خبر : ماذا سيقول أوباما لقادة دول الخليج ؟ .. محمد ياغي

الجمعة 15 مايو 2015 09:30 ص / بتوقيت القدس +2GMT



اجتماعات الرئيس الأميركي بقادة دول الخليج تقليد متعارف عليه لدى الرؤساء الأميركيين ومعمول به منذ عقود، وعادة ما تتم الاجتماعات بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بعدة أشهر، يتم فيها تبادل الآراء ويتعرف بها الرئيس الأميركي على نظرائه الملوك والأمراء والشيوخ. 
اجتماع الأمس في كامب ديفيد بين الرئيس أوباما وقادة ست دول خليجية هو استثناء، لأنه أولاً يأتي مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس الأميركي، وثانياً لأنه يتم مع قادة الدول الست مجتمعين وفي هذا بالضبط تكمن أهمية الاجتماع.
قادة دول الخليج يحضرون إلى واشنطن وفي جعبتهم شكوك «كبيرة» حول سياسة الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، أهمها على الإطلاق اقتراب توقيع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لاتفاق مع إيران ينهي المقاطعة الاقتصادية على الأخيرة، مقابل سماحها بمراقبة نشاطها النووي وتخفيض عدد أجهزتها للطرد المركزي، وهو ما يثير دول الخليج العربي التي ترى بأن اتفاقاً كهذا لا ينهي قدرات إيران النووية، ويمكنها في الوقت نفسه من تحرير ودائعها المجمدة والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات في أميركا والدول الأوروبية، ويجعلها أيضاً شريكاً في معظم القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط. 
تحرير الودائع الإيرانية تحديداً مسألة تثير قلق دول الخليج؛ لأن إيران ببساطة ستمتلك فائضاً مالياً يمكنها من الصرف على حلفائها في سورية ولبنان واليمن وغزة، وهذا ما لا تريده هذه الدول، والتي تسعى إلى إسقاط نظام الأسد في سورية، وإنهاء وجود حزب الله في لبنان، وإخضاع الحوثيين في اليمن لشروطها، وتدجين المقاومة في غزة. 
احتفاظ إيران بقدرات تقنية على تخصيب اليورانيوم ومعه برنامج متقدم للأبحاث النووية يديره خبراء يمتلكون المعرفة، يعني في الحسابات الخليجية أن إيران ستتمكن في النهاية من الحصول على سلاح نووي، وهذا مصدر خطر آخر لدول الخليج التي ترى أن امتلاك إيران لهذا السلاح سيجعل منها قوة لا يمكن تجاهلها في كل ما يتعلق بأمن الشرق الأوسط، وسيفرض عليها بالتالي تقديم تنازلات لإيران لا ترغب بها. 
بحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن الأمير تركي الفيصل قد «لفّ العالم»؛ محذراً بأن السعودية ستقوم بامتلاك كل ما تمتلكه إيران، بمعنى أنها ستسعى للحصول على التكنولوجيا النووية بأي ثمن. 
الأمير تركي بحسب الصحيفة تحدث عن الولايات المتحدة بلغة «الصديق الذي كان»؛ في إشارة إلى عمق الهوة بين إدارة أوباما وقادة دول الخليج. 
تهديد الأمير تركي بامتلاك تكنولوجيا نووية لم تعره الولايات المتحدة أي اهتمام، وهذا مفهوم بالطبع لأن شرط امتلاك «التكنولوجيا» هو وجود الإنسان المؤهل للتعامل معها، وهو ما لا تمتلكه السعودية أو دول الخليج مجتمعة، والحديث عن أن الولايات المتحدة لم تعد حليفاً هو مسألة أقل من أن تعيرها الأخيرة أي اهتمام؛ لأن أمن الخليج وبنيته الاقتصادية (الشركات العاملة في مجال النفط تحديداً) مرتبط بالدول الغربية وتحديداً أميركا. 
دول الخليج إذا لا تمتلك حقيقة أوراق ضغط تمكنها من فرض شروطها على الولايات المتحدة، لكنها ستسعى للحصول على مقابل أميركي للصفقة مع إيران، هذا المقابل الذي تريده في اتجاهين: الأول إسقاط نظام الأسد في سورية والثاني ضمانات أمنية جديدة.
