خبر : التطرف الإسلامي في الشرق على صورة الرأسمالية المتوحشة في الغرب في غياب التسوية التاريخية ..بقلم: حسين حجازي

السبت 27 سبتمبر 2014 09:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT



ان السياسة الدولية من منتصف القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا تجاه ما يسمى بالشرق الأوسط، ما برحت تتعامل مع هذا الشرق بوصفه امتدادا للمسألة الشرقية التي كانت في ذلك الوقت تركة الرجل المريض. لكن منذ محمد علي الكبير في مصر وثورة عرابي الذي كان اقرب في فطرته السياسية الى الفلاح ابن البلد منه الى جنرال محترف، مرورا بالحركة المهدية في السودان ووصولا الى جمال عبد الناصر وحزب البعث في سورية والعراق، والثورة الفلسطينية وحركة حماس وانتهاء بالقاعدة والدولة الإسلامية. فإن الغزو الذي يقترن بالحملات التأديبية والاحتلال كان في كل مرة يضع في بذرة هذا الغزو المقدمة لولادة الحرب القادمة من رحم الحرب التي تسبقها، وحيث الغرب لا يتعب او يمل وحيث الشرق لا يتوقف عن انجاب وولادة البرابرة اللاحقين الإرهابيين الإسلاميين، كما في الطبعة الأكثر حداثة.
من أين جاء كل هؤلاء أعداء النظام العالمي والذين لا يجب مفاوضتهم او التحدث معهم؟ وإنما محاربتهم بلا تردد او هوادة. قال باراك اوباما في خطابه أمام الأمم المتحدة قبل ان يترأس بنفسه اجتماعا بمجلس الأمن ويصادق هذا الأخير بالإجماع على استراتيجيته الحربية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية. لكن من أين يأتي برابرة هذا العصر يا باراك اوباما؟ نعم ليس من الدين الإسلامي، الإسلام بريء من هذا العنف وقطع الرؤوس وهذا صحيح، لكن او ليس إذا أخرجنا الدين من المسألة ألا يكون أمامنا والحالة هذه سوى البحث عن إخراج الشياطين والجان، والتي لم تستطع حتى خراف سيدنا المسيح في العهد القديم احتمال ان تسكنها، ففضلت الغرق في مياه النهر.
دعونا لحل هذا اللغز إشراك رجلين مستنيري الفكر كانا في وقت بعيد صاغا على نحو عبقري ما يمكن اعتباره المفتاح الذي يقودنا الى تحقيق هذا الفهم، ان عبد الله العروي المغربي هو أول من وضع هذه الخارطة الفكرية لفهم التراتيبية المتعاقبة للأيديولوجية العربية المعاصرة، في كتابه الشهير الذي اصدره العام 1965 في وقت مبكر، حينما كانت الأيديولوجية القومية في ذروتها وحركة فتح في السنة الأولى من ولادتها، وكانت الماركسية تصارع من اجل الفوز بتصدر العربة الأولى في المشهد، وفي مشهد لم يكن فيه الشيخ قادرا حتى مجرد الظهور أمام القومي والماركسي. انهم الرجال الثلاثة الذين سيتصدون لحمل الأمانة، الجواب على السؤال لماذا يتقدمون ولماذا نتأخر؟ القومي والتقني والشيخ.
وكانت الخلاصة التي توصل إليها العروي هي في انتظار الماركسي الذي لم يصل في واقع الأمر، وسيكون هو الغائب الأكبر بعد ان يخسر القومي والتقني السباق ويبرز الشيخ.
في بادئ الأمر كان هذا الشيخ قبل ما يربو على قرن من الزمان هو السلفي الوطني، الذي يحمل رسالة التنوير والنهضة، وهاكم رموز هذه السلفية التنويرية الذي يتزعمها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وعلال الفاسي وعبد الرحمن الكواكبي. لكنه في الموجة الثانية هو الشيخ حسن البنا بامتياز وحركته جماعة الإخوان المسلمين، تمتد من حسن البنا الى الشيخ احمد ياسين وحتى عرفات في وقت ما وراشد الغنوشي في تونس ومحمد مرسي في مصر ورجب طيب اردوغان في تركيا وآل ثاني حكام قطر، ولاحظوا هنا ان مصطلح النهضة الذي يطرحه الغنوشي في تونس ومحمد مرسي في مصر في موازاة العدالة والتنمية في تركيا، والحقيقة أنها حركة كسابقتها الأولى تروم الدخول في نظام الخصم، ولكن على غرار القومية من منطلق الندية، والتأكيد على الهوية الثقافية والخصوصية وهذا ما لا يقبله نظام الغرب.
