لانتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت أهمية خاصة من بين كل الجامعات لأسباب عديدة وتاريخية، أهمها ان هذه الجامعة كانت أول من أرسى قاعدة الانتخابات الدورية ووضعت قواعدها والتزمت بها. وظل الحال كذلك حتى الآن. فشكراً لإدارة جامعة بيرزيت ولأجهزتها التنفيذية المتخصصة.
وهي في نفس الوقت لها أهمية خاصة على المستوى الوطني ودليل ذلك المقالات العديدة التي كتبت عنها وعن دلالات نتائجها على المستوى الوطني العام.
الانتخابات الأخيرة كانت ديموقراطية نزيهة، لم يشكك أحد بذلك ولا تذرع بعوار طالها لرفضها او التشكيك بنتائجها، او لتبرير او تفسير النتائج التي خرجت عنها. لم تعلن اي جهة مقاطعة الانتخابات وجاءت نسبة المشاركة في التصويت عالية (77% ). لم يتم اي حديث او اتهام عن تدخل اي من أجهزة الأمن فيها، ولا عن ضغوط أو إغراءات مارستها هذه الجهة او تلك او هذا المكتب أو ذاك.
إذن، فنحن نستطيع ممارسة الديموقراطية بنزاهة، ان اردنا. وإن التذرع الاتهامي الجاهز لعدم إجراء الانتخابات أو عدم المشاركة فيها في بعض الحالات باننا مسيرون بقوة الضغط الخارجي ومحكومون بتدخل وسطوة الأجهزة الأمنية، تبرير ساقط او مبالغ فيه جداً.
وإذن، لماذا لا نعتمد الانتخابات وعلى كل المستويات وفي كل المناطق طريقاً طبيعياً وحيداً لحل تبايناتنا وخلافاتنا، ولنترك الناس تأخذ كامل حقها في الفصل فيها وإقرار الأصلح منها واختيار القيادة التي ترتضيها وترى فيها وببرنامجها الأقدر والأنسب في المرحلة المحددة والظروف المحددة.
لماذا لا تأخذ الانتخابات وضعها الطبيعي، تطرد بدعة التوافق، وتقصي حوارات واتفاقات وتفاهمات الطرشان التي تشبه حوارات مجمع الكرادلة، لكن الدخان الذي يخرج عنها ليس ابيض وانما رمادي كالح، والكلام الذي يعلنه مليء بالثقوب وبمسارب التملص والارتداد.
واذاً، لماذا لا تُجرى انتخابات ديموقراطية نزيهة لمجالس الطلبة في جامعات قطاع غزة، وللاتحادات الشعبية والنقابية الأُخرى؟
وما الذي منع انتظام إجراء هذه الانتخابات طيلة السنوات الثماني الماضية. وهل ذلك نتيجة لانتفاء الديموقراطية او ضعفها الشديد في فكر الجهة الحاكمة في القطاع؟
لم تشكل نتائج انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت انقلاباً مفاجئاً، فمنذ ما بعد أوسلو وقيام السلطة الوطنية ظلت أغلبية عضوية المجلس يتم تبادلها بين قائمتي فتح وحماس. وظلت الأغلبية غير كاسحة، والاهم انها ظلت أغلبية نسبية وتحت سقف الأغلبية المطلقة ( 26 مندوبا) وهي الأغلبية التي تعطي لمن يحوز عليها الحق في تشكيل السكرتاريا منفردا ان أراد. الاستثناءان الوحيدان على هذه الصورة ما حصل في 2012 حين فازت فتح بالأغلبية المطلقة ( 26 مندوبا)، وحصلت حماس على 19، والثانية انتخابات هذا العام حين انعكست النتائج بالضبط ففازت حماس بالأغلبية المطلقة 26 وحصلت فتح على 19.
( للمقارنة، في انتخابات 2012 والتي جرت في 7 جامعات بالضفة و14 مركزا لجامعة القدس المفتوحة، بمشاركة حركة حماس، وبنسبة اقتراع تخطت قليلا 65%، فازت حركة فتح بنسبة 65.5% من إجمالي كل المندوبين المنتخبين وحماس بنسبة 30% واليسار بنسبة7.5%).
لا بد ان يكون وراء نتائج انتخابات بيرزيت الأخيرة أسباب موضوعية تعود الى برامج القوى التي تشارك بالانتخابات وممارساتها وطبيعة ودرجة قبول الناس لها، وتعود أيضا الى كتلها الطلابية نفسها وعلاقتها مع الطلاب ودرجة حضورها بينهم، كما تعود الى الظرف العام السائد.
هذه الانتخابات ونتائجها تبقى واحدا من المؤشرات الهامة على حال واتجاه الرأي العام الشعبي في اللحظة والظرف الحاليين لما لشريحة الطلبة في المجتمع من اتساع ولما في اصولها وانتماءاتها الاجتماعية من تنوع.
هذه حقيقة يصعب الجدل حولها.
ما يمكن الجدل حوله هو ان الرأي العام الشعبي، اذا تكرست الديمقراطية، متحرك، وان تشكله يتأثر، بنسب متفاوتة، بأحداث كبيرة قد تقع وبظرف عام سائد في فترة زمنية معينة، وان زمن استمرار الرأي العام على حاله يعتمد على نوع الحدث والظرف وقوة واستمرارية تأثيرهما، كما يعتمد على قدرة القوى المعنية على تجييرهما والاستفادة منهما.
خصوصا وان نتائج هذا العام لم تكن بعيدة جدا عن نتائج العام الماضي( من اصل 51 مندوبا، وبالمقارنة مع نتائج العام الماضي، كسبت حماس 4 مندوبين من فتح ومندوبين اثنين من القطب اليساري لتصل الى أغلبية الـ 26 مندوبا).
من حق حركة فتح التي خسرت أغلبيتها، بل ومن واجبها، ان تبحث عن أسباب تراجعها في ذاتها وبرامجها وسياساتها وسلوكياتها، وفي كفاحيتها، وفي البرنامج الذي تعاطت به مع الطلاب وقضاياهم بالجامعة، ثم ذلك الذي تقدمت به الى المنافسة الانتخابية، وان تبحث عن الأسباب أيضا في تماسك وانضباط وتناغم أداء مكاتبها وفروعها ولجانها، وان تقوم بما تقوم بجدية وجرأة ودون الاختباء وراء اصبعها او الاطمئنان الى أسباب وتبريرات ظرفية او ثانوية.
ونفس الشيء مطلوب من قوى اليسار، ومن الشعبية بالذات، وربما بجرأة اكبر وبقسوة على الذات اكثر، علّ وعسى ان يكون ذلك مقدمة لاستعادة ولو بعض من الدور الذي كان.
وإذا حصل وتمت المراجعة من قبل التنظيمات المعنية، فانه من الضروري والمفيد بحث العلاقة والحدود ومدى الافتراق المقنن الذي يفرضه بالضرورة الفرق بين العمل التنظيمي وقواعده وبين العمل في الاتحادات الجماهيرية والنقابية.
وإذا حصل وتمت المراجعة، أليس هذا هو الوقت والظرف لبحث وضع الاتحاد العام لطلبة فلسطين بواقعه ودوره؟


