خبر : منطق المقاطعة \ بقلم: عميره هاس \ هآرتس

الإثنين 09 مارس 2015 12:28 م / بتوقيت القدس +2GMT



رفوف البقالات والمحلات التجارية الفلسطينية فارغة من منتجات تنوفا واوسم. عدا عن المقتنعين ان عليهم مقاطعة هذه الشركات الاسرائيلية وشركات اخرى لاسباب وطنية، فإن اصحاب المحال التجارية والتجار يقومون بذلك لان العديد من المسؤولين الفلسطينيين وجنودهم المخلصين من فتح احرجوهم بشكل علني.

قبل ثلاثة اسابيع ونصف اعلنت "الحركة الوطنية للرد على اساليب العقاب الاسرائيلية" عن حملة لمقاطعة منتجات خمس من الشركات الاسرائيلية، طالما اسرائيل تحتجز اموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها على المعابر الحدودية الدولية. اللجنة، برئاسة المسؤول في فتح محمود العالول، حددت اسبوعين لتنظيف رفوف المحلات. وبعد ان كان هناك من سخر بربط النشاط بالافراج عن الاموال، تم الاعلان عن ان المقاطعة دائمة. اللجنة ليست حكومية، وللمقاطعة لا يوجد غطاء قانوني – على عكس مقاطعة منتجات المستوطنات التي تستند على قرار حكومي رسمي (الرقابة عليها توقفت لغياب الرغبة او الاموال، وهي قائمة جزئيا).

مع انتهاء الاسبوعين تجول اعضاء اللجنة بين العديد من حوانيت البقالة، ترافقهم وسائل الاعلام – بما في ذلك صحفيون اسرائيليون، وقاموا بتخجيل البائعين على الملأ. في يوم الاثنين الفائت قام شباب من فتح بمصادرة شاحنة تحمل شحنة من حليب تنوفا، تعادل قيمتها عشرات الآلاف من الشواكل، وقاموا بسكب محتوياتها في وسط دوار المنارة برام الله. واحتاج الامر لثلاثة صهاريج مياه تابعة للبلدية من اجل تنظيف الميدان (تحتوي على الاقل ثلاثون كوبا مكعبا من هذا السائل غالي الثمن). العديد من المارة سارعوا لانقاذ القليل من اكياس وعبوات الحليب. وردا على تساؤل المارة لماذا يسكب الحليب ولماذا لا يوزع على مخيمات اللاجئين على سبيل المثال، اجاب شباب فتح اذا قمنا بذلك سيقولوا اننا قمنا بسرقة الحليب لاستهلاكنا الشخصي.

مبدئيا، هناك دعم لخطوة المقاطعة للمنتجات الاسرائيلية:سواء من اجل تشجيع الصناعة الفلسطينية، وسواء من اجل ارسال رسائل لاسرائيل وللاسرائيليين، ان الوضع ليس كالمعتاد. ولكن طبيعة النشاط الحالي "للجنة الوطنية" ولشباب فتح، يثير الكثير من القلق والاستياء. "انها المرة الاولى التي يتضرر فيها افراد فتح من الخطوات العقابية الاسرائيلية (التقليص في الرواتب بسبب احتجاز اموال الضرائب)، لذا فهم قرروا ان يعملوا"، وهذه الاقوال رددها نشطاء سابقون في الحركة. كما قالوا " فتح ومسؤوليها، تم حشرهم في الزاوية وهم يبحثون عن اي طريقة ليبرزوا فيها". وكان هناك ايضا من تساءل السؤال الذي لا مفر منه: " عن بطاقات الشخصيات الهامة هل تنازلوا؟". وهي البطاقات التي يمنحها الاسرائيليون لتتيح للمسؤولين العديد من التسهيلات.

وهناك ايضا تفسير آخر لنشاط اللجنة، والذي سمعته من العديد من الشبان "لا حاجة لاخافتهم من اجل ان يقاطعوا منتجات النظام الصهيوني". وفقا لاقوالهم، النية المخفية هي من اجل تقويض شركات المشروبات، ولاحضار غيرها، التي تعود للمقربين، بدلا منها. حتى ولو ان هذا التفسير لنشاط اللجنة تم نفيه من اساسه – فإنه يشير الى الشكوك العميقة في داخل الطبقة التي تمثلها. ربما من الافضل للمسؤولين المقاطعين ان يبداوا بدمج الاعتبارات الصحية: التوضيح ان حليب البقر – بالذات النوع المشبع بالهرمونات- ليس صحيا، والبامبا المصنعة من الذرةمشبعة بالزيت والملح بكميات مبالغ فيها.

احدى قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الذي انعقد في الاسبوع الماضي في رام الله كان بمقاطعة جميع المنتجات الاسرائيلية، انه قرار فارغ، واقتصاديو الضفة يعرفون ذلك جيدا. صحيح انه يمكن التنازل عن العديد من المنتجات (من بحق السماء بحاجة الى شكولاته وعلكة اسرائيلية، او مياه معدنية من الجولان او عين جدي). وممكن – ايضا في إطار اتفاق باريس- ان يتم إحضارها من الخارج، وليس عن طريق مستوردين اسرائيليين. ولكن هناك منتجات كثيرة لا يمكنهم استبدالها، واستيرادها من الخارج باهظ الثمن. ماذا مع اللحوم، على سبيل المثال؟ 97 بالمئة من اللحوم والطيور التي يستهلكها الفلسطينيون – يتم شراؤها من اسرائيل، حسبما قال لي اقتصادي فلسطيني. هل سيتنازل الفلسطينيون عن اللحوم ويصبحون نباتيون فورا؟. جميع نشاطات المقاطعة للمنتجات الاسرائيلية حتى الآن (بما في ذلك المستوطنات)، قال لي الاقتصادي، لم تقلص معدل الاستيراد الفلسطيني من اسرائيل بأكثر من 5 بالمئة.

ولكن حتى لو ان الاستغناء عن معظم المنتجات الاسرائيلية لم يؤثر على الاقتصاد الاسرائيلي، فإن النشاط لاجل المقاطعة هو امر مهم. فالمقاطعة تتيح المجال امام اشخاص كثيرون للانخراط في نشاطات الانتفاضة، بدون ان تحرك حجرا او تطلق رصاصة. الاحتلال العسكري – الاستيطاني يكبل ايدي الفلسطينين في جميع المجالات وفي جميع تفاصيل حياتهم ويشوشها: من المولد وحتى الوفاة وما بعدها. ليس هناك اي امكانية للرد بصورة منفردة على كل نشاط عنيف كهذا. المقاطعة ترفع من آفاق النشاطات الجماعية وانفعالات الغضب، الكراهية والتطلع للانتقام، المبرر، الطبيعي والمفهوم (المفاجئ هو الى اي حد هي قليلة التعبيرات الخاصة والعنيفة لتلك الانفعالات مبررة، طبيعية ومفهومة). فلتكن الدوافع ما تكون، مبادرة المسؤولين للمقاطعة (تدلل على تغييرات في المناخ السياسي الداخلي الفلسطيني. وهي بالتأكيد ليست نهاية المطاف.