غالبية المواطنين يتفقون على أن الخدمة الصحية الحكومية المقدمة للغلابى في غزة والضفة أقل من المطلوب، من استراتيجية حماية الصحة العامة، حتى أصغر عيادة، وليس بعيد عن ذلك الخدمات الصحية الخاصة أو شبه الخاصة "التجارية" التي تتفوق على نظيراتها الحكومية بحسن الاستقبال والترويج التجاري والاستخدام الزائد عن الحاجة للتحاليل من باب زيادة جباية الموارد من المواطن الملهوف على صحته أكثر من جيبه.
التقصير والاهمال "القاتل" للصحة يبدأ من موازنة الحكومة التي تقدم مصاريف الأمن على التعليم والصحة والشئون الاجتماعية، تقصير يمتد لعدم وجود مستشفى رئيس محترم في الضفة وآخر في غزة، يستفيد من الخبرات الفلسطينية المهاجرة، ويلبي حاجات الحروب والأزمات، ومنذ بداية تأسيس السلطة الوطنية قبل 21 عام، لو جمعنا ما دفع من موازنتها للعلاج في الخارج لأقمنا أكبر تجمع طبي في العالم، لكن صحة الفلسطيني المقاوم والصابر والبطل والحر والفدائي ليست أولوية في سياق المشروع الوطني "الفطحل".
الحادث الذي تعرض له الزملاء الصحفيين في اذاعة راية بالضفة، والمعاملة المألوفة التي اصطدم بها الزميل غازي مرتجى في حادثتين مع ابنته وأمه تعبر عن وضع يصل لدرجة الاستقرار في المشافي الحكومية أو التابعة للجمعيات الخيرية، فالكل يعلم كيف يجلب بعض الأطباء والاداريين والفنيين "المقربون" للاستفادة من الخدمات الصحية بحفاوة، وأي متجول داخل المشافي والعيادات لا ينقطع نظره عن رؤية الجوالات بشكل دائم على آذان الأطباء، وأصبح عرف لدى الجمهور أن يبحث عن "مدخل أو واسطة" بشكل مسبق ليتلقى الخدمة الطبية في أي مؤسسة صحية.
إن ما تقدمه الاونروا من خدمات طبية – رغم الملاحظات- لا يقارن بالعيادات الحكومية، في الرقابة والاستقبال وأليات التفتيش والاحصاء والمحاسبة فالموظف في الأونروا رغم الضغط الكبير في العمل يخشى من شكوى المريض للإدارة، ويتضح الضبط الاداري ونظافة العيادات والأقسام التي لا تخفى على زائر عابر.
اننا ونحن نتحدث عن القطاع الصحي ندرك حجم المعاناة والضغط الذي يتعرض له الطبيب في قطاع غزة جراء أزمة الرواتب، وهي مشكلة سياسية يدرك الطبيب مسبقا أنها واقعة لا محالة، ورغم ذلك لا يجوز للطبيب نزع ثقافة الملائكية عن عمله، واذا كان لديه اشكاليات ادارية أو غيرها، فمن المفروض أن تقلب نقابته الطاولة ضد المساس بأي طبيب، أما المواطن المسكين الذي أجبره المرض والعوز فيجب أن يكرم ويأمن في صحته، وتقدم له الخدمة بما يليق بشعب تأمر عليه القريب والبعيد، وترك في مواجهة غياب الرقابة الصحية، وأزمة مياه تطحن كلى ديناصور، وانعدام الرقابة على المنتجات الزراعية والمعلبات والمطاعم المنتشرة على الأرصفة، ويجب أن يعي الطبيب والفني أنه منذ بداية الدوام حتى آخر دقيقة في خدمة المواطن وتحت تصرف صحته فقط.
أمام عجزنا السياسي في تحقيق الاستقلال، وتحرير الأرض والحجارة المقدسة، يبقى رأس مالنا الوطني هو الانسان، ولا يمكن تعزيز صموده أو الاستثمار في نضاله، اذا كان فاقدا للصحة، مريضا منهكا، فالاهتمام بالصحة الوقائية والعلاجية مقدمة لتعليم محترم وعمل سليم، والا فاحذروا من شعب تتعرض صحته للاختلال وعدم التوازن، سيبقى "خيال شعب" أمام احتلال يقتلنا وللأسف يعالجنا بأفضل ما نقدمه لنفسنا.
ونحن نرى توسع القطاع الصحي شبه الخاص، تحت عناوين خيرية قائمة على التبرعات في العقارات والأجهزة، على حساب القطاع الحكومي، نقول لا يجوز أن يتوسع العمل الصحي الخيري على حساب القطاع الحكومي الذي يجب أن يكون على قدر الثقة والأمانة، حتى يكون مقدم على الجمعيات وغيرها.
أخيرا: الطبيب أو المريض في المؤسسة الطبية ليس كائن سياسي، بل انسان أولا وأخيرا، ويجب أن يتلقى الطبيب والمواطن الحقوق المباشرة الصحية وغير المباشرة، لنبقى على هذه الأرض بصحتنا ووعينا، ويجب اعادة نظر في القطاع الصحي برمته، ووضع استراتيجية صحية فعالة وقادرة وانسانية تليق بشعب الجبارين.


