* -
ترتعش المملكة العربية السعودية وحلفاؤها السنة في الخليج من احتمال التوصل الى اتفاق نووي نهائي مع إيران. وهم يخشون من أن يسمح الاتفاق لإيران بإثارة قدر من المشاكل أكثر مما تثيره مسبقاً في كل من اليمن والعراق وسورية. ولكن، هل يكون هذا الخوف في غير محله؟
نعم. والرئيس أوباما، الذي دعا هؤلاء القادة العرب للاجتماع في كامب ديفيد في ربيع هذا العام، سوف يفعل حسناً إذا ما استغل هذه الفرصة ليؤكد لهم هذه المسألة بالتحديد.
عليه أن يؤكد أن الاتفاق النووي الأخير هو أكثر احتمالاً لأن يجعل العالم العربي أكثر أمناً لعقد من الزمان أو أكثر، عن طريق منع إيران من الاقتراب من تحقيق "الاختراق" -أي القدرة على إنتاج ما يكفي من المواد اللازمة لصنع القنبلة، بحيث يصبح البلد قوة نووية. وسيكون من شأن ذلك أن يعطي كل المنطقة الوقت لمعالجة السبب الحقيقي وراء عدم استقرارها: عدم وجود حكومات تعددية فعالة في الدول الهشة في كل أنحاء بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا.
سوف يتطلب ردم تلك الفجوة توفر الوقت لحل الانقسامات السياسية الداخلية التي خلفها القرن العشرون. وسيكون توفير الوقت اللازم لتحقيق هذا الهدف هو إحدى النتائج المرجحة للصيغة التي تم التوصل إليها في لوزان، سويسرا، الشهر الماضي، وخاصة إذا ساعدت هذه الصيغة أيضاً عملية إعادة إدماج إيران في الاقتصاد العالمي. سيكون ذلك وحده هو الذي ينطوي على إمكانية تلطيف السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة.
حتى الآن، عملت الدول العربية على أساس منطق يعمل بعكس ذلك بالضبط. إنها تفترض أن التدخل الإيراني هو السبب الرئيسي لعدم استقرارها، وأن إيران عدوانية بطريقة لا شفاء منها. ولذلك، يجب مواجهة إيران في كل منعطف وردها على أعقابها الآن. أما فتح أي طريق نحو امتلاكها أي قدرة نووية، حتى في المستقبل البعيد، فأمر خطير للغاية.
على سبيل المثال، تلقي المملكة العربية السعودية وحلفاؤها باللوم في أزمة اليمن على مكائد إيرانية، رغم أن اليمن ما يزال يعاني من العنف العرقي منذ عقود. ولأن أسوأ مخاوف الدول المذكورة هو اليوم الذي ستجعل فيه إمكانية صنع قنبلة من إيران منيعة لا تقهر، فإنهم يستخدمون الصراع اليمني لمحاولة وقف أي توسع للنفوذ الإيراني.
الخلل في هذه الاستراتيجية هو أنها ربما تأتي بنتائج عكسية. إنها تضيف اليمن إلى القائمة المتنامية التي تتقدمها سورية وليبيا، من البلدان التي دُفع فيها العرب مسبقاً إلى خوض حروب صعبة بالوكالة. وإذا نحينا جانباً السؤال عن عدد الصراعات التي يمكن الانخراط فيها في وقت واحد، فإن هذه الاستراتيجية تقوم فقط بتعميق الانقسامات الطائفية والقبلية والعرقية في المنطقة. وهذا يزيد من شهية إيران للهالة والنفوذ اللذين يصنعهما امتلاك الأسلحة النووية.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن تبطيء تقدم إيران في اتجاه امتلاك القدرات النووية لمدة 10 إلى 15 عاماً سوف يشكل وسيلة أفضل بكثير لحرمانها من المزايا الاستراتيجية على الطريق.
دعونا نواجه الأمر: لقد انفجر مركز الشرق الأوسط. وتتجذر أزمته بعمق في حالات عدم استقراره المحلية، وسوف تستمر هذه الحالات لبعض الوقت. وقد هيأت الدول الفاشلة، امتداداً من ليبيا إلى اليمن إلى سورية، المسرح لنشوب الحروب الأهلية المستعرة، وحركات التمرد المتطرفة والصراعات الطائفية، وكلها مظاهر ترتبط بالمنافسات الإقليمية. وطالما ظل النمط السائد هو تصاعد العنف بدلاً من التفاوض السياسي من أجل تنصيب حكومات عاملة، فإن القوى الشيعية التي تتنافس على السلطة في الدول المأزومة ستسعى إلى الحصول على الرعاية الإيرانية. وحتى لو قامت الدول العربية السنية عندئذٍ بدعم أصدقائها، فإن إيران ستسغل انهيار النظام العربي لتوسيع نطاق نفوذها الخاص.
