خبر : في خطورة انتخاب نتنياهو ...محمد ياغي

الجمعة 20 مارس 2015 12:50 م / بتوقيت القدس +2GMT



من الطبيعي أن يشعر الفلسطينيون، وتحديداً من يعلقون آمالاً كبيرة على المفاوضات بخيبة أمل من إعادة انتخاب نتنياهو لأن هذا يعني نهايتها. نتنياهو كان صريحاً وواضحاً في رفضه لقيام دولة فلسطينية، في تعهده بعدم تقسيم القدس، وفي ازدرائه حتى للعرب الفلسطينيين في إسرائيل نفسها. أكثر ما في جعبته للفلسطينيين هو تسهيلات اقتصادية يقابلها ضم أراض واسعة من الضفة لإسرائيل بالاستيطان ومحاصرتهم في معازل الى أن تأتي لحظة لتهجيرهم.
فكرة المعازل ذات الكثافة السكانية العالية فيها مخاطر سياسية تدركها جيداً حكومات إسرائيل من يمينها ليسارها. الأخير يفضل حل الدولتين لأنها تنهي المشكلة الديموغرافية. الأول يريد الأرض، لذلك يفضل المعازل مؤقتاً على تقسيم الأرض بين دولتين، لكنه في النهاية يدرك أهمية الديموغرافيا في التعبئة لفكرة الدولة الواحدة، لذلك سينتظر فرصة لتفريغ الأرض بالتهجير لحسم مسألة الديموغرافيا.
كل من يعتقد بأن العالم «المتمدن» لن يسمح بذلك عليه أن يعود لمذبحة رواندا العام 1994 عندما قتل مئات الآلاف في أقل من شهر أمام أعين المنظمة الدولية.. عليه أن يشاهد ملايين السوريين في مخيمات اللجوء في لبنان وتركيا والأردن .. عليه أن يتذكر العراق.. وعليه ايضاً أن يتذكر مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين هجروا من الكويت العام 1991، وملايين المشردين الفلسطينيين غيرهم منذ سته عقود.
دعونا لا نبيع الوهم لأنفسنا حتى لا نستيقظ على كارثة لا أحد مستعد لها ولا أحد يرغب بالحديث عنها وكأنها من المحرمات. إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى في حالة من الاطمئنان ولا يزعجها على حدودها أحد.
العلاقات مع مصر أفضل بكثير مما كان عليه الحال أيام مبارك بشهادة السيسي الذي أبلغ صحيفة «الواشنطن بوست» بأن إسرائيل سمحت للجيش المصري بالعمل في كامل سيناء وبالقوات التي تريدها للتدليل على «الروح الطيبة» للعلاقة بين البلدين. حتى «حماس» التي لم يقبل مبارك تصنيفها كحركة إرهابية صنفها القضاء المصري «المستقل» على أنها كذلك، والبعض في «الشقيقة» هدد بقصف غزة. هذه الجبهة إذاً والتي كانت فعلياً مغلقة منذ العام 1978 عندما تم توقيع معاهدة السلام، أصبحت اليوم جاهزة للمساعدة علناً - تحت لافتة حماية «الأمن القومي» - في تأديب «حماس» .
