خبر : اسرائيل وايران واتفاق يفوز الديب ولا يفنى الغنم ..بقلم: ا . علاء محمد منصور

الأحد 05 أبريل 2015 12:28 ص / بتوقيت القدس +2GMT



فاجأت ايران العالم بإعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2003م بأن إيران أخفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم لمدة 18 عاماً, أي أن إيران منذ عام 1985م بدأت في برنامجها النووي, وقامت إيران بشراء مفاعل نووي صيني في أيار1995م, واستمر التعاون بين الصين وايران في مجال الطاقة النووية لأغراض مدنية وسلمية, وكانت التقديرات الأمنية الإسرائيلية في تلك الفترة تتحدث بأن إيران لن تستخدم قدراتها النووية ضد إسرائيل بسبب ثلاثة عوامل أساسية, وهي أن محاولات إيران لامتلاك السلاح النووي كان بهدف ردع العراق وموجه ضده بالأساس وهذا هو العامل الأول, أما العامل الثاني فهو ادراك إيران بأن أمريكا لن تسمح بالمساس بأمن إسرائيل, وثالثاً أن النظام الإيراني يسعى من وراء ذلك لزيادة التأييد والشعبية له, ولولا تلك التقديرات الأمنية لكان هناك احتمال قوي بقيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية في مهدها كما حصل مع المفاعل النووي العراقي عام 1981م, ومع المشروع السوري عام2007م, فالخطر الإيراني بدأ يلوح في أفق الأمن القومي الإسرائيلي كتهديد جدي في ديسمبر عام 2002م, بالتزامن مع انعقاد (مؤتمر هرتسليا الثالث) والذي حدد للحكومة الإسرائيلية توصيات مستقبلية استراتيجية, تحت شعار الحصانة الداخلية للدولة العبرية في مواجهة التحديات, وما أسماه خطر الإبادة الذي يتهدد إسرائيل من الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية.
ولكون استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي قامت بالأساس على احتكار السلاح النووي, واعتماد الضربة الوقائية لمنع الدول العربية والشرق أوسطية من امتلاك السلاح النووي, وهذا ما أوضحه آرائيل شارون في مطلع الثمانينات بأن أساس السياسة الدفاعية لإسرائيل تقوم على منع دول المواجهة أو دول مواجهة محتملة من الوصول الى السلاح النووي, "إن إسرائيل لا تستطيع أن تسمح بإدخال السلاح النووي, فهذه المسألة بالنسبة إلينا ليست مسألة ميزان الرعب بل مسألة استمرار الوجود, وسيكون من واجبنا إذن القضاء على هذا الخطر في المهد" .
وفي حين تؤكد إيران رغبتها في امتلاك القدرات النووية, فتقول أنها تسعى للحصول على حقها الطبيعي في امتلاك الطاقة الذرية للأغراض السلمية والمدنية, وأن هناك دولتين نوويتين تحيط بها هي باكستان وإسرائيل, فهي تقوم بمناورات تفاوضية مع المجتمع الدولي للحصول على تلك الطاقة.
بينما ترى إسرائيل أن برنامج إيران النووي هو عسكري وليس للأغراض السلمية, حيث تدرك إسرائيل مخاطر امتلاك إيران للقنبلة النووية على توازن القوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط, والذي يُضعف مكانة إسرائيل كقوة عظمى في المنطقة, ويؤثر على مصالحها الحيوية, ويرجع قادة إسرائيل أسباب التوتر وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط ليس لعدم التوصل الى السلام مع العرب, بل لإيران ومحاولاتها للسيطرة على دول المنطقة وزعزعة استقرارها الداخلي, ودعمها للحركات الإرهابية, وهو ما أشار اليه بنيامين نتنياهو في خطابه أمام مؤتمر هرتسليا عام 2007م بأن "الحل الأمثل للقضية الفلسطينية ولباقي مشاكل المنطقة لن يتأتى بسهولة الا إذا تم إزالة التهديد الإيراني التدخلي في شئون المنطقة, لأنه المسئول عن تعقيد العديد من الملفات, بما فيها السلام والتطبيع ومحاربة الإرهاب" , ويقول جيورا ايلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الاسرائيلي بأن امتلاك إيران للسلاح النووي سيؤثر على "سباق التسلح في الشرق الأوسط وهو ما لا يمكن تجنبه من قبل دول أخرى مثل مصر والسعودية وتركيا, حيث لا يمكن تجنب حصولها على السلاح النووي" .
