الهزيمة القاسية لليسار في الانتخابات ضُخمت بسبب التوقعات العالية التي وضعها مؤيدوه أمامه. ظاهريا فان كل الظروف وجدت وكان هناك زخم (استند الى الاستطلاعات) وبدا كأن النصر في متناول اليد حقا – لكنه هرب. شبيها الى حد ما بالانتخابات الرئاسية بين قصاب وبيرس، عندما حصل التعادل في الجولة الاولى، وتساءل بيرس بذهول حقيقي "كيف يمكن أن يكون ذلك؟"، وفي الجولة الثانية فشل حقا.
حقيقة أن المعسكر الصهيوني تقريبا ضاعف قوته مقارنة بالكنيست السابقة وأن ميرتس فقدت مقعدا واحدا فقط، هذا انجاز كبير، لكنه باهت أمام الفوز المثير لليكود. من بين الاقوال اليائسة (جزء منها يثير الغضب وعديم المسؤولية) التي جاءت بعد الخسارة زعم عدد لا بأس به من اليسار أنه ليس هناك احتمال لأن الشعب يميني وهو غير مستعد للعملية السياسية، وأنه لن يكون هناك في أي يوم بالامكان تغيير الحكم اليميني (كان هناك من اقترحوا تغيير الشعب). لكن التاريخ يثبت أن هذا ببساطة ليس صحيحا. عندما كان هناك زعماء – رابين، باراك، شارون واولمرت – أيدوا العملية السياسية وأثاروا الثقة لدى الشعب – حصلوا على الفرصة. أي أن هذا ليس يمينا تلقائيا. هذا هو جمهور ناخبين مهم آذانه مصغية ومستعد للاقتناع اذا أقنعوه.
الجو الذي سبق الانتخابات كان ملبدا بالغيوم الاقتصادية. غلاء المعيشة، ازمة السكن وغيرها. في هيئة قيادة الانتخابات لكلينتون قبل انتخابه كرئيس، كانت معلقة هناك مقولة: "إنه الاقتصاد يا غبي" التي تعني أن الموضوع المركزي الذي سيُنجح أو يُسقط المرشح هو الموضوع الاقتصادي. في الولايات المتحدة نجح ذلك. في اسرائيل لا وذلك لسبب بسيط: قبل أن يتم الحديث عن مستوى المعيشة يجب أولا العيش. وفي اسرائيل، ما العمل – سواء بسبب ذكرى الكارثة أو بسبب محاولات الحروب أو بسبب التهديدات الموجهة لنا من كل اتجاه – فان الجمهور واقع تحت خوف وجودي. قلق يومي مبالغ فيه أو لا – لكنه موجود وحقيقي جدا. قال مذيع التلفزيون الامريكي، بيل ماهر، هذا الاسبوع إنه من المهم أن نعرف كيف كان الامريكيون سيتصرفون ازاء السود لو كانوا محاطين بـ 12 دولة سوداء تهددهم.
وأكثر من ذلك: الى حد كبير فان الاغلبية من الجمهور تتماثل مع الدولة، تتألم لوجعها وتتفاخر بنجاحاتها. الجزء الاكبر من الشعب مستعد للنضال من اجل استقلال الدولة حتى لو دفع حياته ثمنا لذلك. وهو غير مستعد لتقبل المس برموزها. ولهذا اذا كان معسكر اليسار يريد العودة الى السلطة فعليه الفصل بين الدولة وبين الانتقاد المشروع للحكومة لا أن يقوم برمي الطفل مع مياه الاستحمام. محظور على اليسار في اندفاعه للمس بالحكومة استدعاء ضغوطات من الخارج للضغط على اسرائيل، وتشجيع المقاطعة الاكاديمية لها، أو، عفوا على التعبير، التبول على علم الدولة. فقط اذا اقتنع الجمهور أن دولة اسرائيل غالية على اليسار ليس أقل من اليمين – يكون بالامكان اعادة الثقة ايضا في استعداده للدفاع عنها – والتنافس على قدم المساواة مع اليمين.


