حتى يوم الاحد الماضي كان السؤال الالكثر الحاجاً في الشمال هو:ما هو ارتفاع الثلج في جبل الشيخ، والان وبعد الحادث الصعب الذي حصل بالامس فان السؤال هو: لماذا ينسب الينا الاعتداء على رجال حزب الله في الجولان قبل شهر ونصف من الانتخابات؟ ومن خدمت تلك العملية؟ جيش الدفاع والحكومة مقتنعون ان مسالة من الذي بدأ ولماذا ستمحى من ذاكرة الجمهور كالعادة. فهي ذاكرة ضحلة تعرف كيف تنسى احداث غزة قبل ان يجف التراب على قبور الضحايا. ان من يعتقد ان المراسلين العسكريين سيردون على هذه الاسئلة لايعرف ما هو المراسل العسكري. من لا يعرف كبف يحقق ويفحص لماذا قتل 70 جنديا في غزة لن يحقق ويبحث لماذا قتل عشرة عرب في سوريا. ان المراسل العسكري ليس موضوعيا مثل المراسل الجنائي او المراسل الاقتصادي. المراسل العسكري يمثل الجيش لدينا، ولا يمثلنا لدى الجيش. فانا لست مدينا لكم بشيء كما يقول، فان كنت انا ملزما لاحد بشيئ فهو الامن فقط.
الامن هو الاله العلماني لجنرالاتنا، وله كهنة ومحللين، وباسمه تنفذ اشياء اسوأ من القتل في سوريا. الكهنة الكبار للامن يجلسون في هيئة الاركان، ولو جلس هناك ملائكة وليس رجالا يخططون لمستقبلهم بعد التقاعد لكان بامكاني الاعتقاد ان الدافع للعملية في سوريا كان مهنياً. فالجنرال في هيئة الاركان لا يختلف عن الخبير في المالية، فهذا يجهز وضعة للرد وهذا يجهز وضعه لبينت، والمراسل العسكري يعرف ان الوظيفة الكبيرة في الجيش هي خشبة القفز الى الحياة السياسية، وللتأسيس الاقتصادي. وفي الطريق الى السياسة والاعمال يقف الجنرال عند السياسي وملك المال. وكل خبير في المالية يعرف ما يريد منه رجل المال حتى بدون ان يسال. وكل خبير في الجيش يعرف ماذا يريد السياسي. المراسل العسكري لا يسال عن العلاقة بين الجنرال والسياسي. وبين كل منهما والانتخابات. لا يجب ان يسأل الحكومة ان كان مهماً تصفية عدة عرب في الطريق الى عملية في مكان ينشغل به الناس في نقل اموال غير قانونية. ليس صدفة انه في السنوات الاخيره كانت هناك 4 عمليات عسكرية قبل وقت قصير من الانتخابات.
المراسل العسكري يعرف ويصمت، وان صمته لا يخفي اي شيء عن حزب الله، الذي لا ينتظر تحليلاته، فهو يخفي المعلومات عنا فقط. فهو لا يعمل معنا، بل لدى الجنرال، والجنرال لا ينسى للحظة اليوم التالي. وهو يعرف ان قواعد اللعبة في اليوم التالي ستكون مختلفة جداً. وهنا لا يوجد مراسلون عسكريون اخلاقيون. بل صحفيون متطفلون. اننا نعرف كم من المال سرقت كتيبة الاستيطان من اموال الجمهور، ولكن ليس لماذا بالذات قتل اعضاء حزب الله في هذه الايام. ان مراسلنا العسكري يستطيع دائماً الظهور في التلفزيون ليقول انهم كانوا في طريقهم لتنفيذ عملية، هيا نشعل المنطقة، يقولون لأنفسهم، وبعد ذلك ندعو مراسلنا ليلفق شيئا ما.
فأحد ما مسؤول عن العملية في سوريا. أحد ما، بخليط من الغباء والتبطل "أدى مهامه". وكأن مهامه منقطعة عن الواقع، وكأن ألف حكيم يمكنهم ان يخرجوا من البئر حجرا القى به غبي واحد. الجميع، الجيش، الصحافة والسياسيون شركاء في التشويش. فهم يأملون في أن يأتي يوم ليربطوا فيه "الأمن" باحتياجاتهم. كما أني لا اصدق اسحق هرتسوغ المزايد. فهو واثق من أن اعتبارات الجنرالات، اي اعتبارات السياسيين على الطريق، كانت اعتبارات مهنية وليس سياسية. لقد نسي هرتسوغ بان الحكومة لا تعمل لدى الجنرالات بل هم الذين يعملون لديها. نسي ان الاعتبارات لمثل هذه العمليات هي دوما سياسية. والمسؤولية عن الامن تنتقل من السياسيين الى الجنرالات حسب الظروف: نحن ننفذ فقط سياستكم، يقول الجيش عندما يكون مريحا له. انتم المهنيون، يجيبهم السياسيون عندما يكون مريحا لهم. وهم ينقلون المسؤولية الواحد الى الآخر من فوق رؤوسنا مثلما في لعبة المعسكرات وبعد قليل سيقولون "أدينا مهامنا فقط". ان الجنرالات والسياسيين يتعاونون في الصمت وفي الغمز، والصحافة تسمع الصمت، ترى الغمز وتصرف نظرها جانبا. وهكذا يمنع عنا الحق الاساس في معرفة ما حصل في غزة قبل اربعة اشهر وما يحصل في الجولان الان.


