لم يتوقع أحد أن تعلن عشر دول عربية حرباً على قبيلة واحدة في اليمن. كان المنتظر أن تلقي ما تبقى من دول عربية بثقلها لإحداث مصالحة بين فرقاء بلد يعتبر الأفقر بينها لا أن تزيد مشاكله وتدمر ما تبقى له من بنية تحتية لن تعمل على إعادة بنائها وهي التي طردت من شعبه أكثر من مليون يمني بعد أن ساند العقيد صالح العقيد صدام في احتلاله للكويت.
الحوثيون ليسوا قبيلة من الفضاء الخارجي مسقطة على اليمن ولكنهم جزء منها، باعتبارهم جزءا من الزيدية (أحد مذاهب الشيعة)، كان الحوثيون جزءا من النظام الذي حكم اليمن لأكثر من عشرة قرون حتى تمت الإطاحة به العام 1962.
الزيديون خاضوا الحرب بالوكالة عن المملكة العربية السعودية وبريطانيا في ستينيات القرن الماضي ضد مصر التي تدخلت لدعم النظام الجمهوري. الشيعة في اليمن يشكلون 35% من سكانها الذي يبلغ عددهم 26 مليون إنسان.
مشكلة الحوثيين قديمة وتتعلق أساساً بتهميشهم في نظام الحكم في تسعينيات القرن الماضي.
تصاعدت المشكلة بعد الغزو الاميركي للعراق العام 2003 حيث بدأ النظام ينظر إليهم باعتبارهم حلفاء لإيران بسبب مواقفهم السياسية القريبة من إيران وشعاراتهم المعادية للولايات المتحدة.
بدعم من العربية السعودية خاض نظام صالح معهم أربع حروب حتى العام 2010 لم تتمكن من القضاء عليهم.
في العام 2011 شاركوا بفعالية في الثورة التي أطاحت بصالح، بالرغم من أنهم شاركوا بالحوار الذي رعته دول الخليج إلا أنهم استثنوا من التشكيل الحكومي الذي عهد بها إلى عبد ربه منصور هادي وهي الحكومة التي حصل بها حزب الإصلاح اليمني - إخوان اليمن على نصيب عال في السلطة.
ما جرى في مصر من دعم لسياسات أدت إلى عزل الإخوان عن الحكم، تبعه موقف مماثل في اليمن استهدف إضعافهم خصوصاً بعد اعتبار السعودية والإمارات للإخوان كحركة إرهابية.
بخسارة المدافع الأكبر عن الحكومة في اليمن (حزب الإصلاح) وبوجود جيش الجزء الأكبر منه موال للرئيس السابق صالح، تمكن الحوثيون بالتحالف مع الأخير من السيطرة على صنعاء وبعدها على عدن.
مطالب الحوثيين ليست السلطة التي يعلمون بأنهم لا يستطيعون الانفراد بها، ولكن المشاركة في السلطة، وتأسيس نظام فيدرالي يمكنهم من الحفاظ على هويتهم الثقافية في المناطق التي يعيشون فيها والتي تتعرض بحسب ادعاءاتهم إلى هجمة من جماعات وهابية مرتبطة بالسعودية.
الحرب في اليمن وعليها اليوم يجب رؤيتها في إطار انهيار النظام العربي الرسمي وسقوطه في مستنقع تكريس الحروب الأهلية في العالم العربي. هي جزء من مسلسل الانتحار الجماعي الذي يكرسه النظام العربي الرسمي كوسيلة للتمسك بالسلطة عبر خلق حروب أهليه تجعل الجميع يقبل بما هو أقل مما كان قبل الربيع العربي.
سياسة مورست في السابق ويجري تكريسها، بدأت المسألة في العراق عندما قام البعض من العرب بدعم الاحتلال الاميركي للعراق، ثم دعموا القاعدة بعد أن أدركوا أن المستفيد الأول من سقوط نظام صدام كان إيران.
بالاعتماد على القاعدة أرادوا إضعاف النفوذ الإيراني، القاعدة عملت على تفجير مراقد ومزارات الشيعة ومساجدهم، والنتيجة بالطبع كانت سياسة ثأرية وطائفية بغيضة من قبل نظام المالكي.
جوهر المسألة هنا أن الصراخ بأن نظام المالكي كان طائفيا وان النظام الجديد - العبادي لا يختلف عنه، يخفي حقيقة أن من أوصل العراق الى هذه المرحلة المأساوية هو دعم احتلال العراق ومن بعده دعم الجماعات التكفيرية.
كان الأصل أن تتم محاربة احتلال العراق والمطالبة والعمل على عدم التدخل في شؤونه، وكان الأصل لاحقاً للجريمة الأولى أن يتم التوسط لقيام حكومة ممثله لجميع أطياف الشعب العراقي، لا اعتبار "الشيعة العرب" وهم الغالبية في العراق، كما لو أنهم قد اغتصبوا السلطة.
ثم تكررت المسألة في سورية، للإطاحة بنظام الأسد، لم يتوان بعض العرب عن دعم كل الجماعات التكفيرية.
هم لم ينتظروا حتى تمتد الثورة السلمية من درعا إلى باقي المدن السورية، وهي المرحلة التي كان من الممكن فيها أن ينحاز الجيش السوري لشعبه على غرار تونس ومصر، ولكنهم سارعوا بضخ الأموال لإحداث انشقاقات في الجيش السوري، وبفتح حدودهم أمام جميع الجماعات الإرهابية وتمكنيها لمحاربة النظام.
النتيجة بالطبع هي ما نشاهده اليوم من لجوء لأكثر من ثلث الشعب السوري إلى خارج بلده في مخيمات يموتون فيها من البرد والقهر، وثلث آخر واقع تحت رحمة الجماعات الإرهابية يفرضون عليهم الضرائب وطريقة الحياة التي يجب أن يعيشوها ويأخذون حتى أطفالهم لتدريبهم على القتل والإجرام.
هل كان قدر سورية هو الحرب الأهلية أم أنه خيار إستراتيجي لنظام عربي لا يكترث بمعاناة شعوبه.
من الطبيعي بعد دخول جماعات إرهابية من تسعين دولة إلى سورية وبعد أن أصبحت دول عربية وتركيا والولايات المتحدة وحتى إسرائيل أطرافا في الأزمة السورية لها جماعات تدعمها أن يحتمي النظام بحلفائه في إيران وروسيا وحزب الله.
ومن الطبيعي أيضاً عندما يتم الحشد ضد النظام على أساس مذهبي أن يتوحد أصحاب المذهب المستهدف.
ليس في ذلك جديد وهذا معروف مسبقاً للذين ساهموا في حدوث الحرب الأهلية في سورية، ومعروف من تجارب كل الأقطار التي وقعت فريسة للحروب الأهلية.
هل تعلموا مما ارتكبته أيديهم في العراق وسورية؟ قطعاً لا.
اليوم تتكرر نفس المأساة في اليمن. بدلاً من السعي لدعم حوار وطني والتعهد ببناء اليمن وخلق فرص عمل فيها، جرى الدفع بعشرات الطائرات والقطع الحربية لقصف الحوثيين وهزيمتهم.
النتيجة على أبعد مدى ستكون عدم تمكين الحوثيين من حكم اليمن، لكن أيضاً، عدم تمكين أي طرف آخر من حكمها لأن الجميع سيقع فريسة لحرب أهليه يجري فيها أيضاً دعم القاعدة بقصد إضعاف الحوثيين وهزيمتهم.


