بصوتها الناعم، والضحكات الحرجة التي تظهر بين وقت وآخر على وجهها المغطى بالحجاب، تروي ايمان هلال عن تجربتها كمصورة صحفية غطت المظاهرات العنيفة في مصر في سنوات 2011 – 2013، والمواجهات بين مؤيدي الاخوان المسلمين وبين قوات الامن.
هلال تتحدث مع المستضيفة القديمة ريم ماجد في ستوديو التلفاز لشبكة "أون تي.في" المصرية، في برنامج جديد اسمه "نساء بلغة الجماعة" الذي تم انتاجه بالتعاون مع الشبكة الالمانية "دوتيشا وولا". على الطاولة يوجد لابتوب تركز عليه الكاميرا بين فينة واخرى من اجل اظهار الصور البشعة للجثث والمصابين والمتظاهرين الذين يتعرضون للضرب من قبل الشرطة في احدى المظاهرات الأكثر عنفا في القاهرة قبل سنتين.
كانت هذه الحلقة الثالثة من البرنامج التي كان يفترض أن تُبث بعد حلقتين أثارتا الجدل في مصر. لكن الحلقة التي كانت بعنوان "السلطات" لم تُبث، حيث تم الأمر بوقف البث دون اعطاء أي سبب. فتحت نظام عبد الفتاح السيسي ايضا ممنوع توجيه النقد لقوات الأمن.
ما أغضب السلطة ليس فقط ما جاء في المقابلات، بل المستضيفة ومن قامت باستضافهم. ريم ماجد (30 سنة) أنهت دراسة الاعلام في جامعة القاهرة وبرزت منذ 2011 كمن لا تنحني أمام النظام. حتى قبل عامين عملت في شبكة "أون تي.في" وقدمت البرنامج الناجح "بلادنا بالمصري"، حيث لم تتردد في استضافة المعارضة والمثقفين الذين انتقدوا النظام العسكري.
في احدى الحلقات استضافت ماجد رئيس الحكومة في حينه أحمد شفيق، الذي عُين في نهاية عهد حسني مبارك، والكاتب المعروف علاء أسواني مؤلف كتاب "عمارة يعقوبيان" ذائع الصيت. شفيق تحدث عن خطته لتحويل ميدان التحرير الى ما يشبه "هايد بارك". أسواني لم ينتظر التفاصيل وانهال على شفيق: "أنت تسأل ما السيء في أن يكون للناس مكان يتواجدون فيه؟ يجب أن نجد أولا من قتل الناس في ذلك المكان". وبعد ذلك بقليل أعلن شفيق عن استقالته. الصحفية ماجد أيضا تضررت حيث استدعيت الى التحقيق في أيار 2011 بعد أن استضافت أحد النشطاء من اجل حقوق المواطن الذي تحدث عن التعذيب الذي يمارسه رجال الامن. وبعد عامين استقالت من الشبكة التي عملت فيا مدة 12 سنة لأن "أون تي.في"، كما تقول "تفضل الأمن، أما أنا فأفضل الحرية". ابتعدت سنتين عن الشاشة حتى وصل اليها اقتراح البرنامج الجديد الذي يتناسب مع الاجندة النسائية الخاصة بها.
القوى الامنية والنظام لا يعارضون الاجندة النسائية بشرط أن لا تصطدم مع صورتهم العامة. حسب ادعاء شخصيات رسمية في النظام فان النظام لم يعارض بث الحلقة الثالثة من برنامج "نساء على لسان الكثيرين"، وصاحب المحطة سوارس أكد هذا الأمر. حسب زعمه البرنامج توقف لاسباب اقتصادية: "لأنه لم يقدم حتى ولا اعلان واحد، لا توجد أي صلة لقوات الامن بذلك".
قبل ذلك بيوم واحد نشر الموقع التابع للمحطة "أونا" مقالة بعنوان "ريم ماجد، الشابة التي تخيف الحكومة"، وجاء فيها أن القرار اتخذ نتيجة ضغوط شخصيات أمنية رفيعة المستوى. وبعد كلام سوارس بساعات نشر الموقع توضيحا يقول إن برنامج ماجد لم يُلغ بل تم تجميده بسبب استراتيجية اقتصادية جديدة للشبكة.
استراتيجية جديدة أم لا، ماجد ليست الصحفية الوحيدة التي شعرت على جلدها شعور القمع الذي يفرضه نظام السيسي تجاه الاعلاميين. في السنة الماضية قرر الصحفيون رفيعو المستوى ومنهم عبير سعدي، نائبة رئيس نقابة الصحفيين، ترك المهنة في أعقاب ما وصفوه بعدم القدرة على الملاءمة بين المعايير المهنية وبين ما يفرضه أصحاب المؤسسات الاعلامية. بلال فضل، صاحب زاوية في صحيفة "الشروق" استقال بسبب الرقابة. والشخصية الهزلية باسم يوسف توقف عن الظهور خوفا على حياته وحياة أبناء عائلته. الكاتب أسواني توقف عن الكتابة في صحيفة "المصري اليوم" لأنه "لا شيء مسموح غير رأي واحد". وبرنامج وائل الابراشي توقف بسبب الانتقادات التي وجهها للوزراء. هذه قائمة جزئية فقط وهي لا تشمل الصحفيين الذين تم اعتقالهم.
مع ذلك، تجدر الاشارة الى أن الانتقادات ضد الشرطة مسموحة – على عكس القوى الامنية. الصحافة تحدثت عن عشرات احداث القمع والتعذيب والاغتصاب في محطات الشرطة، والخط الفاصل بين المسموح والممنوع غير واضح، والقرار موجود في أيدي "السلطات" التي ترى الآن أن الحرب ضد الارهاب، المبررة أصلا، فرصة لمحاسبة من ينتقد النظام.


