لقد استفزتني أكثر من مرة تلك الفتاوى التي يطلقها من حين لآخر الشيخ على جمعة، وتبعث على التساؤل والاستخفاف، من أين يأتي هذا الأزهري المعمم بمثل تلك الاجتهادات التي يرفضها صاحب أبجديات في الفهم الإسلامي؟، كما أن معظم فتاويه مسيسة وذات طابع صادم للذوق الإنساني، كما أنها تثير - في معظمها – المجال للتعليقات الساخرة.
لم يتجرأ أحدٌ على نعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه "مجرم ابن مجرم" بمثل هذه الوقاحة والصفاقة، إن أردوغان هو اليوم عنوان للقيادة الإسلامية، والمروءة والشهامة القومية، والتجلي الإنساني، لأمة شرذمتها الحروب والخلافات، وأوردتها موارد الهلاك.
إن الشيخ على جمعة؛ مفتي مصر السابق، لا يتمتع بأي صدقية أو نزاهة فيما يقول، ولا حتى بأخلاق العامة من الناس، وإن ما قاله يأتي في سياق "إذا خاصم فجر"، وهو شيء من التحامل على رمزية إسلامية تُكن لها شعوب أمتنا - العربية والإسلامية - بكل التقدير والاحترام.
إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو اليوم الزعيم المسلم بلا منازع، والذي تنحني له - إكباراً - جباه أمتنا من المستضعفين والمظلومين؛ وخاصة أولئك الذين فقدوا كل أملٍ في نصرة أمتهم، ولم يجدوا لهم مثابة آمنة إلا في أحضان إخوانهم الأتراك، بعدما طاردتهم أشباح الموت في كل مكان، فكانت مواقف طيب أردوغان بفتح أبواب تركيا مشرعة لإغاثتهم وتوفير المأوى لهم.
عارٌ على دول عربية وأخرى إسلامية جعلت أبوابها مؤصدة في وجه هؤلاء النازحين وطلاب اللجوء هرباً من الموت الزؤام، أولئك الأهل من المكلومين والغلابا الذين شدوا رحال الهجرة، وركبوا الصعب من سوريا وفلسطين وليبيا واليمن باتجاه "بلاد العُرب أوطاني"، فعوقبوا بالطرد وركوب موج البحر باتجاه ألسنة الموت التي لا تبقي ولا تذر.
من هو الزعيم الذي فتح بلاده لاحتضان مئات الألاف من هؤلاء المشردين والناجين من هلاك براميل الموت والدمار، واعتبرهم أهل بيته، ومنحهم فرص العمل، وقدم لهم المعونات وأماكن الإيواء بكلفة تجاوزت أكثر من ثلاثة مليار دولار؟ ومن الذي حمل معاناتهم وقضاياهم إلى المجتمع الدولي ليحشد المواقف الداعمة لقضيتهم؟ ومن هو الذي سالت دموع إنسانيته على أطفال سوريا وفلسطين، وسارع بتقديم العون وأطواق النجاة لهم؟ ومن ومن أيها الشيخ الذي فقد بصريته، وغدا مسبة للناس بفقهه المنحرف وفُتياه المغايرة على ما أجمعت عليه الأمة.. هل هناك غير أردوغان؟!!
لقد قرأنا في تاريخنا الإسلامي عن المنافقين وعن وعاظ السلاطين، حيث إن وقائع ذلك التاريخ تمتلأ صفحاته بأمثال الشيخ على جمعة، والذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم في سورة (المنافقون)، حيث نعتهم المولى - عز وجل – بالكذب، وأنهم يقولون ما لا يفعلون، وأنهم خُشب مسندة، وأنهم جبناء يحسبون كل صيحة عليهم، وأنهم لا يعلمون.. الخ
إن تركيا اليوم هي ضمير العالم بلا منازع، وأن أردوغان هو رجل الأمة، الرجل الذي أعاد تصحيح مسار البوصلة وردها إلى رشادها، وهو في طريقه لاسترجاع مكانة الأمة واستعادة قيادتها لأخذ مكانتها تحت الشمس، وإن من الإساءة للأزهر الشريف أن يكون أمثال هذا الشيخ بهذه البذاءة وقلة الأدب مرتدياً قفطاناً وعمامة بهذا الاتساع والشهرة.
