خبر : المأزق الفلسطيني المتبادل: بالتوافقات السياسية وليس بالانتخابات ... حسين حجازي

السبت 25 أبريل 2015 08:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
المأزق الفلسطيني المتبادل: بالتوافقات السياسية وليس بالانتخابات ... حسين حجازي



يحق لحركة حماس وإعلامها ان تحتفل بنصرها النقابي الديمقراطي الطلابي في جامعة بيرزيت، كما تشاء بهذه النشوة الغامرة. وكم كان جميلا ان ترفع حركة  "فتح" لها القبعة سلاماً وتقول لها مبروك. وكأنما نحن الفلسطينيين المحاصرين والمحتلين ولم نحقق استقلانا بعد ونشيد دولتنا العتيدة، فقط من بقينا نحتفظ بهذه الواحة الأخيرة من السلم الداخلي وإدارة صراعاتنا الداخلية بهذا القدر الفريد والنادر، من الروح التنافسية الحضارية بعيداً عن شلالات هذه الدماء الغزيرة من حولنا وفي محيطنا، والتي تشبه بقوة دفقها الجنوني بحق دفق شلالات النياغارا الشهيرة. 
وما كان الأمر نادراً أو مفاجئاً او حتى مستحيلاً وغير ممكن او محتمل، ان تفوز حركة كبيرة بوزن "حماس" وحضورها الوازن منذ ثلاثة عقود في الساحة الفلسطينية، ولا زالت من الناحية التاريخية في مرحلة الصعود والتمدد، الشباب والعنفوان وهذه حقيقة ينبغي التسليم بها. ولكن ما هو مستهجن وخطأ وموضع نقد هنا، هو الاعتقاد المبالغ فيه الذي تفشى بشكل فاقع في غضون هذا التعبير عن النشوة الظافرية او الانتصارية، من ان هذه الانتخابات هي بمثابة "بروفة" انتصار البلشفية في العام 1917 في روسيا، بناء على تحليل الانتصار الذي تحقق في بروفة العام 1908.
وقد استمعت شخصياً هنا الى أقوال من قبيل انه "السلام على فتح"، تشي بالتوعد في النزال القادم اي في الانتخابات الكبيرة المتفق على إجرائها، بناء على ما جرى في انتخابات جامعة بيرزيت. وبان النتيجة باتت محسومة الآن، واذا ما كانت الحركة اليوم على أعتاب اتفاقية تبادل للأسرى ثانية مع إسرائيل، ينتظر ان تكون اكبر حجماً من السابقة، ما يزيد شعبية "حماس" ورصيدها في الشارع الفلسطيني وخصوصا بعدا أدائها العسكري في الحرب الأخيرة على غزة، فان محللي الحركة يجمعون كما كتب احدهم، على ان هذه بطاقة حمراء وليس صفراء ترفع امام حركة فتح، اي إنذار بخروج  "فتح" هذه من الملعب وهزيمتها تماماً. 
جيد يا إخوان، ان جامعة بيرزيت التي هي صورة مصغرة عن البلدة الجميلة والساحرة التي تحمل اسمها، واليها تنتمي نخبة رفيعة من المثقفين الفلسطينيين المسيحيين القوميين واليساريين اي البعيدين حقا عن فكر "حماس". وقد يمكن بالنظر الى هذا الإرث الثقافي اعتبار هذه النتيجة بمثابة اختراق من جانب "حماس" لبيئة غير حاضنة، يمكن القياس عليه لاعتبار هذه الفئة الطلابية بمثابة عينة نموذجية لقياس المزاج الشعبي العام في جماع الضفة الغربية، اذا كنا هنا لا نتحدث عن الخليل او نابلس فقط.
لكن الواقع ان هذا القياس كما العينة النموذجية المفترضة، لا يلحظان مأزق "حماس" الحقيقي والجوهري في ما يتعلق بالتعقيد السياسي، وأكاد أقول الاستراتيجي والتاريخي في صراعها التنافسي على التمثيل الفلسطيني في مواجهة حركة فتح منذ عقدين من الزمن على الأقل. حين يبدو واضحاً ان "حماس" وبخلاف أحمد الشقيري وياسر عرفات لا تواجه خصوماً كانوا قد اندحروا بالفعل او انزاحت عرباتهم عن السكة بالأصل: الشقيري في خلافته لأمين الحسيني والحركة الوطنية القديمة، وعرفات في خلافته لأحمد الشقيري نفسه بعد العام 1967. وانما حركة وان كانت طاعنة بالسن بالقياس مع "حماس"، فانها تبدو عجوزاً هرم وطالت لحيته ولكنه لا يزال يقف صلبا يطلق لسانه تعبيراً عن مواصلة المنافسة والتحدي أو أنه لم يخل الميدان بعد. هنا جبل ردوس او الوردة، هيا ايها الإخوان في "حماس" فلنقفز من هنا او نرقص هنا. 
