خبر : يتمزقون بين الاسد، داعش والميليشيات \ بقلم: جاكي خوري \ هآرتس

الخميس 09 أبريل 2015 02:34 م / بتوقيت القدس +2GMT



رفع مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوبي دمشق، في الاسبوع الاخير مرة اخرى الى العناوين الرئيسة في أعقاب سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية داعش على معظم احيائه. وابرزت معارك السيطرة

في المخيم صراعات القوى الداخلية بين الميليشيات، التي تدعي الانتماء الى قوى المعارضة في سوريا. وتشارك في الصراعات المنظمات الفلسطينية النشطة في مخيمات اللاجئين في سوريا وفي لبنان.

ومن هذا الوضع المعقد تبرز صورة واضحة واحدة: اللاجئون الفلسطينيون هم الذين يدفعون الثمن الباهظ كنتيجة للحرب الاهلية في سوريا. واكثر من الجميع يعاني المدنيون، الذين يضطر معظمهم الى اخلاء مخيم للاجئين إثر مخيم آخر للاجئين. ويرى الكثيرون في المخيم في تطورات السنوات الاخيرة نكبة ثانية، تبعدهم عن حلم العودة الى اسرائيل بسبب الوضع السياسي المعقد في الشرق الاوسط وفي سوريا بشكل خاص.

اليرموك، الذي حتى اندلاع الحرب الاهلية في 2011 كان مخيم اللاجئين الفلسطيني الاكبر في سوريا، مع 180 الف من سكانه، واقيم في العام 1957ـ وذلك خلافا لمخيمات اللاجئين التي اقيمت في الضفة الغربية وفي قطاع غزة أو في لبنان والاردن في أعقاب النكبة في 1948 والنكسة في 1967. في 1957 قررت الحكومة في سوريا تجميع اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا موزعين في منطقة الجولان وحول دمشق وتوفير سكن لهم في نطاق بحجم 2.11 كم مربع. وقد اقيم المخيم على مسافة 8كم من الاحياء الجنوبية لدمشق. وخلافا لمخيمات اللاجئين في لبنان، بنيت في اليرموك مبان متعددة الطوابق بتخطيط مديني، وذلك اضافة الى مؤسسات التعليم والصحة والعديد من المتاجر. ولكن مثل مخيمات اللاجئين الاخرى، عانى سكان اليرموك من اكتظاظ كبير ووضع اقصادي صعب.

ومع ذلك، حتى بداية الحرب الاهلية طرأ تحسن ما في ظروف اليرموك الذي يعتبر مكان السكن الافضل نسبيا مقارنة بمخيمات اللاجئين في لبنان وفي الاردن. والشباب الفلسطينيون الذين سكنوا في المكان، سمح لهم بالتعلم في الجامعات في سوريا وعمل الكثير من سكان المخيم في مجالات الطب والهندسة. وفي الايام العادية ربطت المواصلات العامة بين المخيم ودمشق، وفي المكان عملت أسواق شعبية نشطة، حيث كان العمال والسكان من الطبقات الفقيرة يشترون الغذاء. وعملت في المخيم جمعيات توفر المساعدات للاجئين، واقيمت أربع مستشفيات وعدد من المدارس. وبين اعوام 1996 و 1998 ساعدت وكالة الغوث والولايات المتحدة، استراليا، كندا ودول اخرى في ترميم وبناء المدارس والمراكز الصحية للسكان.

وخلافا لمخيمات اللاجئين في لبنان لم يعمل في اليرموك مسلحون فلسطينيون. واصبح المخيم جزءا من المشهد العام للاحياء التي تحيط بدمشق، ومنذ قيامه وحتى كانون الاول 2012 لم تقع في اليرموك احداث شاذة. من منتصف التسعينيات وحتى قبل عقد زار الكثير من عرب اسرائيل اقرباءهم الذين يسكنون في المخيم وذلك بفضل ترتيب مع دمشق.

أول زيارة للاسرائيليين في المخيم تمت في 1994، عندما سافر وفد من عرب اسرائيل، مع اعضاء في الكنيست ورؤساء سلطات محلية الى دمشق لتعزية الرئيس حافظ الاسد في اعقاب وفاة ابنه باسل.

ووقع التدهور العظيم في الظروف في اليرموك في نهاية 2012 مع تصعيد في الحرب الاهلية وانتشار العنف الى داخل المخيم. بداية تحول اليرموك الى ملجأ للعديد من السوريين من ضواحي دمشق المجاورة للمخيم. ومع سيطرة فصائل سورية مختلفة على القرى في المنطقة، فر الالاف الى اليرموك لاعتقادهم ان مخيم اللاجئين الفلسطيني سيبقى خارج الصراع العنيف. ولكن في كانون الاول 2012 تغيرت الصورة تماما حين دخلت ميليشيات تنتمي الى المعارضة السورية الى اليرموك عبر الاحياء الجنوبية لدمشق وهاجمت جيش الرئيس السوري بشار الاسد. في البداية امتنعت القوى الفلسطينية في المخيم من التدخل في ما يجري. ولكن بعد بضعة اشهر من ذلك فر نشطاء من منظمة الجبهة الشعبية – القيادة العامة وانضموا الى صفوف الثوار السوريين. وقاتلت القوات الموالية لزعيم المنظمة، أحمد جبريل، الى جانب الجيش السوري.

وأدى تبادل اطلاق النار الشديد داخل المخيم اضافة الى نار المدفعية والقصف الجوي من الجيش السوري الى هرب عشرات الاف اللاجئين الى مخيمات اللاجئين في لبنان وفي الاردن. ووصل قسم من اللاجئين الى تركيا. بعد وقت قصير من ذلك نشرت في العالم صور الضحايا من سكان المخم والدمار الشديد واضطر عشرات الالاف الى البقاء في منازلهم في ظروف صعبة. ومع القصف بدأت تتفجر في المخيم السيارات المفخخة التي جبت حياة عشرات الاشخاص الاخرين.

