وقع المحظور في المنطقة العربية وانزلقت إلى الصراع المذهبي الذي تمت محاولة اخماده في العقود الماضية بعد أن ظل مستعراً منذ أن بدأ قبل قرون لتنكشف المنطقة العربية على أسوأ ما فيها من نزعات اعتقدنا أنها جزء من ماضي أصبح خلف ظهورنا مع ظهور الدولة الوطنية والنزعة القومية التي علت على التقسيمات الصغيرة.
أخطأنا حين اعتقدنا أن الوطن أصبح هو الأهم فما نراه من ذبح أبناء الوطن لبعضهم باسم المذهبية والاغراق في التعصب حد الجهل الذي يظهر أن منظريه العائدين للتو من العصر الحجري يتسيدون منابر العلم والحكم ،أخطأنا عندما اعتقدنا أننا وضعنا أقدامنا على حافة المواطنة والدولة المدنية لنكتشف أن كل ذلك لم يكن أكثر من شعارات رفعتها بعض أحزاب ومنظمات منفصلة تماماً عن حالة الوعي واللاوعي الكامن في ثقافتنا.
حاولت بعض الدول الافلات من هذا التراث المغمس بالدم والجهل ومغادرة القرون الوسطى وانقسم العالم العربي إلى منظومتي حكم، الأولى دول الخليج بثقافتها القبلية القديمة ونزعاتها البدائية التي أنتجت كل هذا العنف الموزع على خارطة الشرق والدول الوطنية الأخرى التي تقدمت باتجاه الوطن بغض النظر عن جنس أو ديانة أبناءه لكن ما حدث في السنوات الأخيرة من دور للخليج وبالتحديد قطر والسعودية جر الدولة الوطنية نحو صراع القبيلة وثقافتها الدامية.
كيف دخلت هاتين الدولتين على خط الثورات في الاقليم؟ كيف صدقنا أنهما دول ثورية حقيقية أو أن هذه الدول هي دول الديمقراطية والحداثة والانتخابات وغير ذلك من المفاهيم التي تبدو في حالة عداء مطلق مع هذه الدول وكيف لم ندرك خطورة الأمر ونحن نصفق لدول جرى اتهامها طويلاً بالرجعية والتخلف والتبعية.؟ ومنبع الخطورة بما تملكه هذه الدول من امكانيات نفطية ومالية كفيلة بادامة حرب لا نهاية لها وهكذا يبدو المشهد مما نراه في الاقليم.
إن من يتابع فتاوى شيوخ الوهابية الصحراوية يجد الوصفة السحرية لاستمرار القتل والموت لقرون قادمة إذ تفوح منها رائحة مذهبية تكفي لاحراق المنطقة التي لن ينجو منها سوى الدول عديمة التنوع إذ وصل بعضها إلى وضع أبناء الدين الواحد من الشيعة على رأس أولوية القتال قبل اليهود وفي هذا قدر من التخلف وقدر أكبر من الخوف حين توضع اسرائيل جانباً ويصبح الصراع الرئيسي في الدين الواحد وهو صراع لن ينتهي إلى يوم الدين.
لقد تعايشت مذاهب البروتستانت والكاثوليك المسيحيتين في الدولة المدنية وتعايشت اليهودية المحافظة والبروتستانية في الدولة الاسرائيلية وبقينا نحن نغرق أكثر ونعيد انتاج ذاتنا بأسوأ ما فينا من حروب العصور الوسطى كأن الأمية في قراءة تجارب التاريخ هي قدرنا الوحيد وهذا طبيعي حين يكون المال العربي بيد أكثرنا تخلفاً لنا أن نتصور أين وكيف يتم انفاقه، بالتأكيد في تدمير الدول التي تقف على حافة الدولة المدنية وحافة الهاوية لتأتي هذه الثقافة والمال تدفعها نحو القاع هذا ما حصل وإن كانت فرصة للنجاة لكن أموال البترول أضاعت الفرصة.
في النصف الثاني من أيار تم تفجير مسجدين في شرق السعودية وها هي التي اعتقدت أنها بمنأى عن الصراعات المذهبية لابد وأن تحرق أقدامها حين يستعر هذا الصراع في الاقليم وقد قامت بتسعيره بلا تفكير ودون أن تدرك أنه حين ينفتح هذا الصراع يحكم على أجزاء الوطن بالطلاق فلا يمكن العودة للوراء ولن يكون غير التقسيم مخرجاً ألم تقرأ السعودية منذ سنوات أن هناك من يرغب بتقسيمها ؟ يبدو أنه حان دورها أو أنها جنت على نفسها.
هل يمكن أن تعود سوريا للتعايش؟ وهل يمكن أن تتعايش جزيئات العراق؟ وهل يعود اليمن بأبناءه الشيعة والسنة؟ وبعد أن تتوالى التفجيرات وتبدأ السعودية بالفعل ورد الفعل هل يمكن أن تبقى كما هي؟ أليس هذا هو المخطط القديم الجديد الذي جرى الحديث عنه منذ احتلال العراق؟ لقد أعطت السعودية وقطر لهذا المخطط عوامل الدفع والاسناد منذ أن ألقت بثقلها في سوريا لتفتح نار جهنم في الاقليم يكفي أن نراقب ما يقوله أصحاب الفتاوى في السعودية ورجال الدين لندرك حجم الثقافة التي يتم نشرها لتدمير الدول ؟ وقد حصل فكيف اخترعوا لهم عدواً من أبناء دينهم..؟ نحتاج إلى قرون طويلة ولكن لن نعرف كم من المجازر والجماجم ستتدحرج لسنوات ولن يسلم من الشر حتى الذين استهوتهم لعبة الحروب...!!
Atallah.akram@hotmail.com