إسقاط الأسد يعني أيضاً إنهاء وجود حزب الله في لبنان، وبالتالي إضعاف النفوذ الإيراني في أحد جبهات الشرق الأوسط، ومنذ أربعة سنوات ودول الخليج تحاول ذلك وهي لم تتورع عن دعم «التكفيريين» للقيام بهذه المهمة، لكنها إلى الآن لم تنجح في ذلك.
إذا تمكنت من إقناع إدارة أوباما بإعلان الحرب على سورية ستكون قد حصلت على ما تريد. 
هنا لا يبدو أن هنالك فرصة لدول الخليج بالنجاح لأن المعادلات في سورية لم تتغير، وروسيا لا زالت على موقفها الداعم للأسد، وإيران ليست مستعدة لخسارة الأسد وحزب الله بدون حرب يتم فيها توريط الجميع بما في ذلك إسرائيل، وبالنسبة للولايات المتحدة لا بديل في الأفق لنظام الأسد، والحرب مع الجماعات التكفيرية في سورية شيء والحرب مع الولايات المتحدة شيء آخر. 
الأولى يمكن الحفاظ عليها في نطاق سورية الجغرافي، وما هو مطلوب لاستمرارها هو تعويض الخسائر البشرية والذخائر للنظام السوري، وهو ما تقوم به إيران اليوم، والحرب مع أميركا تمثل «نهاية النظام في سورية» و «نهاية حزب الله في لبنان»، وهي بالتالي حرب من نوع آخر ولها شروط مختلفة وستلعبها إيران وحلفاؤها وفق قواعد جديدة تضمن اتساع رقعه الحرب. 
إدارة أوباما ستكون حريصة على إيضاح كل ذلك لدول الخليج، لكنها قد تقدم بعض التنازلات لها، من نوع تسريع تسليح المعارضة المعتدلة في سورية، لكن هذا أقل بكثير مما تريده دول الخليج التي لا يهمها من يحكم سورية بعد رحيل الأسد. 
في الجانب الأمني ستسعى دول الخليج للحصول على علاقات شبيهه بتلك الموجودة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكن حتى هنا هنالك حدود لما يمكن للولايات المتحدة التعهد به لدول الخليج. 
أمريكا كانت ولا تزال ضامنة لأمن الخليج من أي اعتداء خارجي، بمعنى سيكون من السهل على الولايات المتحدة تقديم تعهد بأنها لن تسمح لأية دولة بأن تعتدي على دول الخليج، وبأنها ستعتبر الحرب على دول الخليج حرب على الولايات المتحدة نفسها. كان هذا حتى الآن هو أساس العلاقة بين دول الخليج والولايات المتحدة، لكن الأخيرة لا تستطيع الذهاب أبعد من ذلك. 
المسألة هنا مركبة بعض الشيء، ليس من الضروري أن تقوم إيران مثلاً بالتدخل المباشر في هذه الدول، لكنها تستطيع أن تدعم المعارضة الداخلية في هذه البلدان، وهذا ما يقلق دول الخليج أكثر. 
هذا ما تعتقد دول الخليج بأنه يحدث في البحرين وما يحدث في اليمن، وهذا ما تخشى حدوثة السعودية داخل حدودها، وهنا لا يبدو أن الولايات المتحدة على استعداد لتقديم ضمانات لحماية هذه الدول؛ لأن العدو في هذه الحالة هو داخلي. 
أوباما كان قد تحدث عن ذلك في مقابلته مع صحيفة نيويورك تايمز، قبل شهر تقريباً، عندما أعلن بأن مشاكل دول الخليج ليست جميعها قادمة من إيران، وأن هنالك بطالة وغربة وإقصاء يعاني منها شباب دول الخليج، وأن هذه مسؤولية حكوماتها وليس مسؤولية إيران. 
لعل الأهم من كل ذلك هو غياب الملف الفلسطيني عن هذا اللقاء، وهو مؤشر على الحالة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية. 
على أية حال، لقاء كامب ديفيد بين قادة دول الخليج والرئيس أوباما قد يوضح كيف يفهم الطرفان حقائق الشرق الأوسط الجديدة، لكنه ليس مرشحاً لدفع الولايات المتحدة لتغيير سياساتها.