غزة خاص سما مشيرة جمال
ألا يبدو غريبا ومستهجنا أن تجد تحت سماء غزة الصغيرة المكتظة بالمؤسسات الحكومية وبالأحزاب و المؤسسات الأهلية 213 عائلة مهمشة تعيش قصصها و مآسيها وحدها في هذه البقعة التي لم تعد تتسع لقاطنيها وكانها في كوكب اخر؟ . "سما" تواصل فتح الملف وتكشف عورات هذه المؤسسات وتصورها.
خريجو جامعات يعملون في الزراعة
عندما تتجول بينهم في منطقة جنوب حي الزيتون تشعر جيدا بأن هناك مجموعة من البشر أفردت عرفا جديدا أسمته "التعليم العالي" كأحد تقاليد المجتمع المقدسة , إذ ان نسبة المتعلمين بشكل عام في تلك المنطقة 90% ونسبة خريجين الجامعاات 85% ومن حصلوا على وظائف حكومية أو في الانروا لا تتعدى ال 5% منهم .
" أم عدنان" خريجة لغة عربية من جامعة الأزهر تعمل في مهنة قطف الخضار والثمار في المواسم الزراعية , لم تجد أى فرصة للعمل بشهادتها آثرت أن تستغل قدرتها البدنية , وتكافح الشمس و البرد لاعانة زوجها على صعوبات الحياة " أنا لا أريد لأولادي الموت من المرض والتلوث وأيضا الجوع ,علينا كآباء الحفر في الصخور لاطعام أولادنا ".
لا يختلف كثيرا وضع" محاسن " والتي تخرجت من جامعة الأزهر تخصص خدمة اجتماعية عن وضع أم عدنان وهي أحدى الشابات التي تعمل على تطوير وتحسين أوضاع عشيرة الملالحة في المغراقة وقطاع غزة .
تقول محاسن" لقد تخرجت انا وخطيبي من الجامعات وادرجنا ضمن سجلات العاطلين , وهو يستغل اى فرصة عمل قد يحصل عليها , احيانا جمع المخلفات البلاستيكية او الزجاجية أو جني الخضار في مواسمها , وانا الان أعمل في البصل فهذا هو موسمه ".
ولكن ما كان أكثر ألما هو "نور حسين الرش" الذي ما أن بدأ يعد الكليات التي التحق بها والشهادات التي حصل عليها حتى سقط قلمي في وحل الشارع الذي كنا نقف فيه لاجراء المقابلة, فقد تخرج من كلية القانون جامعة الأزهر وحاصل على شهادة في الصحافة الاعلام من معهد البراق والعديد من الدورات والتدريبات في مجالات اجتماعية وعلمية مختلفة .
يقول نور " لقد حصلت على شهادات عدة ولكنها لم تسعفن لاعالة عائلتي فانا ابيع الخضا ر واجمع الحديد من الطرقات ".وعن التضاد الكبير بين عدد المتعلمين و الوضع البدائى الذي يعيشة افراد هذه المنطقة قال " هذه المنطقة مهملة منذ عقود ويرجع نور بقاء المنطقة على مستوى معين من التطور الاجتماعي والبنائي الى ضيق ذات اليد , وعدم وجود مستوى مادى وخدماتي جيد يعمل على رفع المستوى المعيشي ".
ويبدو ان بساطة العيش لم تجعل ممن حصل منهم في تلك المنطقة على درجات علمية يشعرون بأن الحصول على عمل لا يحظى بالتقدير الاجتماعي "عيب" فالعيب هو عدم الحصول على عمل من وجهة نظرهم.
حياتهم في خطر
"سلمى وافي" 52 عاما تعاني من ورم في الحنجرة نتيجة التلوث الذي يضرب المنطقة من ساسها الى رأسها.. أشفقت جدا من ظلمى لها عندما طلبت اجراء مقابلة وهي بالكاد تتنفس من خرطوم مثبت في اسفل الرقبة يتسرب منه الماء على ثيابها من فينه الى اخرى , وهي تحاول جاهدة تصحيح اجابات ابنتها والتعبير عن حاجتها لجهاز يعينها على شفط الماء من الرئتين والذي تصل تكلفته 800 شيكل وفي كل مره كانت ترفع يديها الى السماء تضرب كل من حضر بسوط المسؤولية.. كيف لها أن تحيا كذلك وكيف لنا أن نصمت على ما جرى لها , لقد أصيبت بمرض نتيجة التلوث البيئي ومطلوب منها التعافي في ذات الوسط الموبوء ... كيف ذلك ؟؟؟.
يقول زوجها " نحن لا نطلب كوبونات غذائة او ما شابه ونطالب فقط بحل مشكلة التلوث التي ارادت قتل زوجتي وحتى لا يصيب المرض غيرنا , ونصبح بين المرض والفقر تائهون".
