غزة – أشرف الهور - قد يدخل الخلاف الداخلي الذي تعيشه قواعد حركة فتح في قطاع غزة، منحى جديدا وخطيرا، وذلك في ظل استفحال الاستقطاب بين ما يعرف بـ»تيار الشرعية»، وهم كوادر وأعضاء الحركة من الموالين للرئيس محمود عباس، وينفذون أوامر الحركة، وبين الموالين للنائب محمد دحلان، الذين أقصي العشرات منهم قبل أيام من عملهم، وهو ما كرس من خلال اعتداءات وهجمات طالت قيادات الحركة، ومؤسسات منظمة التحرير، اتهم في بعض الأحيان الطرف الأخير بتنفيذها، ولا تزال التحقيقات جارية.
فعلى مدار أيام الأسبوع الماضي، شهد قطاع غزة اعتداءات عدة غير مسبوقة، تمثلت في عمليات حرق لسيارات مسؤولين في حركة فتح في غزة، بالتزامن مع تحطيم ممتلكات أخرى كان أحدها في وضح النهار، من قبل مجهولين يضعون قناعا على وجوههم. كل ذلك جاء بعد أن هاجم أنصار دحلان مؤتمرا لأطباء حركة فتح، تخلله تحطيم محتويات مكان الاجتماع، والاعتداء على اثنين من قادة حركة فتح، قبل أن يتوجها إلى مقر مؤسسة أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير، وتحطيم محتوياتها.
المهاجمون كانوا من ضمن المجموعة التي تنتمي لأجهزة عسكرية، وجرى طردها من الخدمة بموافقة الرئيس عباس، بناء على توصية من لجنة ضباط أمنية، اتهمتهم بمخالفة أوامر الشرعية، والمشاركة في فعاليات ضد القيادة، وهي مؤتمر ومسيرة عقدتا في مدينة غزة، هتف المشاركون فيها ضد الرئيس، ومدحوا النائب دحلان المفصول من الحركة.
ثورة غضب من طردوا من الخدمة العسكرية، وأوقفت رواتبهم برزت من اللحظة الأولى، من خلال مؤتمر صحافي، جرى خلاله تحميل السلطة المسؤولية عن الأمر، واعتباره «غير قانوني»، ومطالبات للرئيس بالعدول عنه، وحمل كذلك تأكيدات على استمرارهم في الحراك وبخطوات متصاعدة.
تلا ذلك بيان وقع باسم المفصولين، حمل تهديدا لكوادر من الحركة بأسمائهم، واتهمهم بالمساهمة بقطع رواتبهم، من خلال تقارير أرسلت إلى اللجنة الأمنية، فما كان من حركة فتح في قطاع غزة في خضم هذه التطورات إلا أن أصدرت تعميما على كوادرها وأعضائها، يعلن وقفا كاملا لأنشطتها في القطاع، خاصة الأنشطة الانتخابية، خشية من تصاعد وتيرة الخلاف، والوصول إلى نتائج لم تكن في الحسبان، أبرزها تفجر قتال بين أنصار الحركة والموالين لدحلان، في القطاع الخاضع أمنيا لسيطرة حركة حماس، إذ صدر بعد ذلك بيان باسم «حماة الشرعية» وهم المعروفون بموالاتهم للرئيس عباس، البيان لم تؤكده فتح، غير أنه حمل تهديدات بـ»تصفية» قيادات تيار دحلان، وقد وضعوا قائمة مطولة بأسمائهم، كان بينها أسماء أبرز مقربي دحلان، وبعضهم يقيم خارج المناطق الفلسطينية.
البيان الذي وزع في قطاع غزة حمل تهديدا ضد ما أسماها «العصابات الدحلانية» باستخدام «لغة الحراب وكسر الجماجم»، حيث أكدت هذه المجموعة الموالية للرئيس حسب بيانها البدء بـ «الرد الفوري بكل قوة على كل التجاوزات والاعتداءات والجرائم الدحلانية».
وأكدوا أنهم سيلاحقون «رؤوس ورموز الحراك الفتحاوي الدحلاني الخياني بالداخل والخارج المسؤولين عن الاعتداء على القيادات والمؤسسات الفتحاوية».
لكن في قطاع غزة الذي كان ساحة للعراك والأحداث المخلة بالأمن، التزم تنظيم فتح الرسمي الهدوء وتجنب التصعيد، حتى في بياناته، وكذلك الأمر مع الموقف الرسمي للحركة في البيانات التي صدرت في التعقيب على الحوادث. فمثلا القيادي في الحركة فضل عرندس، وهو عضو في الهيئة القيادية التي تشرف على إدارة فتح في القطاع، وأحد من تعرضوا للاعتداء من قبل أنصار دحلان، خلال مؤتمر الأطباء، صفح عن المنفذين، غير أنه في الوقت ذاته أكد أن ما حدث وما يحدث في قطاع غزة من اعتداءات يخالف كل القوانين والأعراف التنظيمية، وقال لـ «القدس العربي» وإن هناك أطرا حركية من خلالها يمكن التوجه لحل أي خلاف تنظيمي، وإن قيادة الحركة قبل تفجر موجة الاعتداءات، خاطبت الرئيس عباس واللجنة المركزية بضرورة العودة عن قرار الفصل، وإعادة من أوقفت رواتبهم للعمل.