منذ تموز 2014 كان المخيم تحت حصار شديد من قوات النظام السوري فيما يحشر فيه نحو 20 الف لاجيء. ومع تفاقم الاوضاع الانسانية في المخيم بسبب الحصار بدأت تنشر صور وشهادات عن جوع شديد ادى بالسكان الى أن يأكلوا الحيوانات والاعشاب. وحسب معطيات المنظمة السورية لحقوق الانسان فقد توفي منذ فرض الحصار وحتى شهر شباط الماضي 154 لاجئا جراء الجوع. وعدة مرات، في اعقاب الاتصالات بين القيادة الفلسطينية والحكومة السورية، ادخلت رزم الغذاء والمساعدات الانسانية الى المخيم. ولكن حسب شهادات من الاسابيع الاخيرة، فان المخيم يعيش منذ نحو ثلاثة اشهر تحت الحصار المشدد.

في اعقاب سيطرة الدولة الاسلامية على معظم الاحياء في المخيم في الاسبوع الماضي يجري في الساحة الفلسطينية تبادل للاتهامات عن مسؤولية قادة الفصائل المحلية الذين سمحوا بتدهور الوضع واجتذاب الدولة الاسلامية الى المخيم. معظم الاصابع توجه الى احمد جبريل، بالادعاء بان جبريل تابع لنظام الاسد ويقاتل الى جانب الجيش ضد الميليشيات المسلحة. كما يوجه بعض الانتقاد الى حماس، التي حسب الادعاءات اقامت فصائل قتالية تحت اسم أكناف بيت المقدس ممن يقاتلون الى جانب ميليشيات المعارضة، احرار الشام وجبهة النصرة. وحسب معهد البحث "الزيتونة" في بيروت، ففي السنتين الاخيرتين توزعت السيطرة في المخيم بين اكناف بيت المقدس ومنظمة جبهة النصرة.

قبل نحو سنة ونصف جرت محاولات لرفع الحصار ولكن هذه اصطدمت بمعارضة النظام، الذي يخشى من تسلل معارضيه الى المجال الداخلي لدمشق عبر المخيم. ومع ذلك، سمح بادخال المساعدات الانسانية الى المخيم، الامر الذي ادى الى هدوء نسبي بشكل مؤقت، في اطاره تمترست كل الاطراف في المناطق التي سيطرت عليها. في الاشهر الخمسة الاخيرة وقعت صراعات قوى في المخيم، ادت الى سلسلة من الاغتيالات لنشطاء المنظمات المختلفة، معظمهم فلسطينيون من اعضاء حماس او فتح. وقبل اسبوعين قتل عضو قيادة حماس يحيى حوراني، الذي عمل كثيرا على تقديم المساعدات الطبية للاجئين. واتهمت اكناف بيت المقدس الجهادييت من الدولة الاسلامية ممن رابطوا في حي مجاور للمخيم بتصفية حوراني واعتقلت عددا كبيرا من نشطاء المنظمة المتطرفة. وردا على ذلك اجتاح الجهاديون المخيم في غضون 24 ساعة.

وهزم تنظيم الدولة الاسلامية الذي يتمتع بتفوق عددي ولوجستي مقاتلي اكناف بيت المقدس والقوات الفلسطينية. وغضت منظمة جبهة النصرة التي تتقاسم السيطرة في المخيم مع الفلسطينيين، العين عن دخول الجهاديين ومنعت كل مساعدة لوجستية للمنظمات الاخرى في المخيم. ويرى الفلسطينيون في سلوك جبهة النصرة مؤامرة مشتركة مع الجهاديين للسيطرة على المخيم. وعلم هذا الاسبوع عن انضمام عدد من الموالين لجبريل الموالي لنظام الاسد، الى قوات الجبهة الشعبية التي تقاتل الى جانب اكناف بيت المقدس. واليوم تسيطر قوات الدولة الاسلامية في جنوب المخيم، بينما قوات النظام السوري تسيطر معظم الجانب الشمالي. ويخشى السكان من تشديد الحصار والعودة الى سيناريو الجوع والرعب في ايلول الماضي، وذلك اضافة الى المذبحة التي قد ينفذها الجهاديون بحق اللاجئين.

من هذه النقطة قد تنشأ ثلاثة سيناريوهات لجميعها آثار صعبة على سكان المخيم بل وربما على النظام في دمشق. وحسب السيناريو الاول ستقاتل القوات الفلسطينية الى أن تستنفد كل مخزونات السلاح تحت تصرفهم. وبعد ذلك سيفرون الى اجزاء اخرى من المخيم، او سيسلمون أنفسهم للنظام او للجهاديين. امكانية اخرى هي ان يعزز تنظيم الدولة الاسلامية قواته في المكان، يحتل باقي اجزاء المخيم ويواجه النظام السوري في اطراف دمشق وجها لوجه. اما حسب السيناريو الثالث، فيسمح الجيش السوري للقوات الفلسطينية بتلقي مساعدات لوجستية في الصراع ضد الجهاديين، وذلك من اجل العودة الى الوضع الراهن الذي كان قائما في السنتين الاخيرتين. ولكن الفلسطينيين من سكان المخيم يعرفون جيدا بان ليس في هذه الامكانيات الثلاثة حل حقيقي للازمة واليرموك سينزف لزمن طويل آخر. فهم يرون في هذه التطورات جولة اخرى اكثر وحشية للنكبة التي دفعت عشرات الالاف الى الخروج من منازلهم باتجاه سوريا.