ولعدة مرات حاولت شرح هذا المازق هنا الذي يشكل جوهر التعقيد الراهن في ازمة هذا الصراع التاريخي بين "حماس" و"فتح"، الذي يتمثل بقانون "نفي النفي" في الديالكتيك الماركسي، ولماذا يستعصي هذا القانون على التطبيق في هذه الحالة. وهو التعقيد اي الانسداد والعطالة الذي دفع بالأخير الى هذا المخرج او الحل الذي يسمى اليوم بالمصالحة، وحيث لا تني هذه المصالحة بدورها تصطدم بأزمتها الأصلية التي تصدر عنها وهي استحالة الحسم. 
لقد رأينا هنا ان هذه الحركة لم تستنفد دورها التاريخي بعد، بوصفها التيار الوطني المركزي الذي يحظى بالتمثيل الشرعي التاريخي العام وهي السيرورة التي تجعل من الأداء المختلف الى حد التناقض في طريقة وفلسفة كلا الزعيمين اللذين تعاقبا على قيادتها عرفات وأبو مازن، على نحو من التكاملية او الاستمرارية في ذات السياق. بالرغم من ان عرفات كان يراهن على القوة الصلبة فيما يراهن أبو مازن على القوة الناعمة، وفي اتضاح الحقيقة من ان كلا الرجلين كان مشروعهما، اي مشروع "فتح" وتصورها حول ذاتها، وما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني كان مرفوضا من إسرائيل. وهو المشروع الذي لا تزال الطبقة السياسية الحاكمة في إسرائيل تعتبره الخطر الحقيقي عليها. 
ان هذه الأزمة الداخلية التي لم يحلها او يحسمها فوز "حماس" الكاسح في الانتخابات الأكبر عام 2006، انما هو الذي يلقي بالضوء مجددا على الجوانب الخاطئة في مقاربة ما حدث في انتخابات البروفة في جامعة بيرزيت وهذه هي الحقائق: 
1- ان المؤشر بارومتر القياس ليس بيرزيت وإنما غزة. اي في معقل قوة "حماس" العظمى بلا منافس في فلسطين على الإطلاق، فما الذي تكشفت عنه الأزمة الغزية الآن بعد سبع سنوات من السيطرة الأحادية والانقسام؟ او ليس إعادة التسليم بانه من دون التوافق مع تلك القرينة الأكبر فان البدائل الأخرى تتحول الى نوع من الدنس السياسي؟ وان الذي حدث في اتفاق الشاطئ ليس الا تسليما حتميا وضروريا بهذه الشراكة. 
2- الحقيقة الثانية انه من الأسهل وبخلاف الانطباع السائد على إسرائيل العدو المشترك لـ "فتح" و"حماس" التوصل الى تفاهمات مؤقتة او بعيدة المدى مع حركة حماس حول غزة، على ان تتوصل الى اتفاق تاريخي او استراتيجي بعيد المدى لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مع عرفات او ابو مازن اي مع حركة فتح. والمسألة واضحة هنا: ان "حماس" استطاعت بنجاح تطوير توازن قوى مسلح وعسكري على الأرض في غزة، وفي الحرب الأخيرة يمكن القول انها استطاعت ثني إسرائيل عن القيام في المرة القادمة بمغامرة جديدة. ولكن "فتح" وأبو مازن هما من يملكون المفتاح من منظور الشرعية التمثيلية السياسية لتصور الفلسطينيين عن تسوية النزاع وإنهائه. اي ليس بالقدرة على اتخاذ القرار واحتكار ملكية هذا القرار على حد سواء، ولكن بالقوة السياسية التمثيلية من وجهة نظر الشرعية الدولية للمشروع الوطني الفلسطيني والتسوية النهائية للصراع.
3- ولعل المفارقة التاريخية في كل ما يتعلق بقصتنا هنا ان إنجازات هذه الحركة وهي عجوز، اكبر واهم من إنجازاتها وهي في طور العنفوان والشباب. وانه بالقوة الناعمة تمكن أبو مازن وهذا حقه له علينا ان نسجله على اسمه، انه قد تجاوز ما انتهى إليه عرفات. إذا كان التحول الأهم الذي حدث في السنوات الأخيرة هو الحرب بورقة التوازن العالمي وشرعيته وتفعيل هذا التوازن. وإذا كان بقوة ردع محكمة الجنايات الدولية يمكن ردع إسرائيل عن ارتكاب جرائم الحرب الفظيعة ضد الفلسطينيين كما حدث في المرات السابقة، باعتبار هذا الردع هو الذي يمثل تهديدا استراتيجيا وسيفا مسلطا على إسرائيل بأكثر مما تستطيع أن تفعله الصواريخ الغزية. 
4- إن المأزق الفلسطيني المشترك هو مأزق سياسي لكلا الطرفين في إيجاد المعادل السحري لعدم القدرة في حل هذا التعارض ألا بوسيلة واحدة هي في الواقع سياسية وليس انتخابية، وعلينا أن ندرك ذلك منذ الآن للتوصل الى ملاءمات وتوافقات داخلية بأكثر من الرهان على الانتخابات.