إن تطاوله على زعيم الأمة؛ الرئيس رجب طيب أردوغان، ووصفه بأنه "مجرم ابن مجرم"، وأنه "فاز في الانتخابات بدعم المومسات"، أقل ما يقال فيه إنه كلام منحط، ولولا أدب القول الذي تربينا عليه لقلت: إن مثل هذا الكلام لا يخرج إلا من زنديق وكذَّابٍ أشر.
هل يُعقل يا صاحب العمامة الأزهرية أن يبلغ بك سفه القول وشططه قول ما قلت على هذا الرجل الذي أعلى من شأن الأمة ورد لها الكثير من عزتها الضائعة، والذي كانت مواقفه البطولية في دعم القضية الفلسطينية علامة فارقة، وحالة من التميز بين كل أنظمة المنطقة التي خذلتها، وتآمرت عليها؟ لقد كان ما قلت هو إساءة لمصر، وعيب بحق أزهرها الشريف.
وقاحة تستدعي الرد..
ترددت كثيراً قبل أن أشرع بالرد على ما قاله الشيخ على جمعة وما قدمه من إساءات لشخصية إسلامية عالمية بوزن الزعيم رجب طيب أردوغان، شخصية نحفظ لها – على مستوى الأمة - كل التقدير والاحترام، ونتغنى بإنجازاتها على المستويين الإقليمي والدولي، شخصية أعادة لنا شيئاً من هيبة الأمة ومكانتها بين الأمم، شخصية صارت هي ملاذ المضطهدين وأمل المظلومين، وطموح جيل الرواد من الإسلاميين والعلمانيين، حيث إن نجاح التجربة التركية في الحكم والسياسة هو اليوم نموذج للاحتذاء، ومطلبٌ للاقتداء.
إن سنوات أردوغان في الحكم كرئيس للوزراء ثم رئيساً للجمهورية هي شهادة فخر ومحط إعجاب بالتجربة الديمقراطية والحكم الرشيد، والذي قد لا تجد له مثيلاً بين كل الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، والتي شاهدنا نماذجها وتجلياتها الدامية في سوريا وبلدان عربية وإسلامية أخرى.
كنا نتمنى على الشيخ جمعة؛ صاحب الفتاوى المتناقضة والمثيرة للجدل، والرجل الذي لم يحترم أدب الخصومة مع الإخوان المسلمين؛ كبرى الحركات الإسلامية، وقام – بقلة أدب - بالتشهير بتاريخها ورجالاتها وعلمائها وتضحياتها من أجل أمتها، وبالتحريض عليها بعد أن كان لسنوات يتقرب إليها، مُتزراً بثوب النفاق، والذي كشفت الأيام بأنه يشف عما تحته، فأذهبت هيبة العمامة، وأخلَّت بسُترة القفطان.
إن كلمات الشيخ على جمعة، والتي خرجت عن سياق الخصومة والأدب، إنما تعبر عن سفاهة ونفاق، وقديماً قالوا: "كلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضح".
إن أردوغان هو صاحب المسيرة الطويلة في الحكم الرشيد، والذي نجح في أن يضع بلاده في مصاف الدول الكبرى العشرين، وأن يجعلها في صدارة دول المنطقة، وأن يتقدم بشجاعة لاستعادة أمجاد السلاجقة العثمانيين ودولة الخلافة، على خطى سلاطين الأمة؛ ألب أرسلان، وسليمان القانوني، ومحمد الفاتح، ومن كانوا على خطاهم سائرين كنجم الدين أربكان (رحمه الله).
وختاماً.. للشيخ الذي لم يحترم عمامته، ولم يُقدر المؤسسة الدينية التي تخرَّج منها، والموقع الذي تبوؤه في مصر الحبية، أقول: أولئك آبائي فجئني بمثلهم..