ويبدوا أن التأثير الأكبر لامتلاك إيران السلاح النووي سيكون على مفاهيم الأمن القومي الإسرائيلي ومرتكزاته التي قام عليها كالردع والتفوق واحتكار السلاح النووي في المنطقة, حيث سيعمل على قلب تلك المفاهيم وإفراغها من مضمونها, فترسانة إسرائيل النووية وقوتها الرادعة سوف لا تتناسب مع إيران النووية, لأسباب تتعلق بصغر مساحة إسرائيل الجغرافية وقلة عدد سكانها مقارنة بإيران, وهذه مرتكزات رئيسة يقوم عليها الأمن القومي لأي دولة, حتى أن الزعيم الصيني الراحل ماو تسيتونج جعل من العامل الديمغرافي في صلب عقيدته الاستراتيجية بقوله "إن الصين هي وحدها التي تملك رفاهية القدرة على الالتجاء الى الحرب النووية, ألا يعني ذلك أن يظل بها أكثر من مآئتين وخمسين مليوناً أي أكثر مما تملك اليوم الولايات المتحدة؟" . 
فقدرة إسرائيل على امتصاص الضربة الأولى لا تقارن بقدرة إيران التي تمتلك المساحة الشاسعة وعدد السكان الكبير, وبالتالي لن تكون هناك حالة من توازن الردع المستقر كما جرى بين الدولتين العظميين في القرن الماضي, وانما حالة من الصراع البارد حول تضارب مصالح الطرفين ونفوذهما في المنطقة.
وللأسباب السابقة وجد تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب لعام "أن البرنامج النووي الإيراني يحتل المرتبة الأولى في قائمة التهديدات الخارجية التي تواجه إسرائيل, وأن إيران تسعى للهيمنة الإقليمية, وفي ظل عدم وجود توجه نحو القيام بعملية عسكرية, فإن حيازة إيران لسلاح نووي أضحت مسألة وقت فقط, وأن عامل الزمن هو في مصلحة طهران" 
وتعددت طرق إسرائيل والغرب عموماً في مواجهة البرنامج النووي الإيراني من الطرق الدبلوماسية الى الاستخبارية الى التهديد بالقوة العسكرية, فعلى الصعيد الدبلوماسي كانت الضغوط السياسية الأمريكية والأوروبية واضحة منذ عام 2004م, عندما تم التهديد بنقل الملف الإيراني لمجلس الأمن الدولي, وفرض العقوبات الاقتصادية على إيران بسبب نقض التزاماتها لوثيقة منع انتشار السلاح النووي, واستمرت المناورات السياسية على أوجها بين إيران من جهة والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة أخرى, لكن ما يميز الموقف الأوروبي عن الأمريكي هو جنوحه نحو الحل الدبلوماسي السلمي القاضي بتشجيع الحوافز الاقتصادية والتجارية لايران مقابل تعليق تخصيب اليورانيوم لأجل غير محدود, بينما يميل الموقف الأمريكي بكونه أكثر شدة وتهديداً بفرض العقوبات الاقتصادية واستخداماً للقوة, والموقف الإسرائيلي في سجال عنيف مع إيران, فعندما تهدد إسرائيل بالضربة العسكرية ترد إيران بأنها ستمسح إسرائيل من الوجود, ووسط هذا السجال عملت إسرائيل على اتخاذ عدد من الإجراءات والخطوات لإعاقة البرنامج النووي الايراني منها:
- نشطت إسرائيل في تحريض المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران لمنعها من الحصول على القدرات النووية, وضرورة اتخاذ قرارات حاسمة ضدها, وفي هذا السياق يقول بنيامين نتنياهو في تصريح ملفت للانتباه بأنه "لا يعقل أن تتوقع واشنطن من إسرائيل فتح جبهة ثالثة ورابعة ضد إيران وسوريا, وأن بلاده ستكتفي بمواجهة أدوات إيران وسوريا( حزب الله) فيما تتولى أمريكا دمشق وطهران" , ولاحقاً عندما تولى نتنياهو رئاسة وزراء إسرائيل في أبريل/ نيسان 2009م قام بتوجيه تهديدات صريحة لإيران بإمكانية مهاجمة مشروعها النووي في حالة عدم انصياعها للمطالب الدولية بوقف تخصيب اليورانيوم, وهي تهديدات كررها نتنياهو عام 2015م في خطابه أمام الكونجرس الامريكي, والذي أدخلته في سجال مع ادراة الرئيس الأمريكي أوباما. 
