أتحفنا الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل عدة أيام بتصريحات نارية تتصل بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وموقف إدارته من تل أبيب وكيفية التعامل معها على الساحة الدولية على ضوء تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السلبية بشأن حل الدولتين.
"خُرِّيفة" أوباما هي نفسها التي كان قد أطلقها بعد فوز نتنياهو في انتخابات الكنيست، حيث قال الرجل حينها إن واشنطن ستعيد النظر في علاقتها مع إسرائيل، واليوم يعود من جديد ليطرح نفس التصريحات التي تفيد باحتمال إعادة النظر في طرق حماية إسرائيل على الساحة الدولية.
شهران تقريباً يفصلان بين تصريح الرئيس الأميركي الأول والثاني الأخير الذي يقول فيه إن حكومة نتنياهو تهدد مصداقيتها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وفي هذين الشهرين لم تفعل واشنطن أي شيء، باستثناء أنها صمتت عن الأفعال الاستيطانية الإسرائيلية الفاضحة في الضفة الغربية.
بعد ذلك يواصل أوباما حديثه بضرورة تعامل تل أبيب مع سيناريو التوازن الديمغرافي بين اليهود والعرب، وكأنه يوافق من حيث المبدأ على استمرار الاستيطان لكن بهدوء وبعيداً عن الأضواء وبدون أي ضغوط أميركية لوقف تغيير هذا النشاط الجغرافي لصالح تل أبيب.
ليس علينا أن ننخدع في شخص مثل أوباما وقبله جورج بوش الابن الذي اقترح حل الدولتين، فهذان الرجلان لم يفعلا أي شيء إيجابي لخدمة القضية الفلسطينية، وانضم إليهما توني بلير مبعوث الرباعية الدولية المستقيل، الذي غطى على كافة النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية وأمد تل أبيب بالوقت الكافي من أجل تثبيت مخططاتها العنصرية التوسعية.
ماذا فعل أي من هؤلاء للقضية الفلسطينية؟ النتيجة لا شيء، بل هي سالب تحت الصفر على كافة الصعد، خصوصاً وأن الاستيطان يسير بطريقة جنونية في عهد هؤلاء، وكل التصريحات اللفظية الرقيقة والمتلاعبة لصالح القضية الفلسطينية، ليست سوى غطاء لإسرائيل للإسراع أكثر في المضي بمشروعاتها الإحلالية.
تصريحات أوباما هذه تحتمل أكثر من تفسير، فهي ربما إشارة لمدى سوء العلاقة الشخصية مع نتنياهو، وأن على الأخير تقديم اعتذار للرئيس الأميركي، أو أنها تستعجل الحكومة الإسرائيلية لتغيير الوقائع الجغرافية والديمغرافية قبل الحديث عن أي تسوية مستقبلية.
لماذا لا نصدق أن أوباما يريد أن يقول لنتنياهو الآتي: المرحلة وردية بالنسبة لكم، ولا أحد هناك ينظر إلى نشاطاتكم، خصوصاً وأن العالم منشغل بما فيه من أولويات تسبقكم، وعليكم أخذ الحيطة والحذر والاستفادة من التجاذبات الدولية وضعف الدول العربية لفرض وقائع على الأرض تغير من أي سلوك تفاوضي مع الطرف الفلسطيني.
لماذا لا نصدق أيضاً أن الرئيس الأميركي صاحب قول وليس صاحب فعل، وأن رصيده في الأفعال ضئيل جداً خصوصاً فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، والخيوط الكثيرة المتشابكة حين يتعلق الأمر بقوة اللوبي الصهيوني وتأثير الجمهوريين على أي قرار أوبامي يخص تل أبيب.
شخص مثل نتنياهو مدرك للخطوات التي يقوم بها، وهو حين يأخذ قرارات فإنما تكون مدروسة ومحسوبة، وحين يعلن عن رغبته التفاوض حول حدود الكتل الاستيطانية ويعين الوزير سلفان شالوم مسؤولاً لملف المفاوضات، فإنه يعرف بالضبط ماذا يفعل.
