لائحة الاتهام التي تم تقديمها في الاسبوع الماضي للمحكمة المركزية في الناصرة ضد أحد سكان مجدل شمس، صدقي المقت، على تهم تجسس خطيرة ومساعدة العدو في الحرب، بدت وكأنها احدى الوثائق القانونية الغريبة جدا والتي نشرت في السنوات الاخيرة في قضية أمنية. المقت هو درزي من مؤيدي نظام الاسد في سوريا. يبدو حسب ادعاءات النيابة وكأنه جاسوس الفيس بوك الاول الذي ألقي القبض عليه في اسرائيل.
فقط واحدة من المخالفات المتهم بها الآن تتعلق باجراء اتصالات مباشرة مع عميل معادي – مدير مكتب الرئيس السوري، الذي من المشكوك فيه ازاء اكوام القضايا التي تقلق وتشغل النظام في هذه الايام، أن لديه الوقت لتشغيل مباشر لجاسوس في اسرائيل. باقي الاتهامات تتعلق بأمور نشرها المقت في صفحته على الفيس بوك. في وسائل الاعلام الاسرائيلية نشرت ايضا تسجيلات لمقابلات أعطاها من الجولان للتلفزيون السوري. التهمة الأساسية الموجهة اليه في لائحة الاتهام هي أن المعلومات التي نشرها عن نشاطات الجيش الاسرائيلي على طول الحدود مع سوريا، في الانترنت وفي وسائل اعلام علنية، من شأنها أن تصل الى أيدي جهات معادية يمكنها استخدامها بصورة ضارة. ليس هناك تهمة مفصلة حول أن شيئا ما قد حصل بالفعل حقا.
حول جزء من تفاصيل القضية ما زال هناك أمر بحظر النشر. ما زال يوجد لدى الشرطة وجهاز الامن العام معتقلون آخرون. في الجزء الذي سمح بنشره من لائحة الاتهام قدمت النيابة في اللواء الشمالي توضيحات دقيقة عن الفرق بين "مشاركة" و "لايك" و"تعليق" في الفيس بوك. اتضح أن المقت "شجع مستخدمين آخرين للفيس بوك" على "المشاركة" في "تصريحات متطرفة" ضد اسرائيل، ونشر معلومات مفصلة عن نشاطات الجيش الاسرائيلي، التي تحولت لتصبح في متناول يد النظام السوري. تقريره في الفيس بوك في 17 ايلول الماضي الذي يقول فيه إنه اقترب من معبر القنيظرة وشاهد جنود الجيش الاسرائيلي يتدربون تدريبات مدنية بدون سلاح بالقرب من هذه الحدود، حسب النيابة العامة، "39 لايك و19 مشاركة". فيلم قصير يوثق نشاطات مستشفى ميداني افتتحه الجيش الاسرائيلي بالقرب من معبر القنيظرة كان أكثر شعبية – "6302 مشاهدة و387 لايك و146 مشاركة".
صحيح أن صدقي المقت يبدو أنه شخصية تثير الغضب جدا، من خلال لائحة الاتهام والتقارير التلفزيونية، من وجهة نظر دولة اسرائيل. بعد أن أمضى عشرات السنين في السجون الاسرائيلية بسبب مخالفات أمنية فانه يصر، فور خروجه من السجن، على نشر أقوال المديح للنظام الاكثر استبدادية وقتلا في الشرق الاوسط. محادثاته الهاتفية مع مدير مكتب الرئيس الاسد وسفارة سوريا في الامم المتحدة تشهد على أنه كان متحمسا لخدمة النظام، وليس مستبعدا أن تقوم منظمات معادية باستخدام التفاصيل التي نشرها لصالحها. وحتى في بلدة المقت، مجدل شمس، سارعوا في نهاية الاسبوع الى نشر بيان تحفظ منه والاعلان عن أن اعماله لا تعبر عن موقف السكان.
ما زال حتى الآن هناك شيء غريب جدا في هذه القضية. يبدو أنه الى جانب الضرر الامني الممكن، فان عد "اللايكات" من قبل المدعية العامة ليس بالضرورة يساعد في اثبات الضرر، لقد نجح المقت في اثارة غضب السلطات الاسرائيلية لأنه مس عصبا حساسا. القاسم المشترك لجزء كبير مما نشره في الفيس بوك وفي التلفزيون السوري هو تقديم شهادات حية تثبت كما يبدو ادعاء نظام الاسد وايران وحزب الله بأن اسرائيل تشارك في الحرب الاهلية السورية وأنها تحالفت مع منظمات المتمردين السنيين العاملين في الجانب السوري من الحدود في الجولان. المحور الراديكالي المؤيد للاسد يستخدم لصالحه بصورة كبيرة ورقة دعائية واحدة – اتهام اسرائيل بالتعاون مع الجهات السنية المتطرفة العاملة بقرب الحدود، منظمة جبهة النصرة المتماهية مع القاعدة.
