خبر : لا بديل عن مسار سياسي جديد ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 24 مارس 2015 10:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT




قدم المجتمع الاسرائيلي في هذه الانتخابات كل ما عنده من بؤس، مؤكدا انحيازه لدوام الاحتلال والاستيطان والسيطرة على شعب آخر. كان السلاح الاقوى في دعاية يوم الانتخابات الكراهية والعنصرية والتأكيد على رفض حل الدولة الفلسطينية. وقد أتى هذا السلاح أكله بتفويض مهندس تلك السياسة بنيامين نتنياهو لقبر الحل السياسي الذي ينهي الاحتلال من غير مواربة او تمويه كما جرت العادة. التنكر للحل السياسي كان القاسم المشترك الاعظم بين الاحزاب الاسرائيلية قاطبة، يستوي في ذلك اليمين واليسار والوسط باستثناء «ميرتس». نتيجة منطقية في ظل مواقف دولية وعربية آثرت القبول او التغاضي عن دوس حكومة نتنياهو على القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة وقرارات الشرعية والاتفاقات والمبادرات والرؤى والخطابات الخطط بما في ذلك ( خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية وخطاب بار إيلان ).
انكشاف نتنياهو كان مفيدا، كونه وضع نهاية لاكبر عملية خداع سياسي هي مفاوضات حل الدولتين. تلك العملية التي استخدمت كغطاء لتعميق الاحتلال وفرض حل «الابارتهايد» - نظام الفصل العنصري من طرف واحد، ولتبرير المواقف الدولية المؤيدة بشكل مباشر وغير مباشر لسياسة الاحتلال، ولتبرير العجز والتواطؤ الرسمي العربي. منذ توقف المفاوضات- بسبب نكث حكومة نتنياهو لشروطها- وما تبعها من محاولة القيادة الفلسطينية الذهاب الى مجلس الامن والانضمام للمؤسسات الدولية، مورس ضغط دولي وعربي رسمي ضد الشعب الفلسطين، سواء عبر العقوبات المالية او عبر التجاهل السياسي والاعلامي الذي وضع القضية الفلسطينية على هامش الاهتمامات، بما في ذلك غض النظر عن مسلسل التطهير العرقي في القدس والاغوار والمنطقة ج، وغض النظر عن حمى الاستيطان الزاحف في طول وعرض الارض الفلسطينية، والتراجع عن شبكة الامان التي وعد بها وزراء الخارجية العرب ومؤتمرات القمة العربية بالاستناد الى قرارات رسمية، والتراجع عن الصندوق الدوار الذي وعد به الاتحاد الاوروبي. معاقبة شعب تحت الاحتلال لانه يطالب بحريته ومهادنة دولة الاحتلال التي تستبيح الحقوق الوطنية والانسانية، مفارقة صادمة، كان أول تجلياتها، شطب الاحتلال من اجندة الانتخابات الاسرائيلية، ورفع منسوب الكراهية والعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني.
ماذا بعد؟ كل الكتل الانتخابية وكل الاحزاب -باستثناء ميرتس والقائمة العربية المشتركة- اي 96 % من الاسرائيليين اليهود لا يريدون انهاء الاحتلال ولا التراجع عن الاستيطان، ولا إنهاء السيطرة والتحكم في تفاصيل حياة الشعب الفلسطيني. ان هذا الواقع الذي كرسه اسلوب التعامل الدولي مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. يفترض تغيير اسلوب التعامل مع اسرائيل الدولة المحتلة. والانتقال من سياسة الحوافز الايجابية وإغداق الهبات والمنح والمغريات من كل الاصناف، الى سياسة الضغوط والعقوبات التي تتبع مع انظمة ودول أخرى كالعراق ويوغسلافيا وكوبا سابقا، وايران وسوريا وكوريا الشمالية وروسيا والصين راهنا. هذا المطلب يبدو مملا من فرط التكرار والاجترار، فما لا يقال، أن إسرائيل دولة فوق القانون يحظر معاقبتها والضغط عليها. الجديد في الطلب هو المطالبة بإعتراف الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي امام شعوبهم بأنهم عاجزون او لا مصلحة لهم في اتباع سياسة الضغط والعقوبات مع اسرائيل. ومطالبة الاتحاد الاوروبي بأن يشطب البند الثاني من اتفاق الشراكة مع اسرائيل الذي يشرط تطبيق الاتفاق باحترام حقوق الانسان والديمقراطية في العلاقة مع الشعب الفلسطيني. من المناسب ان تعترف هذه الدول بأنها غير مؤهلة أوعاجزة عن الوساطة بين طرفين أحدهما إسرائيل. وسيكون من اللائق ان لا تمارس هذه الدول الكبرى وعالمها الحر العقوبات على الشعب الذي لا يعرف في أكثريته الساحقة غير الاحتلال وجرائمه واستبداده وعنصريته.