نتنياهو يعرف بالضبط أين يمكن أن تصل حدوده مع الولايات المتحدة، وهو متيقن تمام اليقين أن شخصاً مثل باراك أوباما إنما يقول ولا يفعل، وأنه لن يمس أبداً بسمعة ومكانة إسرائيل أمام المحافل الدولية، خصوصاً مع وجود علاقة أبوية استراتيجية حديدية بين واشنطن وتل أبيب.
فقط كل ما يحصل هو أن الإدارة الأميركية تريد خلط الأوراق وتعويم الكثير من القضايا، كما هو حاصل اليوم مع سورية والطريقة الأميركية لمحاربة تنظيم "داعش" التي ستكلف المزيد من الوقت قد يصل إلى سنوات طويلة، تكون فيها دول مثل سورية والعراق وليبيا قد استنزفت إلى أبعد الحدود.
ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ليس بعيداً عن ذلك، ويدخل في إطار مرحلة التعويم الأميركي، وقد تمثل تصريحات أوباما حمايةً لإسرائيل من أي تحرك فلسطيني جديد أمام المحافل الدولية لجهة استخراج وتوليد آلية تفرمل الذهاب الفلسطيني إلى تلك المحافل، أو تطميناً للسلطة الفلسطينية ولبعض الدول الأوروبية المستفزة من تصريحات نتنياهو بصدد قبر الدولة الفلسطينية.
بعيداً عن أوباما والسياسة الأميركية وكذا الإسرائيلية، ماذا عن الوضع الفلسطيني وجاهزيته وإمكانياته لصون قضيته والمضي بالملف الفلسطيني أمام الهيئات والمحافل الدولية؟ ألا تشكل حادثة الفيفا سابقة خطيرة تنعكس سلباً على الموقف الفلسطيني؟
ما فعله جبريل الرجوب بسحب طلب تعليق عضوية إسرائيل في الفيفا إنما يدل على ضعف أداء السلطة وخضوعها للضغوط وعدم كفاءتها في اختيار الأوقات المناسبة واقتناص الفرص لإحراج إسرائيل، وما أصعب أن يحاول الأجانب والأغراب رفع العلم الفلسطيني والتضامن مع المواقف الفلسطينية السياسية والكروية، بينما يمتنع شخص مثل الرجوب عن محاسبة إسرائيل دولياً.
إن الذهاب إلى العالم يحتاج إلى لغة فلسطينية سليمة وعقلانية لإقناعه بعدالة قضيتنا وبأننا خلصنا من سنين المراهقة ولدينا المؤهلات التي تمكننا من ممارسة مسؤولياتنا على أكمل وجه، أما أننا نراهن على الولايات المتحدة ومواقفها الإسفنجية تجاه القضية الفلسطينية ولا نحصن أنفسنا داخلياً، فإننا أقرب إلى إدارة أزماتنا كما يفعل معنا الاحتلال.
العلاقات الوطنية الفلسطينية في قمة الخطر، وتنزلق إلى منحدرات جد صعبة، وإذا لم يتم استدراك هذا الوضع بإيجاد خريطة طريق للتوفيق بين الفلسطينيين، وإصلاح مؤسساتنا من شوائب وعوالق كثيرة، فسيأتي اليوم الذي يكبر فيه التسونامي الذي نصنعه بأيدينا، ليأخذنا إلى غير رجعة.
ألسنا متساوين مع أوباما الذي يقول ولا يفعل، ونقول ونرفع شعار الوحدة ومعالجة الانقسام ونسيّر رحلات وحوارات وطنية بدون أي فوائد حقيقية، وفي النهاية يبقى القول هو سيد المرحلة، وأما الفعل فنفهمه على أنه مفعول بنا لا فاعلين.
Hokal79@hotmail.com