المقت يكرر في منشوراته هذه الاتهامات. فهو يصف علاقات متشعبة بين الجيش الاسرائيلي والمتمردين السنة، يشك في أن اسرائيل تقوم بتهريب السلاح للمتمردين، يدعي بأنه شاهد غرفة عمليات مشتركة للجيش الاسرائيلي والامم المتحدة والمتمردين في معبر القنيظرة، ويتهم أن اسرائيل تُمكن المتمردين من اطلاق النار باتجاه مواقع الجيش السوري قرب الحدود. ما يحدث قرب جيب خضر، القرية الدرزية المحاذية لجبل الشيخ السوري، يقلقه بشكل خاص. فهو يقتفي أثر نشاطات الجيش الاسرائيلي عن كثب في الجانب الاسرائيلي وينقل تقريرا الى مدير مكتب الاسد، هذا التقرير يبدو أنه غير مُثبت وكأن اسرائيل أبلغت الدروز في الجولان بنواياها للسيطرة على القرية الدرزية في سوريا.
توجد مصلحة للنظام السوري لابراز ادعاءين. الاول عن تآمر اسرائيلي ضده (على أمل، مفقود في هذه المرحلة من الحرب، أن يعود ويجمع حوله دعما عربيا). والثاني عن تحالف بين اسرائيل والقاعدة من اجل أن يقول إنه بصورة نسبية، للذبح المتبادل الفظيع الذي يجري في سوريا هناك ايضا مجرمون اسوأ من الاسد. لكن يبدو أنهم في سوريا ايضا مقتنعون أنه هنا تُحاك مؤامرة ضدهم. زعماء النظام ومعهم رجال حزب الله يظهرون ثانية شكوكهم بأن اسرائيل ستساعد جبهة النصرة وامثالها على القيام بهجمات ضد دمشق وضد جنوب لبنان من الحدود في الجولان.
في السنتين الاخيرتين بقيت السياسة الاسرائيلية في سوريا على حالها. ازاء صعود منظمات متطرفة مثل النصرة وداعش في معسكر المتمردين فان اسرائيل لا تتمنى بصورة علنية اسقاط نظام الاسد لمعرفتها أن البديل لن يكون أفضل منه من وجهة نظرها. الى جانب ذلك ما زالت تصرح علنا بأنها ستقوم بما تراه مناسبا لاحباط أي تهديدات مباشرة عليها (وقد قامت بذلك بالفعل، حسب وسائل الاعلام الاجنبية، ضد قوافل السلاح من سوريا الى لبنان، وأصابت في عدة فرص شخصيات من حزب الله). كما أن اسرائيل لا تخفي حقيقة أنها تقدم مساعدات انسانية للمتمردين على الحدود.
التصريح الاكثر وضوحا بهذا الشأن قدمه وزير الدفاع موشيه يعلون في مقابلة مع "هآرتس" في تشرين الاول الماضي حيث قال في حينه إن اسرائيل تقدم مساعدات للقرى المحاذية للحدود – وسائل تدفئة في الشتاء، غذاء للاطفال ومعدات انسانية اخرى – مع اشتراط أن المليشيات العاملة في تلك القرى تقوم بابعاد المنظمات الاكثر تطرفا عن الحدود مثل جبهة النصرة. وحسب اقواله "في المنطقة المحاذية للحدود تسيطر مليشيات أكثر اعتدالا مثل الجيش السوري الحر. ليس سرا أنها تحظى بدعم انساني، ذلك الذي نقدمه لسكان القرى. ذلك يحدث بشرط ألا تسمح للمنظمات الاكثر تطرفا الوصول من الحدود".
لقد أبرزت بالفعل اسرائيل نشاطات المستشفى على الحدود، وفي الحالات التي تم فيها تصوير معالجة جرحى سوريين، كانت تلك لاولاد ونساء. ولكن في كانون الاول الماضي نشر موقع "فايس" الامريكي تقريرا مصورا واسعا حول العلاج الطبي، ويظهر فيه أنه من بين أكثر من 1400 جريح عولجوا في اسرائيل كان حوالي 90 بالمئة منهم من الرجال الشباب. يظهر من ذلك أن اسرائيل، كما يبدو، تعالج ايضا عددا كبيرا من المتمردين الجرحى.
هذه التفاصيل لا تثبت بالضرورة أن السوريين محقون في قولهم إن اسرائيل عقدت تحالفا مع منظمات المتمردين، ومنها ايضا عناصر متطرفة مثل جبهة النصرة. لكن يثور هنا شك بأن شبكة العلاقات مركبة ومتشعبة أكثر مما تصور في التقارير الرسمية – وأن صدقي المقت نجح في احراج اسرائيل من خلال سلسلة منشوراته. يبدو أن هذا على الاقل جزء من تفسير اعتقاله، الى جانب الادعاءات حول توثيق نشاطات الجيش والعدد المقلق من "اللايكات" التي حظيت بها منشوراته في الفيس بوك.


