" فزاعة " دولة غزة التي كثر استخدامها بكثرة في الآونة الأخيرة كلما ارتفع وتيرة الاهتمام بأحوال قطاع غزة من أي طرف خارجي ، وتخويف الكل الوطني من التعاطي مع أي فكرة قد تساهم في حل بعض المشاكل الكبيرة التي يعاني منها سكان قطاع غزة ، والعجيب ان كل من يستخدمون هذه " الفزاعة " لا يقدمون البديل " الوطني " الكفيل بإنقاذ الوضع الصعب والمتدهور الذي يعاني منه أهل القطاع .
فهل يمكن لأهل القطاع تحقيقها في حال استجابوا لهذه " الفزاعة " لو أرادوا ذلك ؟ وهل يمكن لدولة او أي شكل " كياني " أن يقوم دون الاتفاق على علاقة هذا الكيان بالجوار ؟؟
عندما أراد الرئيس الراحل ياسر عرفات – رحمه الله – في العام 1999 اعلان الدولة الفلسطينية وإعلان انتهاء مرحلة الحكم الذاتي حسب اتفاقيات أوسلو ، اجتمع بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وسأله / هل يمكن التعامل مع الحدود مع قطاع غزة بعد إعلان الدولة بأنها حدود دولية بين دولة مصر ودولة فلسطين وعدم الاعتراف بأي طرف آخر ؟ كان الجواب المصري أن ذلك يجب ان يخضع للتوافق الدولي ، ويمعنى آخر رفضت مصر من جانبها اتخاذ خطوة منفردة تجاه الحدود مع الدولة الفلسطينية ، ولعل هذا سبب الى جانب أسباب عديدة دفعت الرئيس ياسر عرفات للتمهل ومنح المجتمع الدولي الفرصة لتحقيق ذلك ..
أذكر ذلك ليفهم البعض أن بناء " كيان " محاصر بحدود محددة مرتبط بالجوار بشكل رئيسي ، ولذلك فإن موقف الجوار عامل مركزي في القضية ، ومن هنا تتبخر " الفزاعة " عندما ندرك تماما موقف الجوار منها .
ودائما أكرر الموقف الإسرائيلي الذي سمعته عندما كنت وزيرا للاتصالات من بنيامين بن اليعازر وكان حينها وزيرا للاتصالات في الكيان الإسرائيلي في العام 1999 حيث تحدث في لقاء بيننا أن الموقف الإسرائيلي المقبول لدى الغالبية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية يتمثل في إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة يمارس فيها الشعب الفلسطيني سيادته في قطاع غزة مع توسيعها من ناحية رفح باتجاه بئر السبع ضمن اتفاق تبادل للأراضي متفق عليه وحكم إداري موسع في الضفة الغربية يتبع للدولة الفلسطينية ، مع إجراءات أمنية خاصة بشراكة أردنية ومكانة خاصة للقدس .. ولكن هذا الموقف الإسرائيلي كان دائما يصطدم بالموقف الفلسطيني الصلب والواضح يسانده الموقف العربي الواضح والصريح ، ولعل موقف مصر هو اللاعب الحاسم في رفض هذا المشروع أو إنجاحه .
واليوم تعود " الفزاعة " للظهور من جديد بشكل غير منطقي ، خاصة وأن كل الأطراف الفلسطينية ترفضه بشكل قاطع ، ولكن يجب الاعتراف أن قطاع غزة منذ زمن بعيد يتميز بخصوصيته الجغرافية ودائما كان له نوع من الاستقلالية الداخلية الذاتية بحكم موقعه وطبيعته ومشاكله ، لان سكانه لا يحملون أي وثائق سوى الفلسطينية وليس لهم أي انتماء لأي دولة خارجية وليست محل أطماع لدولة الجوار " مصر " ، بعكس حال وضع الضفة الغربية . ومن هنا ستبقى هذه " الفزاعة " خدعة وغطاء يستخدمها من يريد التهرب من تحمل مسئولياته تجاه القطاع ، او يلمح بها البعض الذي يريد تعزيز حالة الانقسام الحاصل .
الظرف الموضوعي يحسم حالة الجدل حول هذه " الفزاعة " لانها لا تحمل في طياتها أي شيء جدي او حقيقي ، وتضخيم حالة القطاع هو تضخيم مصطنع ، مع عدم إنكار مشروعية القلق من تصرفات البعض ، ولكن الفراغ الذي يعاني منه قطاع غزة يجب ان ينتهي لقطع الطرق على كل يعبث به وبمستقبله ، حالة الفراغ الحاصل يدفع اطراف للتفكير بأساليب تؤدي الى تدعيم فكرة " الفزاعة " ليكون القلق والتوتر سيد الموقف .
والحل لكل من يرفض " الفزاعة " ليس بتشخيصها وطرح سلبياتها وكارثيتها وكأنها حقيقة واقعة ، ولكن صنع الحدث وليس انتظار وقوعه ثم معالجته ..


