دراما عقد من الزمان بلغت هذه الايام ذروتها: هل ستكون صفقة أم لا مع ايران؟ هل هي جيدة أم سيئة للاسرائيلين؟ هل هي جيدة أم سيئة للعرب، وللامريكيين؟ هل لوزان هي ميونخ زمننا، أم المكان الذي سيعطي للعالم بشرى سلام جديدة وحقيقية؟
منذ بداية الالفين تكافح الولايات المتحدة، اوروبا، الامم العربية ودولة اسرائيل كتفا بكتف ضد البرنامج النووي الايراني. وهي تفعل ذلك لفهمها بانه اذا اصبحت ايران دولة عظمى نووية، فانها ستكون قوة عظمى مهيمنة تعمق الشرخ السني – الشيعي، تعزز القوى الراديكالية في العالم العربي وتؤدي الى اندلاع المزيد فالمزيد من الحروب التقليدية. كما أنه اذا تحققت لايران قنابل نووية، فسيكون كهذه ايضا للسعودية، مصر، تركيا وامارات الخليج، وفي الشرق الاوسط ستنشأ منظومة نووية متعددة الاقطاب، هي مثابة كابوس استراتيجي. كما انها تفهم بانه اذا ما اكتسبت ايران قدرة نووية، يشتد الاحتمال في أن تنتقل القدرة الى منظمات شبه دول، تجعل القرن الواحد والعشرين قرن ارهاب نووي ورعب نووي.
الرؤساء الامريكيون الثلاثة الذين تعهدوا بان احتواء النووي الايراني ليس خيارا وان ايران لن تتحول نوويا ابدا (بل كلينتون، جورج بوش وبراك اوباما) كانوا يعرفون عما يتحدثون. ورغم أن الرأي العام الغربي، والاسرائيلي، لم يستوعب ابدا التحدي الايراني، فهمت الزعامة العالمية، ما الذي على كفة الميزان ووعدت المرة تلو الاخرى الاسرائيليين والعرب الا تخونهم. وان هناك من يمكن الاعتماد عليه. وان الغرب لن يكرر الاخطاء التي ارتكبها في الثلاثينيات ولن يسمح لاصحاب الايديولوجيا المتطرفة بأن يكتسبوا قدرة تكنولوجية متطرفة، تدير رأس الشرق الاوسط وتقوض النظام العالمي.
في 2012 تبين بان نتائج الكفاح الذي امتد لعقد من الزمان ضد النووي الايراني مركبة: القتال السري (والمثير للانطباع) فشل، الخيار العسكري (الذي اعتبر هذيانا) لم يتحقق، اما العقوبات (الشديدة) التي فرضت بشكل متأخر على نحو واضح فنجحت اكثر مما كان متوقعا. وكنتيجة لذلك، اشرفت ايران على حافة انتصار تكنولوجي وعلى شفا انهيار اقتصادي. وهذا هو السبب الذي جعلها تدخل عملية اعتدال وحوار قادتها الى لوزان. لقد كان هدف ايران الحفاظ على قدرة تكنولوجية (مكبوحة الجماح) وأن يرفق بها ازدهار اقتصادي، تمنحها معا هيمنة اقليمية وقوة دولية.
أما هدف الغرب فكان معاكسا: استغلال السوط الاقتصادي لتفكيك البنية التحتية التكنولوجية لايران، وضمان الا ترفع العقوبات الا بعد اجتثاث تام لقدرتها النووية. وسهل انهيار اسعار النفط في خريف 2014 على الغرب وصعب الحال على خصمه: قبالة القوى العظمى الستة وقف في الاشهر الاخيرة نمر من ورق، وحدها أسنان نووية تجعله نمرا حقيقيا. ولكن ضعف الرأي وضعف الارادة لمن يقفون امامه كان مرة اخرى ورقة النصر لايران. ومثلما نجحت في الاثقال على الغرب على مدى عقد من الزمان من المناكفة الاستراتيجية، نجحت في التغلب على الغرب في سنة مصيرية من المساومة السياسية. وذات الخليط من التصميم، الدهاء والذكاء الذي سمح لايران خامينئي بالوصول حتى لوزان، هو الذي سمح لها بالمناورة في لوزان والقاء ظل كبير على السلام العالمي.
هكذا بحيث أن السؤال الذي يطرح بعد لوزان هو من الذي سينهض ليقول "حتى هنا". لقد حاولت اسرائيل – والعالم أدار ظهرن. حاول العرب – والعالم تجاهل. وحتى الاسد البريطاني همهم وصمت. هكذا بحيث أنه لم يتبقَ الان سوى الغرور الايراني والراي العام الغربي. ووحدها يقظة اللحظة الاخيرة في الراي العام في العالم الحر في مواجهة الفخار الايراني يمكنها أن توقف مسيرة السخافة الاكثر سخفا في زماننا.


