على سفوح الجبال التي تحيط بمدينة تعز في جنوب اليمن تنمو احدى اشهر انواع نباتات القهوة الافضل في العالم. ويسكن في المنطقة اكثر من نصف مليون نسمة، حيث يربون فيها نبتة القات الاكثر مديحا في البلاد. في الماضي كانت المدينة بيتا للطائفة اليهودية الكبرى، التي كانت تعد حوالي عشرون الف نسمة، ومن بينهم ايضا سلالة الشرعابيم. وعرف المكان ليس فقط في حكمائه، بل ايضا في اعمال صك الذهب والفضة فيه، ولحين وقوع الثورة كان يزور اماكنه الجميلة العديد من السياح. بالامس سقطت المدينة بأيدي الحوثيين، الاقلية الدينية من الطائفة الزيدية التابعة للشيعة، والتي تعادل حوالي 40 بالمئة من مجموع سكان اليمن. وتقع تعز على مفرق طرق استراتيجي، تؤدي احداها الى ميناء عدن. حيث اليها يعتزم الحوثيون التوجه من اجل استكمال احتلال البلاد.
تنضم اليمن الى سوريا وليبيا، التي تسيطر عليها المليشيات الدينية او المدنية، وللعراق، التي تسيطر فيها السلطة المركزية على جزء من الدولة. وكما هو الحال في العراق وسوريا، ففي اليمن ايضا فإن الحرب هناك ليس فقط بين الحوثيون والنظام، الذي يعمل الآن من مدينة عدن. وذلك بعد ان تمكن الرئيس منصور هادي من الفرار من مكان إقامته الجبرية التي كانت مفروضة عليه في مدينة صنعاء.
ان خارطة القوات التي تعمل في اليمن معقدة بشكل لا يقل عن تلك التي تتميز بها سوريا. ففي جنوب البلاد يعمل الى جانب جزء من قوات النظام، مجموعات كبيرة من نشطاء القاعدة، المدعومين من قبل جزء من القبائل السنية. وفي نفس المنطقة تعمل ايضا قوات تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، والذي يتكون جزء منهم من نشطاء القاعدة الذين فروا من التنظيم واعلنوا ولائهم لزعيم الدولة الاسلامية ابو بكر البغدادي. في معاقل الجنوبيين تنشط ايضا مليشيات سنية، تطالب مجددا بإعادة تقسيم اليمن الى جنوبية وشمالية، وكذلك قبائل مسلحة تطالب بتقسيم عادل لموارد النفط في البلاد، الذي يتواجد معظمها في الجنوب. ويدير الحوثيون، الذين تتركز معاقلهم في منطقة صعدة في الشمال، منذ نحو عقد من الزمن القتال العنيف ضد السلطة مطالبين بالمساواة في الحقوق. وانضم اليهم ايضا كتائب من الجيش اليمني، والتي ظلت موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح. الذي اطيح به بعد الثورة في العام 2011.
خليط هذه القوات لم يتشكل في الاسابيع الاخيرة، ولكن على ما يبدو انها كانت تنتظر الفرصة للانقضاض من "المفرخة" التي كانت تتحصن فيها في محاولة للسيطرة على السلطة وعلى الثورة في اليمن – التي جاءت استمرارا للثورات في تونس، ومصر وليبيا – بعد ان فهمت ان هذه التطورات ايجابية (ومن بينها جهد للتوصل الى مصالحة وطنية ولتطبيق القانون)، وازاحت ايضا بواسطتها خصمها القوي وغير المرغوب فيه، الرئيس علي عبد الله صالح. وعلى الرغم من إصابته الخطيرة وإبعاده عن مركز القوة، فهو لم يتنازل ابدا عن التطلع الى تفكيك السلطة الجديدة والعودة الى حكم البلاد. وصالح، الذي ادار بنفسه العديد من المعارك الصعبة ضد الحوثيين في شمال البلاد في السنوات التي سبقت الثورة، امتطى عليهم، وسوية مع القبائل السنية التي بقيت موالية له بدأ السعي مجددا للعودة الى السلطة.
وفي المقابل، تنظيم القاعدة – الذي جعل من اليمن القاعدة الاقوى له ولنشاطاته في شبه الجزيرة العربية، بعد ان طرد من السعودية- حول حكومات اليمن، سواء حكومة صالح، او تلك التي اقيمت بعد الثورة، لحلفاء مع الولايات المتحدة والسعودية. هذا التحالف زود البلاد التي هي من بين الافقر في العالم، بالمساعدت العسكرية والاقتصادية. ولكن هذا التعاون، الذي مكن القوات الاميركية من العمل في اليمن برغبة منه، يقف الآن على حافة الانهيار. ففي الايام الاخيرة اخرجت الولايات المتحدة جميع جنودها من القاعدة الجوية في عوند، واغلقت سفارتها في صنعاء، وتم تعليق الهجمات على مواقع القاعدة. في اليمن نفسها لم يتبق قوات من قبل النظام الذي من الممكن التنسيق معها بشأن العمليات العسكرية ضد القاعدة، كما كان عليه الوضع مؤخرا.