بدلا من اتخاذ مثل تلك المواقف الصريحة، يلوح في الافق إعادة انتاج السياسات القديمة، كالتوجه الى مجلس الامن وصياغة قرار يحدد «مبادىء» اتفاق مستقبلي «يضمن» قيام دولة فلسطينية. كما ان الادارة الامريكية تدرس وضع مسودة اوباما التي تتضمن «المبادىء» المطلوب تطبيقها في المفاوضات». الحل إذا، بالعودة للمبادىء وبالعودة للمفاوضات والجدل البيزنطي. دون الالتفات الى حقيقة أن الحكومة والتحالف الاسرائيلي اليميني المتطرف يدوسون على تلك المبادىء، يكرهون المبادىء والقانون ولا يعترفوا بها. ويشاركهم في ذلك المعسكر الصهيوني الذي لا يعترف هو الاخر بقرارات الشرعية الدولية. إن وظيفة العودة للمبادىء والمفاوضات هو الزام القيادة الفلسطينية بالبقاء في مسار المفاوضات التي هي «طحن بلا طحين»، وعدم الانتقال الى مسار الامم المتحدة ومؤسساتها ومسار الانفصال التدريجي عن سلطة الاحتلال. الهدف هو تسكين هذا الصراع وإدارته وعزله عن الصراع في عموم المنطقة وتقطيع المزيد من الوقت. كي يتم إعادة بناء السيطرة على المنطقة، وإعادة بناء التحالفات بعد التحولات الكبيرة الناجمة عن صعود الثورات المضادة في سائر البلدان العربية التي شهدت ثورات شعبية.
البقاء في مسار التفاوض برعاية امريكية، والاكتفاء باستصدار قرار جديد من مجلس الامن، يضاف الى عشرات القرارت السابقة. ان استئناف العمل في مسار المفاوضات والوصاية الامريكية المترافق مع اقتراح دولي للوصول الى تهدئة بين الاحتلال وحركة حماس لمدة خمس سنوات مقابل تسهيلات إعادة الاعمار. هذا النوع من التدخل الدولي سيمكن حلف نتنياهو من مواصلة الاستيطان والضم والتطهير بغطاء المفاوضات والهدنة الجديدة، يعني خروج نتنياهو من عزلته ومضيه في تصفية القضية الفلسطينية و تفكيك مقومات صمود وبقاء الشعب الفلسطيني في وطنه.
لا بديل عن مسار جديد، يعيد بناء الوضع الفلسطيني، في وضع شديد التعقيد والتناقض. كان من المفترض ان تؤسس المعارضة السياسية والمجتمعية لبديل وطني منذ ان رفضت مسار أوسلو. كان من المفترض أن يترافق كل فشل -وما اكثر الفشل- في مسار المفاوضات بتعزيز البناء البديل وصولا الى تبادل المواقع بين السلطة ومشروعها التفاوضي والمعارضة ومشروعها الوطني البديل. غير ان المعارضة الاسلامية لم تؤسس لمشروع وطني بديل وكان همها وراثة السلطة والمنظمة ومشاريعها الفاشلة، والاكتفاء بمشروع الامارة في قطاع غزة. واقتصر دور المعارضة الرفض و انتظار الانهيار الطوعي للسلطة او انهيارها على يد الاحتلال كي تبدأ مرحلة جديدة لا تعلم الى اين تسير، باستثناء إضفاء حالة من الحنين للانتفاضة الاولى. في مثل هذه الشروط لا غنى عن تنشيط الادوار وتكاملها. خروج المنظمة من مسار المفاوضات، وإعادة بناء المؤسسة الفلسطينية وتحريرها من الفساد والتسلط البيروقراطي، وإعادة اللحمة لمكونات الشعب، وإعادة بناء التحالفات مع الشعب الفلسطيني، ووضع برنامج نضالي يشارك فيه قطاعات واسعة من الشعب .
Mohanned_t@yahoo.com