يلاحظ ماركس ورفيقه انجلز في البيان الشيوعي ان الرأسمالية وهي تتجه الى غزو القارات والمحيطات لفتح أسواق جديد لبضاعتها، إنما تقوم في غضون هذه العملية التاريخية بإعادة تشكيل نظام العالم القديم، وأينما تتجه على صورتها بحيث تعيد قلب هذا العالم رأسا على عقب. ولكن لينين تلميذ ماركس هو الذي تحدث عن التحولات داخل النظام الرأسمالي نفسه في مرحلة متأخرة، حين لاحظ ان الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية.
لكن لينين الذي كتب كتابه الشهير الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، لم يعش الى عصرنا هذا في ذروة الأزمة الرأسمالية العام 2008، ليقف على حقيقة التحول الأخير نحو الوحشية، وان كان ماركس نفسه استخدم نفس المصطلح في كتابه رأس المال "الرأسمالية" المتوحشة او المنفلتة، وهذا هو أس الموضوع او جذر القضية.
ان الإسلام الراديكالي في طوره المتأخر موجته الثالثة، إنما هو النموذج الذي تعيد خلقه الرأسمالية المتوحشة والاستعمارية، وهنا الصورة متقاربة وموحدة الغرب الرأسمالي الاستعماري المتوحش ومولوده في المنطقة إسرائيل، والإسلام الذي يعود لنا مرتديا هذا الفلكلور، الذي هو مزيج بين اللكنة الانجليزية واللحية المطلقة وقطع الرؤوس.
إنها أيديولوجية لا تقبل التفاوض او المساومة مع هذا الغرب وكما قال باراك اوباما لا حوار معهم سوى الحرب والقتال، نعم أيضا يقولون نفس الشيء لا اعتراف او دخول في نظام الخصم. ان أسامة بن لادن والظواهري وابو مصعب الزرقاوي وابو بكر البغدادي، هم صنيعة الرأسمالية المتوحشة ومن يعملون ويعتقدون انهم حفارو قبرها على حد سواء. اذا كان مفتاح المشكلة يوجد في مكان آخر هو غياب مبدأ العدالة التاريخية عن هذا الحوار، الديالوج القديم على مدى مئة عام بين ممثلي السلفية التنويرية والقومي جمال عبد الناصر وصدام حسين وعرفات والإخواني "حماس" اليوم في غزة، وفي عموم المنطقة وبين الغرب الإمبريالي وحيث الأصولية الحقيقية هنا هي القاعدة واشتقاقاتها، في عودة الى استحضار التاريخ القديم في صدارة الإسلام، بإعادة طرح المسألة اما نحن واما هم.
وامام هذا الوضع المسدود فإن الشباب العربي يا باراك اوباما لا يجد امامه سوى واحد من الخيارين: اما ركوب قوارب الموت في عرض البحر للحاق بدولة الاستعمار التي نهبت ثروات البلاد، على أمل اللجوء إليها والتمتع بالخيرات وترف العيش فيها. وبهذه الطريقة يكون التعساء قد استرجعوا جزءا من مستحقاتهم التاريخية. او اللحاق بالتنظيمات المتطرفة المزدهرة هذه الأيام في الشرق، كالفطر لركوب الطائرات والانتحار الجماعي فوق برجي التجارة العالمي رمزية هذه الرأسمالية العالمية. وحيث لا تسوية تلوح في الأفق وانما حرب جديدة ومفتوحة على الزمن حتى مئة عام أخرى، فإن حرب اوباما الجديدة في المنطقة لا تفعل سوى إضافة مخزون جديد من الوقود ليجعل من واقع الحروب الدينية والمذهبية، والتي تجري أوارها بين الكل والكل، تعيد الى الأذهان كما لاحظ هنري كيسنجر الحروب الدينية الأوروبية في القرن السابع عشر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.