ولكن القتال ضد القاعدة، الذي يتطور ايضا الى حرب ضد الدولة الاسلامية (الذي تم التعرف على نشاط قواتها في آب من العام 2014، عندما قامت قواتها بذبح 14 من الجنود والضباط اليمنيين في منطقة حضرموت جنوب البلاد) من شانه ان يتضح كحرب ثانوية في إطار خطة استراتيجية اخرى. إنقضاض الحوثيون تحول الى رافعة سياسية لصالح ايران، والتي كما هو الحال في لبنان والعراق وفلسطينالتي قبل الازمة في سوريا، نجحت في ان تختار لنفسها حلفاء من بين المنظات، مثل حماس، او ان تشكل لنفسها منظمات مثل جزب الله، من اجل ان تفرض عليهم تأثيرها.
التيار الزيدي الذين يحسب عليهم الحوثيون على الرغم من انهم مقربون من الشيعة، ولكن هذه ليست شيعة ايران ، وهو يعتبر حتى مارقا وليس ارثوذوكسيا. ولكن ايران، التي لا تقوم بشكل عام بفحص الاصول الدينية للموالين لها، جعلت من الحوثيين رعاياها، الذين تمولهم، وتسلحهم وتدربهم. وعمليا، في هذه الايام تتواجد في ايران بعثد من 600 مقاتل حوثي، يتلقون تدريبات عسكرية متقدمة.
مقابل ايران تندرج السعودية، التي تدير معارك ضد شد حبل لكبح تأثيرها في جميع مناطق الشرق الاوسط. في ايام ولاية على عبد الله صالح ساعدت السعودية الجيش اليمني في حربه ضد الحوثيين، كما انها استخدمت سلاحها الجوي لشن غارات على معاقلهم في صعدة التي تقع على حدود المملكة. وتعهدت السعودية بدعم النظام اليمني الذي اقيم في اعقاب الثورة، وحولت له مخصصات سنوية تزيد عن المليار دولار. ولكن بعد ان سيطر الحوثيون على العاصمة وطردوا النظام، تم تجميد المساعدة وبدأت ايران في إعاشة سلطة الحوثيين.
حاليا فإن السعودية واقعة امام معضلة صعبة: فمن اجل محاربة الحوثيين ولكبح ايران، عليها دعم القوات السنية. ولكن من بين السنة التي يتوجب عليها دعمهم يوجد القاعدة والدولة الاسلامية – بالاضافة الى جزء من قوات الجيش الذين يدعمون الرئيس السابق صالح وجزء من القبائل التي تدعم القاعدة – هم من السنة؟ المعضلة السعودية هي ايضا ذاتها المعضلة الاميركية، حيث ان الولايات المتحدة لا يمكنها الاكتفاء بالحرب ضد القاعدة في اليمن وان تجند السعودية الى جانبها، عندما تدير هي بنفسها مفاوضات متقدمة مع ايران حول الموضوع النووي، وبذلك فهي تعزز من مكانة ايران الاقليمية.
والسعودية متخوفة ايضا من ان نصر الحوثيين مع ايران في اليمن يوقع تمردا مدنيا في المملكة ايضا التي تقيم فيها اقلية شيعية فاعلة، وكذلك في جارتها البحرين التي تقيم فيها اغلبية شيعية. "امن اليمن هو امن الخليج العربي"، هكذا قيل في المؤتمر الطارئ الذي عقد في الرياض، وشارك فيه ممثلون على مستوى عالي من جميع الدول الخليجية. ولكن كيف يمكن تحقيق هذا الامن؟ بصورة نظرية، فبإمكان دول الخليج ان ترسل قوات الى اليمن من اجل اخضاع الحوثيين. ومن الممكن ايضا ان تقوم مصر، التي تدير نقاشات لاقامة قوة تدخل عربية، ان تساهم بقواتها في اليمن. ولكن تدخل الجيوش العربية من شأنه ان يجر تدخلا ايرانيا مباشرا في اليمن، وتحويل البلاد الى ساحة قتال دولية لا احد معني بها.
المسار الدبلوماسي هو المخرج المنطقي الوحيد الذي من شأنه تهدئة الاوضاع. ولكن مبعوث الامم المتحدة في اليمن، جمال بنعمر، استسلم وترك البلاد بعد ان اتضح له انه لا يوجد حاليا شركاء للتصالح. الرئيس المعزول، هادي، يصر على ان يترك الحوثيون العاصمة مع سلاحهم، وان يعيدوا للجيش السلاح الثقيل والذخيرة التي سلبوها قبل بدء المفاوضات. هذه الشروط بالطبع غير مقبولة من قبل الحوثيين، الذين هم جاهزون للعودة الى الصيغة السابقة التي اقترحوها، والتي بموجبها اقامة حكومة مؤقتة يتم تعيين اعضائها من قبل مجلس محلي يتم انتخابه من قبلهم. امكانية اخرى تتمثل في ان تعترف الولايات المتحدة والامم المتحدة بسلطة الحوثيين في اليمن وبذلك يضمنوا في ان يكون في البلاد سلطة مركزية بإمكانها ان تكون حليفا في الحرب ضد القاعدة والدولة الاسلامية. ولكنهم بذلك يمنحون المشروعية للرعاية الايرانية على اليمن ولسحب اقدام السعودية من دولة اخرى في المنطقة.
الامكانية الثالثة هي الانتظار لحين التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران وفي اعقابه تنضم ايران الى منظومة دولية تحاول حل الازمة في سوريا وفي العراق والآن في اليمن. حاليا تبدو هذه الامكانية كرؤية مروعة، ولكن الحركات التكتونية التي تدور في المنطقة من شأنها تحويل الرؤى المروعة الى اكثر واقعية.


