إن محاولات عرض التهديد الايراني كنوع من الحملة الانتخابية، تتواصل. أكثر من مرة صرح رجال أمن سابقين، يريدون البقاء على المسرح، بأن التهديد الايراني مبالغ فيه ويتم استخدامه لاهداف سياسية. الآن تحاول اوساط مختلفة في وسائل الاعلام اعادة كتابة التاريخ والتقليل ايضا من التهديد الذي كان يواجهنا من عراق صدام حسين. وعرض الوضع الجيوسياسي الذي ساد في عهد حكم البعث كوضع أفضل لاسرائيل من الوضع القائم حاليا. من اجل القيام بذلك تحاول تلك الاوساط أن تشرح بطريقة غير مباشرة أن التدخل في ايران سيكون خطأ مكررا، ويبدو أنه سيسيء الى وضعنا الامني.
هذه الادعاءات والاشارة الى أن التدخل في ايران سيسيء ولا يفيد، تتهاوى أمام الوقائع والتاريخ. منذ البداية سعى نظام البعث للحصول على سلاح الابادة الجماعية، وخصوصا القدرة النووية. لقد صرح صدام حسين في السبعينيات أنه طالما يوجد لاسرائيل سلاح نووي فان العراق لا يستطيع مهاجمتها بحرية، وبهذا ينوي استخدام هذا السلاح كمظلة نووية تُمكنه من "اغراق العدو في أنهار من الدماء".
المحاولة الاولى لصدام للحصول على هذه القدرة فشلت في 1981 بعد أن فجرت اسرائيل المفاعل النووي في اوزراك، وبسبب عمليات اخرى كثيرة ضد البرنامج التي صعبت على العراق الوصول الى هدفه. وفي الاشهر التالية للهجوم جدد العراق اتصالاته مع فرنسا لشراء مفاعل آخر ولكن تقييدات التجارة الكثيرة التي فرضت على العراق خلال الحرب مع ايران صعبت عليه ذلك.
عندما واجه صعوبة في تجنيد دعم من الدول الغربية، قرر صدام تطوير برنامج سري ومستقل لتخصيب اليورانيوم، لكن البرنامج الجديد – الذي اقتضى توزيعه على عدة منشآت تحت الارض – احتاج الى ميزانية أكثر بـ 15 ضعف من برنامج مفاعل اوزراك. منذ 1981 حتى 1987 تركزت جهود العراق في مجال البحث والتطوير، وبين 1987 – 1990 اشتغل العراقيون في المرحلة العملية على تطوير السلاح. هذا البرنامج تم وقفه في اعقاب غزو قوات التحالف للكويت والعراق في حرب الخليج الاولى.
في 1998 أعطى الرئيس بيل كلينتون أوامره لتنفيذ عملية "ثعلب الصحراء" لقصف العراق بعد أن رفض قرار مجلس الامن تمكين مفتشين امريكيين للتأكد من أن العراق لا ينتج سلاح الابادة الجماعية. الهدف الرئيس للعملية الامريكية كان واضحا: تقليص قدرة العراق على انتاج سلاح الابادة الجماعية واستخدامه. هذه العملية فتحت الطريق لحرب الخليج الثانية، لغزو القوات الامريكية للعراق في فترة ادارة بوش الابن، الامر الذي ادى الى سقوط نظام صدام حسين.
إن الادعاءات بأن العراق اليوم اكثر خطرا، وأن تنظيم الدولة الاسلامية تطور مباشرة بسبب الغزو الامريكي للعراق، هي ادعاءات مغلوطة. لا يوجد للعراق رغبة أو امكانية لانتاج السلاح النووي وخصوصا سلاح الابادة الجماعية. لهذا هو لا يشكل تهديدا على اسرائيل. هذا الانجاز يُمكن اسرائيل من توفير مواردها الامنية وأن تخصصها لمناطق اكثر اشتعالا.
ثانيا، تنظيم الدولة الاسلامية هو نتاج لعناصر كثيرة، وليس نتاجا مباشرا للتدخل الامريكي. يمكن أن هذا التنظيم لم يكن سيخلق ايضا بعد الاحتلال، لو أن الولايات المتحدة كانت اكثر حكمة. من المعقول الافتراض بأن بقاء القوات الامريكية في العراق لفترة اخرى وتأهيل افضل للادارة المركزية العراقية، بدلا من الانسحاب المبكر وترك المنطقة، كان من شأنها أن توقف محاولة انشاء هذا التنظيم منذ البداية.
ايضا الفرض الامريكي الغربي بشأن اشراك اوساط مدنية في السلطة المركزية العراقية بحيث تمثل اكثر سكان العراق، كان بامكانه منع التوتر الطائفي الذي نشأ بين السلطة المركزية الشيعية برعاية ايران وبين السنة الذين تم قمعهم بقسوة بعد سقوط صدام – الامر الذي ساعد على خلق هذا التنظيم.
إن الدعوة من جانب اوساط اسرائيلية، في حينه، للتدخل بما يجري في العراق وتجسيد التدخل الامريكي، رفعت عن دولة اسرائيل تهديدا مهما وحقيقيا. يجب العمل على مواجهة ايران بنفس الطريقة وأن نجبرها على التنازل عن مشروعها النووي بكل ثمن.