"حسون واكد" 63 عام أمضت منهم 7 أعوام طريحة الفراش تقتات طعامها وشرابها عن طريق انبوب مثبت بالانف اثر جلطة في الحنجرة , كلماتها في الغالب ايماءات يخشى ابناؤها أن يباغتهم فيضان في شبكة الصرف الصحى المتهالكة وأن يقضى على حياتها ولا يستطيعون اخراجها من المنزل , وكأن ذلك كله يعبر عن برهم بوالدتهم التي انهت مهمتها في الدنيا وتنتظر منهم رد الجميل.. عيناها الذابلة ولعابها الذى ملا وسادتها يرويان قصة وجعها "كم هي راضية عنهم وساخطة على من يملك مفتاح تغيير حياتها وحياتهم؟.., وسؤال متواصل يطرح نفسه بامتياز" اليس من المفترض أن توفر وزارة الصحة بيئة صحية بعيدا عن كل اجواء التلوث التي كان سبب في مرضهم وفي الغالب سوف تكون سببا في القضاء على حياتهم؟؟..
طفولة تسبح في الوحل
ما أن وطأت قدمي منطقة الملاحلة " الزيتون " حتى التف حولي أطفال جميعهم بلا أحذية بلا أغطية رأس تقيهم شدة البرد يغوصون حتى ركبهم في وحل شارع يمتزج فيه الطين بمياه الأمطار منقوش بزخرفات بخطى أطفال من الواضح أنهم لم يحصلوا على أحذية منذ الولادة و يرسمون الابتسامات ويوزعون الأمل برسالة لم يقضف المهم الناخر في ضمائرنا حتى النخاع.
يخبرنا مختار منطقة الملالحة حسان سلمان الملالحة " أبو سلمان " عن سوء الوضع الصحى والمخاطر التي يخشاها على أطفال تلك المنطقة من انعدام وجود خدمات من قبل البلدية لمنطقة " الزيتون "لدينا ما معدله 40 طالب توجيهي يضطرون بالاضافة الى تحدي رهبة هذه المرحلة الدراسية الى مقاومة البرد و المرض وصوت مضخة المياة التي جلبتها البلدية والتي تصدر صوتا مزعجا جدا وتحتاج الى متابعة طوال الليل والنهار."
يقول المختار " من الواضح أن لا يوجد هناك اى اهتمام لحل مشاكل المنطقة والمضخه تعتبر حلا مؤقتا , ونحن لا نطلب الكثير , وجزء كبير منا يقوم بدفع التزامات الكهرباء والماء والخدمات , وهذا يعنى أنه يحق لنا كباقي مناطق القطاع التمتع بخدمات الصرف الصحى والنظافة , ورصف الشوارع وإنارتها ".
ويؤكد انه برصف شارع طوله 300 متر سيتم حل 50%من من مشكلة فيضان شبكات الصرف الصحى في المنخفضات وأيضا سيعالج قضية التربة التي يخزن فيها مزيج الماء والرمال والطين وفضلات الحيوانات والقمامة المتراكمة بسبب عدم وجود عامل نضافة واحد في تلك المنقطة , وكل ذلك تقوم التربه باعادة تصديرة في الهواء ورطوبة الجدران وأسقف المنازل التي يصل مستوى بعضها الى 2 متر تحت مستوى الشارع العام .
, وقد صادف وجودنا هناك وجود عناصر من البلدية اتوا لرفع تلك المضخه وهي الحل المؤقت للمشكلة ؟ ولكن تبقي الشوارع عائمة في مياة الامطار بشكل مقيت حيث ابدى موظف البلدية أسفه على وضع تلك المنطقة وحاجتها الى مشروع اعادة بناء بنية تحتيه من قبل الجهات المانحة.
ويضيف " في كل مره أحصل فيها على مناوبة لتشغيل مضخة المياة أحتاج في المقابل الى أسبوع اجازة مرضية , كان الله في عون ساكنيها ".
كل ذلك يعتبر غيض من فيض مما يعانيه العشرات من افراد عشيرة الملالحة في قطاع غزة وقد كنا في التقرير السابق قد تحدثنا عن منطقة المغراقة واليوم منطقة الملالحة في حي الزيتون الزيتون والتي تتواجد في قلب مدينة غزة والسؤال الذي طرح نفسه ..هل أزمة هذه المجموعة البشرية في قطاع غزة هي للحفاظ على ارث البؤس الحضاري في وجود تجمع من البشر منبوذون اجتماعيا وخدماتيا من قبل الحكومة والمؤسسات الأهلية إلا ما ندر ؟.. أم انها مصادفة و مساعي التغيير سوف تبدأ من اليوم بيد الحكومتين والناس ؟ من هنا جاء تحقيق "سما" انه صوت السلطة الرابعة ينتظر من الجميع الجواب.






















