واخيرا " نجح" نتنياهو في توحيد الائتلاف الحكومي لانشاء حكومته الرابعة والتي قد تقسم اليمين الدستورية خلال يوم الاثنين القادم لتبدأ بممارسة عملها في حكم اسرائيل. ولكن الاقواس التي تحيط بكلمة نجح في الجملة السابقة لا تعرب عن تقييم هذا الانجاز لرئيس الحكومة الذي ترأس حتى الان اربع حكومات في اسرائيل ,لان رئيس الحكومة هذا - باعتراف الجميع - انشأ اضعف ائتلاف في حياة نظام الحكم في اسرائيل منذ قيامها. رئيس الحكومة الذي بادر لتقصير عمر الكنيست السابقة واجراء انتخابات مبكرة قصد بذلك الى اضعاف خصومة وزيادة دعمه الحزبي. لقد نجح في توسيع كتلة " الليكود" الحزبية ولكن حصة الاسد من هذه الزيادة جاءت على حساب افيجدور ليبرمان شريكه السابق في الحكم وزميله في الكتلة الانتخابية للكنيست السابقة,وزير خارجية حكومته الاخيرة وزعيم اليمين الاستيطاني وممثل كتلة المهاجرين الروس العلمانيين.
ليبرمان هذا , وحزبه "اسرائيل بيتنا" كان اكبر الخاسرين من الانتخابات للكنيست ال-20 التي تمت في مطلع شهر اذار السابق واهم اسباب هذا التراجع من 11 الى 6 مقاعد هو عملية الاعتقالات التي قامت بها الشرطة في العام الماضي ضد مجموعة كبيرة من نشطاء حزب ليبرمان هذا واتهامهم بجرائم الفساد من خلال نفوذهم في مختلف الوزارات التي كان لهم نفوذا فيها. ليبرمان لم ينتظر نهاية التحقيقات للتعليق عليها واكد لكل من سأله بان جماعته مظلومة وان الشرطة تلاحقهم لانها متحيزة ضد المهاجرين الروس - وانه شخصيا تعرض للاعتقال والتحقيق معه في كل السنوات العشر الاخيرة وان الشرطة لم تتمكن من اثبات اي من التهم التي وجهت ضده . "صديقه القديم" بيبي نتنياهو لم يتدخل وترك الامر للشرطه ولكن ليبرمان احتفل بقرار رئيس الحكومة واعلانه عن نيته تأليف حكومة "وطنية" اي حكومة يمينية ومن هنا طالب رئيس الحكومة الجديدة بالحفاظ على "حصته" من الوزارات الحكومية رغم تقليص تمثيله في البرلمان. نتنياهو اعتقد بان حكومة اليمين ( مع الاحزاب الدينية) هي تجربة تستحق اتباعها في هذه المرحلة خصوصا لمواجهة براك اوباما الذي لمح خلال المعركة الانتخابية انه سيتابع عن كثب موقف حكومة اسرائيل الجديدة من المفاوضات مع الفلسطينيين. ويظهر ان نتنياهو قرر التوجه الى انشاء حكومة يمينية للتلميح الى البيت الابيض بان كافة احزاب الائتلاف الحكومي ترفض التنازل عن مشاريع الاستيطان, وان الاستقرار السياسي في اسرائيل رهن بعدم التحرك على الجبهة الفلسطينية!.
ولكن ليبرمان الذي لم يقل يوما بانه يؤيد اقتسام فلسطين مع الفلسطينين (كما فعل نتنياهو مرة يتيمه تحت الضغط !) لم يكن سعيدا بتوجهات نتنياهو السياسية لان الحكومة الجديدة اعادت لاحزاب المتدينين الحرديم وزارة الاديان والنفوذ لمنع بعض الممارسات التي يتمسك بها اليهود الروس - مثل اكل الخنزير- والسلوك العلماني ورفض المحافظة على "قدسية السبت" ومختلف التقاليد اليهودية - اضافة الى ملاحقة نشطاء حزبه من قبل الشرطة - ولم يفصح عن ذلك حتى اعلن نتنياهو عن استعداده لحفظ مكانة ومناصب "اسرائيل بيتنا" وبضمنها وزارة الخارجية والاتصالات مع واشنطن ورام الله. وفي اللحظة الخيرة رمى ليبرمان قنبلته السياسية: استقال من وزارة الخارجية واعلن بانه- وحزبه- يرفضون الائتلاف مع حكومة نتنياهو " المتقلبة". ولتوضيح موقفه المفاجىء هذا ذكر بان نتنياهو الذي حرض على الناخبين العرب عشية الانتخابات عادبعد ايام معدودة للاعتذار, جمد اموال السلطة الوطنية وعاد بعد ايام وصرفها.
وهكذا لم يبق امام نتنياهو الا حزب "البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بنيت لضمان اغلبية برلمانية لحكومته الرابعة - حكومة يمينية وطنية. علاقات نتياهو مع بنيت ( الشخصية) ليست على ما يرام, وهناك من ينسب هذا الى علاقة سيئة بين بنيت وزوجة نتنياهو يوم كان يعمل فيه , وقد كشفت هذه الازمة في مرحلة المفاوضات لانشاء الحكومة السابقة قبل عامين - وكان ان دخل بنيت الحكومة بضغط جاء من يئير لبيد , زعيم حزب "يش عتيد" والذي اشترط اشتراكة في الحكم بمشاركة " اخيه" بنيت !.
وفي الايام الاخيرة -عشية المفاوضات لتاليف الحكومة الجديدة لم يفاوض حزب ليكود حزب " البيت اليهودي"الا بعد اكتشافهم بانهم بحاجة ماسة لهم لضمان عضو وحيد في الكنيست يضمن لهم اغلبية برلمانية - وهنا تقدمت كتلة " البيت اليهودي" باملاء مطالبها : وزارة التربية والتعليم لنفتالي بنيت, ووزارة الزراعة لاوري ارئيل مع ادارة "قسم الاستيطان" الذي يمول المستوطنات و"حل" مشاكل البدو في النقب, ووزارة العدلية لاييلت شاكيد عضو الكنيست التي اشتهرت بعداء صريح للمحكمة العليا والداعية لاقرار قانون يلغي صلاحية هذه المحكمة لالغاء قوانين تعارض نصوص قانون حقوق المواطن وعمله. ويضاف الى هذه الوزارات الهامة وعد البيت اليهود بنائب وزير في الحكومة للاشراف على الادارة المدنية في المناطق المحتلة !!! .
باختصارحكومة نتنياهو الرابعة هي اضعف واقرف حكومة اسرائيلية منذ قيامها. هي حكومة ظالمة للفلسطينيين لم تترك لهم اية وهم او حلم بحسن نواياها, وهي حكومة تعود بكافة النساء في اسرائيل الى الخلف باعادة البت بكافة النزاعات الخلافات الزوجية وقضايا الطلاق والزواج لمحاكم دينية معادية لحقوق النساء.
وهي حكومة رديئة لنتنياهو نفسه لان كل عضو كنيست محسوب على تأييد الائتلاف الحكومي يستطيع ابتزاز رئيس الحكومة وكل عضو كنيست يستطيع التغيب عن جلسة التصويت على الثقة وبذلك يسقط الحكومة !. ومن هنا فهي حكومة مؤقته - في احسن الاحوال, وزوالها يكون افضل بكثير اذا تم في اقرب الفرص!