- استمرار إسرائيل بالعمليات الاستخبارية لجمع المعلومات حول أهم المواقع الذرية الإيرانية (أصفهان, ناتانز, أراك, تبريز), إضافة لتنفيذ العمليات السرية الخاصة باغتيال العلماء الإيرانيين من قبل الموساد الإسرائيلي.
- استخدام التقنيات التكنولوجية عالية المستوى لمهاجمة شبكة الحواسيب الخاصة بالمفاعلات الذرية الايرانية وتعطيل عملها(الهجوم الحاسوبي باستخدام فيروس ستوكسنت).
- الضغط لتفعيل نظام العقوبات الإقتصادية سواء عن طريق فرض المقاطعة على المصارف والبنوك الإيرانية, أو من خلال فرض حظر على استيراد النفط الإيراني, لتترك انعكاسات ذلك على الحياة اليومية للمواطن الإيراني وبالتالي يؤثر على مدى تأييده للنظام الإيراني الحالي.
- العمل على تغيير النظام القائم في إيران لنظام أكثر تعاوناً مع المجتمع الدولي, وتشجيع الحركات المعارضة للنظام.
واعترض قيام اسرائيل باتخاذ سيناريو العمل العسكري عدد من الصعوبات والمخاطر والتعقيدات ومنها طول المسافة أمام الطائرات الحربية الإسرائيلية والتي تحتاج للتزود بالوقود بالجو, إضافة لعدم تركز المفاعلات النووية الإيرانية في منطقة واحدة, فهي متناثرة على مساحة إيران الواسعة, كما أن المواقع الذرية موجودة تحت جبال صخرية ومحاطة بتحصينات أمنية وعسكرية ليس من السهل الوصول لها, اضافة لعامل مركزي أساسي وهو عدم مقدرة إسرائيل على مهاجمة إيران دون الدعم الأمريكي.
ولهذا نجد أن قائد سلاح الجو ورئيس الأركان السابق، دان حالوتس، يقول مؤخراً في كتابه (بمستوى العيون), "أن البرنامج النووي الإيراني هو مشكلة عالمية، ووقوف إسرائيل في الجبهة لا يجدي في معالجة الموضوع. وحسب أقواله بسبب تعقيد المشكلة الايرانية، سيكون من الصحيح أن تعالجها دول أخرى" , وللأسباب والعوامل السابقة مجتمعة كان من الصعب توفر القدرة لدى إسرائيل على تدمير البرنامج النووي الإيراني كلياً, وأن ذلك يحتاج لقوة عظمى كالولايات المتحدة. كذلك فإن تأثير عملية عسكرية إسرائيلية سيكون ذو طبيعة مؤقتة ومحدودة ولا يؤدي لتصفية البرنامج النووي الإيراني, وسوف تعاود إيران نشاطها الذري بوسيلة أسرع وقوة أكبر. 
ووسط هذا كله نجد أن إيران مضت ببرنامجها النووي دون انتظار أحد, وخاضت مفاوضات عسيرة مع المجتمع الدولي تميزت بطول النفس والثبات على الموقف المبدئي القاضي بحق ايران الطبيعي بامتلاك الطاقة الذرية للأغراض السلمية وعدم المساومة عليه أو استبداله بالحوافز والميزات الاقتصادية, وذهبت بعيدا باستعدادها لخوض الحرب لأجل ذلك, وناورت لسنين عدة الى أن تم توقيع اتفاق الاطار بين ايران والدول( 5+1) على طريق ابرام اتفاق نهائي بحلول 30 حزيران/ يونيو القادم, وأهم "المعايير" الرئيسية لهذا الاتفاق كما قدمتها السلطات الأمريكية التي قالت إنه "ما زال يجب التفاوض على تفاصيل تطبيقها" أن "لا شيء يعد مقبولا ما لم يتم قبول كل شيء", فهي تدور حول:
- تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي من 10 آلاف الى 6104 (اي بمقدار الثلث). 
- تخفض طهران مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب من عشرة آلاف كيلوغرام إلى 300 كلغ مخصب بنسبة 3,67 بالمئة لمدة 15 عاما, وموافقة طهران على الامتناع عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد على 3,67 بالمئة لمدة 15 عاما.
- وافقت ايران على عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاما.