يرتبط إيمان القادة السعوديين بضرورة استخدام نهج عسكري ضد إيران أيضاً بعدم إيمانهم بأن إيران سوف تفي بتعهداتها في أي اتفاق نووي. ولكن، وفي حال لم ينتج إطار لوزان اتفاقاً نهائياً، فإنه لن يكون للولايات المتحدة وحلفائها أي خيار سوى تكثيف العقوبات الاقتصادية على إيران. وسيكون من شأن ذلك أن يزيد من حدة الخطر على الدول العربية، عن طريق شحذ عزم إيران على تسريع برنامجها النووي ومقاومة المراقبة عليه. وبعبارات أخرى، فإن الاستراتيجية العربية الحالية سوف تقصر الوقت الذي تحتاج إليه إيران لإحداث الاختراق النووي -وليس امتلاك قنبلة فقط، وإنما ترسانة نووية كاملة.
خلافاً لمخاوف البعض، لن يكون نشوب حرب نووية هو النتيجة الأكثر احتمالاً لحدوث اختراق نووي إيراني، حتى لو دفع ذلك المملكة العربية السعودية أو مصر إلى متابعة مسعى امتلاك قدرة القنبلة لنفسيهما أيضاً. ويدرك الحكام العرب والإسرائيليون أن من المرجح أن يستقر الشرق الأوسط على "سلام نووي" على غرار ما كان عليه الوضع في الحرب الباردة -حيث تتم متابعة التنافس من خلال حرب غير مباشرة، مع، أو ضد، جيوش وكيلة. وفي تلك اللعبة، تمتلك إيران مسبقاً ميزة الخبرة والباع الطويل.
الحقيقة أن إيران تنفق أقل بكثير على جيشها من إسرائيل أو تركيا أو دول الخليج العربية، وهناك فجوة تكنولوجية هائلة تفصل بين أسلحتها التقليدية وبين تلك التي لدى منافسيها. لكن إيران تعوض عن ذلك بوجود شبكة من المقاتلين غير النظاميين والميليشيات المسلحة التي يدربها ويمولها ويديرها حرسها الثوري. هذا هو ما يتيح لإيران أن تهدد إسرائيل على حدودها، وأن تبقي نظام الأسد واقفاً على قدميه في سورية، وأن تساعد العراق في محاربة "الدولة الإسلامية" وإدامة التمرد في اليمن. بل إن إيران قد تصبح في واقع الأمر أكثر حرية للقيام بمثل ذلك إذا امتلكت قنبلة نووية.
الاستنتاج المنطقي، إذن، هو استخدام أي وقت يمكن حشده الآن لدعم الحيوية الاقتصادية والوحدة السياسية للدول العربية، في حين تسعى إيران إلى إعادة قبولها في الاقتصاد العالمي. وبهذه الطريقة، يمكن لدول الشرق الأوسط أن تقلل بشكل كبير من فرص إيران للتدخل في سياساتها الداخلية. وليس هذا توصيفاً نظرياً فقط. فخلال الحرب الباردة، تم الإبقاء على الاتحاد السوفياتي بعيداً عن أوروبا الغربية، رغم قوته العسكرية التقليدية الضخمة، ليس فقط بسبب الأسلحة النووية الأميركية، وإنما أيضاً بفعل قوة الأنظمة الاقتصادية والسياسية في أوروبا الغربية.
لن تتمكن الصفقة التي وضعت الولايات المتحدة وشركاؤها خطوطها العريضة مع إيران، من القضاء على البرنامج النووي الإيراني. لكن من شأنها أن تتيح لبقية دول الشرق الأوسط فرصة لتحصين نفسها بنظام سياسي جديد. وهذا هو الهدف الذي يجب على الدول العربية المتحالفة مع أميركا أن تكرس نفسها لتحقيقه، بمجرد أن تتم إزالة احتمال حدوث اختراق إيراني على المدى القريب من على الطاولة، بإبرام صفقة نووية نهائية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ولي نصر أو (فالي نصر) هو خبير إيراني أميركي في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وكاتب وأستاذ السياسة الدولية في مدرسة فليتشر للحقوق والدبلوماسية في جامعة تافتس.
(نيويورك تايمز) ترجمة الغد ـ


