العنف في مظاهرة الاحتجاج للقادمين من اثيوبيا في ميدان رابين، فاجأ الكثيرين، لسبب ما. المفاجيء ان هذا لم يحدث قبل الان. ليس فقط بسبب الغضب المحق لهؤلاء الشباب، الذين سئموا من التجوّل في دولة ديمقراطية، ليبرالية ومتنورة في نظر نفسها، والاحساس في كل مكان بانهم درجة ثانية، في النظرة لهم والتعامل معهم، ولكن بالاساس نظرا لأنه ومنذ سنوات روايتنا الاجتماعية تقول ان المشاكل تحل بالعنف.
نحن دولة قانون، ولكن دعونا ننزع القناع الليبرالي، مجتمعنا عنيف، عديم الصبر والاحتمال، مؤذي ومدمر. وعنصري. هذا في الشارع، في المؤسسات الحكومية، في المدارس. تلك القطاعية، والتي في مرات عديدة يقوم رؤساء المجموعات داخلها بعمل كل ما بوسعهم من اجل توحيد القطاعات نفسها لمواجهة اي عدو خارجي. مثلا القيادة الحريدية او العربية. خذوا مثلا العفريت الطائفي. يجب محاربة اضطهاد ابناء الطوائف الشرقية، ولكن لشديد الاسف فان هذا الهيجان تحول الى نضال يشمل كل شيء لأبناء الشرق ضد ابناء الغرب، بمشاركة السياسيين. خذوا الردود على شبكات التواصل الاجتماعي ضد "اليسار المتطرف" – المسؤول على ما يبدو لإحتجاج الاثيوبيون.كم هو الاستهتار بإحتجاج الاثيوبيين.
من المفاجيء ان عنفا كهذا لم يندلع سابقاً، لأن الخطاب المؤسسي هو تحريض وعنف. الرواية الاجتماعية هي انه دائما هنالك مذنب، وعلينا ان نجده. لا نربي اولادنا في المنظومة التعليمية على التسامح وحب الانسان، بل بالعكس.المعلمون الذين يحاولون تحدي التفكير يجدون انفسهم مدانون من المنظومة. منذ فترة طويلة والرواية عن الشعب الاسرائيلي كضحية دائمة، حاضرة اكثر من اي شيء اخر. دائما بالامكان تنظيف الضمير بأي بعثة ضخمة الى نيبال. هذا مؤثر، ومثير للمشاعر، ولكنه لا يقول في الحقيقة من نحن. لاننا لا نستطيع التعامل مع الاغيار واليتامى والأرامل والضعفاء. طالبو اللجوء هم سرطان وليختنق أطفالهم الصغار في مخازن الاطفال. ان سجنا مخصصا ل2600 شخص لن يخفي 60 الفا. ولكن هذا سيشل الانتقاد السياسي. ويحولنا الى اشخاص عنيفين اكثر. وعنصريين.
وليس بالامكان تجاهل واقع امني عنيف. ابناء 18 يعملون في مهمات شرطية في مواجهة اطفال ومسنات. الوقائع تسرِّب العنف الى النفوس غير الناضجة للجنود الشباب، وتعود معهم الى البيت. ولا نقوم بما يكفي لمعالجة ذلك. وحتى ولو ظاهريا، في الوقت الذي تحولت فيه المظاهر الى محط الانظار: ها نحن قد ذبحنا عنات فاكسمان، رددنا للجربوزيين الصاع صاعين، شنقنا نجوم فيلم الشوكولاته ونددنا بهم، وها نحن نعانق الاثيوبيين. ولكننا في الطريق اغلقنا فم حرية التعبير وبررنا العنف غير المحق باسم الاحتجاج المحق. ايضا الرد على العنصرية ولعدم التسامح والتعصب يتحول الى "عليهم" ذو بعد واحد. هذان جانبان لعملة واحدة، والذي يقلص قدرتنا على الاحتمال ويحولنا الى لضيقي افق وعديمي القدرة لاحتواء التعددية،والقدرة على تفكيكها وفهمها. الكثير من هذا جرى بصورة ممأسسة، من اجل جني مكاسب هامشية. الكثير من هذا يعني نحن،الجمهور، الذي يعطي لمن يكسب من خلق جو اجتماعي متهجّم كهذه ليكسب على ظهورنا. مهما كان الامر، فإن العنف المبالغ به المؤسف والزائد في الميدان ليس مفاجئا. بل بالعكس. هذه هي الطلقة الاولى.