وقد نفى محمود حسين أبرز قادة ما يعرف في قطاع غزة بـ»الحراك الفتحاوي» وهم مجموعة النشطاء الفتحاويين المقربين من دحلان، أن يكون لهم علاقة بما يحدث في ساحة غزة من عمليات اعتداء بالضرب أو حرق عربات لنشطاء من فتح، وقال في تصريحات لـ «القدس العربي» إن ما يحدث أعمال «مدانة وجبانة».
ويؤكد أنهم أيضا ضد أي عمل تخريبي، وأن نشاطاتهم الاحتجاجية ضد قطع راتب الموظفين تسير بعيدا عن سياسة التخريب، وأنها تنتهج الاحتجاج الهادئ.
واتهم جهات تقوم في هذه الأوقات بالعمل على «خلط الأوراق»، كونها معنية بما يحدث، وأشار إلى الظلم الذي قال إنه وقع على من قطعت رواتبهم، وتحدث عن اتصالات أجريت بالهيئة القيادية لحركة فتح في غزة لبيان ما يجري، وقد قال إن لديهم معلومات عن من يقف وراء ذلك، وأنهم تقدموا بشكوى لقيادة الحركة ضد الفاعلين.
وتتناقل تقارير في هذه الأوقات أن هناك وعودا لحل قضية العسكريين المقطوعة رواتبهم، من خلال وضع ثلاثة سيناريوهات، لكن أيا من هذه التقارير التي ذكرت أن الأمر نوقش في الاجتماع الأخير للجنة المركزية لم يؤكد بشكل رسمي، وهناك خشية من أن يطال الأمر أشخاصا آخرين الشهر المقبل، كما يقول أنصار دحلان.
لكن وحتى لو حلت القضية، فإن ما حدث وما شهدته أروقة فتح خاصة في قطاع غزة، يؤكد أن هناك شرخا كبيرا حدث بين أطر الحركة الرسمية، وبين أنصار دحلان، ما يشير إلى أن هذا الأمر لا يمكن إنهاؤه، وأن الأمر مرشح لإظهار خلافات أكبر مستقبلا إذا ما دامت الأمور على هذه الشاكلة.
لكن حركة فتح التي يشهد قطاع غزة على خلافاتها الداخلية تمثلت في أحداث الحرق والتدمير والاعتداء بالضرب، لم تغفل من توجيه أصابع الاتهام لخصمها حركة حماس، التي تعيش هذه الأيام في تقارب كبير مع دحلان وأنصاره في قطاع غزة، خاصة بعد أن سمحت الحركة لهم بإقامة مسيرة ومؤتمر ضد الرئيس.
وحملت تصريحات قيادات فتحاوية كبيرة مثل عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية، ورئيس اللجنة التي أقصت في وقت سابق دحلان من عضوية الحركة نهائيا، شيئا من التوعد لمخالفي القواعد الحركية، وقال في لقاء تلفزيوني أن كل من يخرج عن الانضباط والالتزام «يجب أن لا يكون له مكان في صفوف فتح»، موجها الحديث لأنصار دحلان، وطالبهم في الوقت ذاته، وهو يدعو لإعادة الهدوء، إلى عدم قطع جذورهم من حركة فتح بـ»الوقوع في فخ حماس»، فهو اتهم الحركة باللعب على وتر الخلاف، وتقوية طرف على آخر.
قبل ذلك اتهمت فتح خصمها السياسي حماس، بأنها «خططت وعملت على زرع بذور الفتنة»، فالناطق باسم الحركة أسامة القواسمي قال إن حركة حماس خططت وعملت على زرع بذور الفتنة بين أبناء حركة فتح في القطاع، لكنه قال إنها «لن تنجح في ذلك بالمطلق»، واتهمها كذلك بأنها تريد أن ترى أبناء فتح منقسمين، متقاتلين فيما بينهم، وهي من يقوم بمعظم الاعتداءات على أبناء الحركة وتسهل عمليات أخرى.
وقال إن لدى فتح معلومات بمخطط حماس ونيتها الاعتداء على أبناء الحركة وتحميل التهم إلى أشخاص ما هنا وهناك، بهدف إذكاء الفتنة بين أبناء فتح والشعب الفلسطيني.
حركة حماس في غزة ستكون أكبر الرابحين إذا ما استمر الخلاف داخل أطر خصمها فتح، فالحركة عقبت على البيان الصادر عن حركة فتح بعنوان «مجموعات حماة الشرعية ضد العصابات الدحلانية» والذي يتضمن اقراراً بأن التجاوزات الأمنية الأخيرة في غزة تمت في سياق «الصراعات الداخلية على خلفية انتخابات فتح».
والناطق باسم حماس سامي أبو زهري حمل حركة فتح المسؤولية الكاملة عن التجاوزات الأمنية في غزة ودعاها إلى «وقف تصدير مشاكلها الداخلية إلى الشارع الفلسطيني»، وطالب أجهزة الأمن بوقف محاولات حركة فتح لإثارة الفوضى في البلد.
وسبق ذلك نفي صلاح البردويل القيادي في حركة حماس أن يكون لحركته أي دور في الخلافات القائمة بين أنصار الرئيس عباس وأنصار دحلان في غزة، ونفى أن يكون لحماس أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بخلافات حركة فتح الداخلية.
على العموم فإن الخلاف في غزة بين حركة فتح وأنصارها وكوادرها، وبين أنصار دحلان قد يطول، وكذلك قد يشهد تطورات دراماتيكية أخرى، فلا أحد يعرف ما ستؤول إليه الأمور، إذ أن نشطاء في الحركة يتحدثون عن أشكال بديلة موازية تشكل في مناطق غزة، تهدف لمنافسة أطر الحركة الرسمية في العمل.


