تسيبي لفني قامت باملاء مستوى واسلوب الحملة الانتخابية التي انتهت بهزيمة اخرى لها ولشركائها. يصعب أن ننسى كيف قالت في برنامج "وضع الأمة" قولا لم يسبق له مثيل تجاه رئيس الحكومة حينما قالت إنه بالثنائية المدهشة بينها وبين اسحق هرتسوغ "سيُنزلان القمامة معا". اتضح أن الشعب لم يكن مستعدا لقبول الخط الدعائي لها ولشريكها – "فقط ليس بيبي" – ورد على ذلك في صناديق الانتخابات: "فقط ليس بوجي وبالتأكيد ليس تسيبي".
باستثناء الفقاعة التل ابيبية والاعلامية التي تغذت منها، فان جزءً كبيرا من الشعب لم يصدق تشويه الصورة الشخصية التي جرت لرئيس الحكومة وزوجته. لقد اتضح، خلافا للتعالي والرياح الخبيثة التي هبت من تلك الفقاعة، أن هذا الجزء هو الذي كان له الدور الحاسم. كما فهم الشعب بأحاسيسه أن نتنياهو بالتحديد لديه طاقم وزاري جيد يمكن الاعتماد عليه. لحكومات نتنياهو في السنوات الستة الاخيرة هناك قائمة مؤثرة من الانجازات التي حسنت حياة وخفضت مستوى معيشة كل مواطن (فوق سن الستين).
من أين وصلت هذه الرياح الخبيثة الى حياتنا؟ لقد نبع هذا في الاساس أن الانجاز الاهم لحكومة نتنياهو في السنوات الاخيرة، أي تعزيز الشعور بالامن الشخصي، مكّن الجمهور من الاهتمام بمواضيع اخرى كلها تتطلب معالجة بصورة أكثر جدية، وليس لدي شك أنه سيتم في الولاية القريبة معالجتها كما ينبغي. هذا الوضع استغلته أقلية قليلة أُديرت من قبل ناشر صحيفة يخاف من زوال احتكاره، ومن قبل اعلامي آخر نجح في السابق بواسطة ضجات اعلامية في أن يقود الى الانسحاب من نقاط سيطرة أمنية في قطاع غزة وترحيل آلاف المواطنين الذين تحولوا الى لاجئين داخل ارضهم، حتى لا تُقدم لائحة اتهام جنائية ضد شارون (من كتاب دروكر وشيلح).
هذه المجموعة اهتمت بتغذية الجمهور بوجبة سامة يومية خلال الحملة الانتخابية بدلا من التركيز على الانتقاد الموضوعي.
هذه الاستراتيجية لم تحقق أهدافها لأنه بصورة أساسية يشعر مواطنو الدولة أن أمنهم الشخصي موجود في أيدي أمينة، وهذا يظهر سواء في قلة العملية التفجيرية أو في الشعور بالأمن حتى عندما يحاول العدو تخريب المدن بوابل من الصواريخ. الجمهور يعرف أنه في الوقت الذي سوق فيه وهم السلام له من قبل من سبق بوجي وتسيبي بقيادة نفس المجموعة، حصدت العمليات التخريبية نحو 1500 قتيلا وعشرات آلاف الجرحى وخسارة انتاج وطني تبلغ عشرات المليارات. واضح للجمهور أن هذا الشعور بالامن ليس صدفة لكنه نتيجة تخطيط وتنفيذ أيدي مجربة وحكيمة، فقط بسبب مبادرة رئيس الحكومة الى تحويل ميزانيات ضخمة من مشاريع اجتماعية لهذه المجالات رغم فهمه أن هذا سيضر بجاذبيته الانتخابية في الانتخابات عندما تحدث، يوجد اليوم شعور كهذا بالامن.
سبب آخر لهذا الشعور هو التنفيذ الناجح جدا للقرار بالوقف التام لتيار هجرة العمل غير الشرعي من افريقيا. هذا التيار هدد باغراق الحلم الصهيوني في بحر مشكلات غير قابلة للحل. وهذا التهديد أصبح من الماضي بسبب القرار المدعوم بميزانيات ضخمة لتنفيذ ما هو مطلوب.
كل ما سبق قوله لا يعني أن لمواطني الدولة لا توجد مشكلات يجب معالجتها الآن باهتمام. جدي الذي سميت على اسمه كان الشخص الاول في العالم الغربي الذي عرّف ما هو الحد الادنى من الامن الاجتماعي الذي يجب تحقيقه لكل مواطن. لقد أيد الاسلوب الرأسمالي لكنه فهم أن المنافسة التي تعتبر روحها تخلق الى جانب الناجحين ايضا اشخاص تتضرر مصادر رزقهم تماما لأنها تعتمد على من خسر في المنافسة. لقد طالب أن يقوم المجتمع بايجاد شبكة أمن اجتماعي لهؤلاء الاشخاص توفر لهم شروط حياة محترمة بالحد الادنى، التي هي حسب كلامه: الغذاء، السكن، الملابس، الصحة والتعليم – باختصار، يمكن أن أضيف عنصرا آخر هو المعرفة. على الحكومة القادمة الاهتمام بتطبيق هذه النظرية وليس عندي شك أنها ستقوم بذلك.


