت أن غالبية من خطباء المساجد في الأردن ومعهم الحركة الإسلامية في الأردن لا همّ لهم إلا التحريض على الشيعة بسبب ما يجري في سورية.
مختصر الكلام إذا كان بإمكان النخب تهييج الناس ضد عدو وهمي غير موجود بينهم فإن بإمكان النخب أن تهيج الناس ضد بعضها البعض تحت اسم فلسطيني وأردني، ومن يدري، ربما يقسمون الناس لاحقا الى شمالي وجنوبي، فلاح ومدني، سني حنبلي وسني شافعي إذا ما اقتضت مصالحهم ذلك. النخب التي لا تخاف على شعبها من الصراع الاهلي والتي تحرض عليه يجب عزلها وفضحها.