الجبهة التي تزعج إسرائيل أكثر من غيرها وتسبب لها الرعب الحقيقي هي الجبهة الشمالية حيث «حزب الله» لكن شاءت الأقدار أن يصبح «حزب الله» في خانة الدفاع عن النفس، ليس من إسرائيل، ولكن من جماعات تكفيرية عابرة للقارات تجمعت على أرض سورية ليس لمحاربة الدولة التي تحتل القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين كما تقول أدبياتهم- ولكن، ويا لسخرية القدر، لمحاربة «الشيعة» المسلمين. لم يتجمع هؤلاء بالصدفة بطبيعة الحال، ولم يولد هؤلاء بعقول مغسولة أيضاً، ولكن هنالك من مول، ومن قام بعملية غسيل الدماغ، ومن سلح، ومن فتح الحدود للعبور الى سورية. وبدون تفصيل، جميعهم عرب ومعهم الدولة المسلمة تركيا. أمام هذا الحشد الهائل من «الجهاديين» الذي لا يستهدف النظام في سورية فحسب ولكن أيضاً حزب الله، أصبحت مهمة الأخير ليس مواجهة إسرائيل ولكن حماية نفسه من «الجهاديين.» صحيح أن «الحزب يرد» عندما تعتدي إسرائيل عليه، لكنه رد المضطر الذي يرغب بتوجيه رسالة لإسرائيل مفادها أن لا يتدخلوا بشكل مباشر في الصراع في سورية. إسرائيل تفهم ذلك، لذلك احتفظت لنفسها بحق الرد بعد هجوم حزب الله الأخير رداً على هجوم إسرائيلي تعرض له، وتركز أكثر على دعم الجماعات الجهادية في القنيطرة، وربما الجيش الحر -إذا صدقت الروايات - من غرف عمليات تدار من دول عربية «شقيقة.» باختصار حزب الله خطر فقط إذا اعتدت إسرائيل عليه بشكل مباشر وهي ليست في حاجة للقيام بذلك اليوم لأن الجماعات الجهادية تقوم بعملية استنزافه.
إيران هي أكبر أكذوبة تهدد أمن إسرائيل. الأخيرة تتحدث ليل نهار عن خطورة إيران النووية لسببين: الأول، لأنها تريد ان تبقى الدولة الوحيدة المهيمنة على الشرق الأوسط، ووجود دولة قوية مثل إيران في المنطقة يحرمها من ذلك ويضبط حركتها في المنطقة. إيران حتى لو امتلكت سلاحا نوويا لا يمكنها بأي حال أن تستخدمه لأن من يغامر باستخدامه ضد دولة تمتلك هذا السلاح مثل إسرائيل، يغامر بفنائه. لذلك الحديث عن خطورة إيران النووية مجرد أكذوبة كبيرة لا علقة لها بأمن إسرائيل، ولكن قطعاً بهيمنتها الكلية على المنطقة بعد سقوط العراق وسورية وغرق مصر في مشاكلها الداخلية. أما الثانية فلها علاقة بفتح قنوات مع دول الخليج. الحديث عن خطورة إيران النووية يفتح وقد فتح لها فعلا أبواب الخليج العربي. الخطر الذي تشكله إيران على دول الخليج لا علاقة له أيضاً بالسلاح النووي ولكن بالطبيعة الديموغرافية لهذه الدول. بشكل أوضح وجود «شيعة» في هذه البلدان يجعلها دائما في حالة خوف من ولاء هؤلاء ليس لدولهم ولكن لإيران، وهو خوف ما كان له أن يكون لو أن هذه الدول ديمقراطية أو حتى عادلة في علاقتها بمواطنيها ولا تميز بينهم على أسس مذهبية وعرقية. إسرائيل جعلت من سلاح إيران النووي مدخلاً لها لهذا الأقطار التي تشاركها الرغبة في دفع الولايات المتحدة لإعلان الحرب على إيران.
باختصار، إسرائيل في وضع مريح جداً إقليمياً، لهذا لم يفكر نتنياهو كثيراً وهو يكشف حقيقته لجمهوره المتطرف وللعالم أجمع بأنه ضد الدولة الفلسطينية، فهو يعرف بأنه جزء من حلف إقليمي لا يهتم بالقضية الفلسطينية بمقدار اهتمامه بإيران.
المخاوف من أبعاد نجاح نتنياهو حقيقية ومصيرية وتتطلب حوارا فلسطينيا هادئا، صادقا، وعميقا لتحديد إستراتيجية المواجهة. من يتخيل بأن إسرائيل تريد ترك الفلسطينيين في معازل بعد مصادرة أراضيهم لديه قصر نظر. المعازل تعني تحول الفلسطينيين باتجاه حل الدولة الواحدة، وهذا ليس على أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي لا يحتمل وجود عرب داخل إسرائيل نفسها فكيف سيحتمل إضافة المزيد منهم.