بيروت- أ ف ب: يؤشر التطرف الإسلامي المتنامي والانجذاب الغريب الى قضية الجهاديين من شريحة من الغربيين، الى الدور المركزي الذي تلعبه الديانات في الجغرافيا السياسية العالمية.
ويجمع المحللون والمتابعون على ان ثمار "الربيع العربي" الذي بدا واعدا بعد عقود من سيطرة الأنظمة التسلطية على دول عديدة في الشرق الأوسط، لا تزال ضعيفة جدا، ما أصاب بالإحباط شرائح واسعة من شعوبها. لا بل شهد العام 2014 تطورات غير متوقعة على رأسها إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف إقامة "دولة الخلافة" انطلاقا من سورية والعراق، والتهديد بمدها الى مناطق اخرى.
تضاف الى ذلك خيبات امل كبيرة ومزمنة لعل ابرزها المسألة الفلسطينية التي لم تجد حلا لها منذ العام 1948 لا بل شهدت "نكبات" عدة على مر الاعوام، والنمو الاقتصادي البطيء جدا في المنطقة والفساد المستشري الذي يزيده سوءا، وسقوط احلام القومية العربية... وساهمت كل هذه العوامل في بروز مشروع اسلامي يطرح نفسه على انه الحل.
ويقول رافائيل لوفيفر من مركز "كارنيغي" للابحاث في الشرق الاوسط الذي يتخذ من بيروت مقرا لوكالة فرانس برس "نقطة التحول الحقيقية حصلت لدى اجتياح العراق في 2003. "لقد اخرج هذا الاجتياح الى العلن مجددا الصراع الطائفي (بين سنة وشيعة)، وافسح المجال لتكون ايران لاعبا اساسيا في العالم العربي، وأثار شعورا بالضعف لدى السنة".
وأضاف "لا يمكن النظر الى الصعود السريع لجبهة النصرة والدولة الإسلامية والمجموعات السنية المتطرفة الاخرى الا في ضوء هذه الهشاشة" السنية، مشيرا الى انه مقابل هذه الهشاشة، هناك الثقل العسكري لحزب الله في لبنان وسوريا، و"قمع ثورة" افرادها بمعظمهم من السنة على ايدي نظام يسيطر عليه علويون، والاداء التمييزي على مستوى واسع ضد السنة في العراق من الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة.
في الوقت ذاته، لقي الصعود السريع للإسلام المتطرف أرضية ملائمة اوجدها فشل القومية العربية التي سعت الى تخطي الاديان لكنها تجسدت في انظمة دكتاتورية. تضاف الى ذلك سلسلة حروب فاشلة خاضها العرب ضد اسرائيل ووضع اقتصادي مزر تعاني منه الشعوب.
وتقول أستاذة علوم الأديان في جامعة القديس يوسف في بيروت نايلة طبارة "تسبب التوقيع على اتفاقات اوسلو (اتفاقات السلام الفلسطينية الاسرائيلية) بصدمة، اذ لم يعد القتال من اجل القضية الفلسطينية مبررا. لم تعد هناك قضية، فبات الاسلام المتطرف امرا جذابا".
ومن النتائج الكارثية للتطرف الاسلامي، تأثيره على الاقليات، لا سيما على وجود المسيحيين المتجذرين في الشرق منذ اكثر من الفي سنة. ومرة اخرى هذه السنة، حصل نزوح جماعي مع سقوط مدينة الموصل العراقية التي كان يعيش فيها الاف المسيحيين.
وتقول طبارة "الخوف يجتاح المسيحيين في لبنان وفي الدول المجاورة، ويدفعهم الى الهرب".
ويقول الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش ان 700 الى 800 الف مسيحي فروا من مصر وسوريا والعراق منذ العام 2011.
في هذا الوقت، تنامى التطرف الديني ايضا في اسرائيل والأراضي الفلسطينية.
ويقول المؤرخ الإسرائيلي زيف سترنهيل "هناك من دون شك تطرف وتشدد في المواقف"، معتبرا ان "الدين بات في خدمة قومية متشددة واخرى مستعمرة. وبات الدين والقومية يتماهيان".
وترى نايلة طبارة، المسؤولة في مؤسسة "اديان" التي تنشط في مجال التقارب والحوار بين الديانات، ان "الاسلام السياسي صادر القضية الفلسطينية عبر التركيز على الشعور بالظلم" الذي انتشر في الدول العربية والذي تسببت به "ليس اسرائيل فحسب، انما المجتمع الدولي ايضا".
غير ان اكثر ما يثير المخاوف في الغرب اليوم يكمن في قوة التأثير والجاذبية التي يمارسها هذا الإسلام المتطرف على مواطنين غربيين يعيشون في ظل انظمة ديموقراطية وينعمون بالحقوق.
وأشارت دراسة نشرت اخيرا الى ان حوالى 15 الف مقاتل اجنبي انضموا الى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، عشرون في المئة منهم غربيون.
ويقول الاختصاصي في علم النفس والانتروبولوجيا سكوت اتران لوكالة فرانس برس "هؤلاء الشبان يجدون في التنظيم ما تفتقر اليه مجتمعاتنا، الحماس المرتبط بالنضال من اجل قضية، ما يجعلهم يعتقدون ان سلطتهم لا حدود لها، وانهم يملكون سلطة الهية".
ويضيف الاستاذ في جامعة ميشيغن الأميركية "انها مغامرة. والشعور بالقدرة على تغيير العالم امر جذاب جدا".
وتقول طبارة "لا بد من إعطاء معنى للحياة. الناس يحتاجون الى مفهوم مقدس. هذا الأمر لم يعد موجودا في الغرب، فيذهبون للبحث عنه حيث يظنون انه موجود. هناك ايضا بحث عن عيش اخوي ضمن مجموعة. هذا ما يدفع الشبان الى الانضمام الى هذه الحركات".