وبخصوص موقع فوردو وناتنز: وافقت ايران على عدم تخصيب اليورانيوم لمدة لا تقل عن 15 سنة في موقع فوردو الواقع تحت جبل، والذي من المستحيل تدميره في عمل عسكري, ولن تبقى مواد انشطارية في فوردو لمدة 15 عاما على الأقل, وسيبقى هذا الموقع مفتوحا لكنه لن يجري عمليات تخصيب لليورانيوم, وسيسحب نحو ثلثي أجهزة الطرد المركزي من الموقع.
- وافقت طهران على أن يصبح موقع ناتنز المنشأة الوحيدة للتخصيب وسيزود بـ 5060 جهاز أي أر-1 من الجيل الاول لمدة عشر سنوات, أما أجهزة الطرد المركزي الأخرى فستسحب وتوضع تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- ستتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراقبة كل المواقع النووي الايرانية بانتظام.
- لا يمكن لايران بناء مفاعل بالمياه الثقيلة لمدة 15 سنة.
وبمقابل الالتزام الايراني بالبنود السابقة ترفع العقوبات الأمريكية والأوروبية فور تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية على احترام ايران لتعهداتها ويعاد فرض هذه العقوبات إذا لم يطبق الاتفاق, والمتفحص لتلك البنود المحورية باتفاق الاطار الموقع بين ايران ودول (5+1) يجد أنها تركز على الحد من قدرة ايران على تخصيب اليورانيوم الذي يؤهلها لامتلاك القنبلة الذرية لفترة تتراوح بين 10- 15 سنة, وسوف تجد ايران صعوبة كبيرة جدا في تطوير برنامج نووي سري في ظل الرقابة الدولية خلال تلك المدة, ومع ذلك يشكل الاتفاق رافعة سياسية بامتياز لايران واعتراف أممي بها كقوة رئيسة فاعلة على الحلبة الدولية والاقليمية, وازالة العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران يشكل رافعة أخرى للنهضة الاقتصادية والمعيشية للشعب الايراني والذي ضحى لأجل ذلك سنوات طوال, والسؤال المركزي الذي يطرح بقوة على كافة المحللين السياسيين والعسكريين: ماذا لو قررت ايران خلال الفترة المحددة 10-15 سنة أو بعد انتهائها على الأرجح استئناف تخصيب اليورانيوم بوتيرة أعلى وأقوى لامتلاك القنبلة الذرية, هل ستجدي العقوبات الاقتصادية الجديدة نفعا في ظل عقم الحلول الأخرى وخاصة العسكرية منها. وفي أول رد فعل رسمي على الاتفاق النووي في لوزان، انتقدت إسرائيل الاتفاق بشدة، واعتبر مسؤولون إسرائيليون إن "الحديث عن خطأ تاريخي، وإطار سيئ يؤدي إلى اتفاق سيئ وخطير, وبحسبهم فإنه يؤدي إلى منح الشرعية الدولية للبرنامج النووي الإيراني الذي لا يهدف إلا إلى إنتاج قنبلة نووية" , وهاجم المسؤولون الإسرائيليون الولايات المتحدة والدول العظمى، واعتبروا الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران على أنه خضوع للإملاءات الإيرانية وأنه سيؤدي إلى برنامج نووي لأهداف حربية.
وفي ضوء العوامل والمحددات السابقة يتبين أنه ورغم الخيارات الصعبة أمام القيادة الصهيونية, ستحاول إسرائيل مجاراة الضغط الزمني لإبطاء المشروع النووي الإيراني بكل السُبل, لعدم تحوُل إيران لقوة نووية, مما يأخذ منطقة الشرق الأوسط باتجاه الحرب الإقليمية, ولكن إذا نجحت إيران بامتلاك القوة النووية فهي ستتحول لخصم قوي لإسرائيل في المنطقة "وفي حالة وجود خصمين نوويين حتى لو كان أحدهما مستعداً لتبني وظيفة قتالية للأسلحة النووية, فإن ذلك يكفي لتغيير قواعد اللعبة بين الأطراف, إن توازن الردع النووي المستقر لا يقوم الا على استعداد الطرفين لأن يلعبا اللعبة وفقاً لقواعد اللعبة الردعية" , لهذا نجد أن معضلة البرنامج النووي الإيراني ستبقى من أشد المعضلات التي تواجه مفاهيم الأمن القومي الإسرائيلي وتوجهاته المستقبلية, وسيبقى امتلاك ايران للقوة النووية مسألة وقت فقط طال الزمن أم قصر.