خبر : ليست جميعها صناعة أميركية ...بقلم: محمد ياغي

الجمعة 26 سبتمبر 2014 02:10 م / بتوقيت القدس +2GMT





في الوقت الذي كان فيه الرئيس أوباما يلقي كلمته في الأمم المتحدة معلنا استمرار حرب جورج بوش "على الإرهاب"، كان السيد حسن نصر الله في لبنان يلقي خطاباً في لبنان يقول فيه إن من يصنع الإرهاب ليس مؤهلاً لقيادة تحالف ضده. والحقيقية أن ما قاله السيد نصر الله لا يجافي الحقيقة تماماً حيث يمكن التوقف عند كل فقرة في خطاب الرئيس أوباما لاستحضار أدلة تثبت بأن الولايات المتحدة قد قامت بأعمال منافية لكل المبادئ التي ادعى أوباما وقوفه إلى جانبها.
يمكن القول مثلاً إن احتلال العراق وتدمير جيشه هو السبب المباشر لحالة الصراع الطائفي في العراق. الاحتلال للعراق هو الذي جلب تنظيم القاعدة لهذا البلد بعد ان تم تدمير الدولة وحل جيشها. وبحضور القاعدة بفكرها التكفيري وجرائمها تم استدعاء للطائفية بوصفها إحدى وسائل الحماية عندما تسقط الدولة.
بالمثل، يمكن القول أيضاً، إن الإصرار على إسقاط النظام السوري قبل أن تنضج شروط الثورة، وإغراق "الدولة" السورية بالدماء بفتح "الحدود" أمام الجماعات التكفيرية وتشجيع أفراد ووحدات من الجيش على الانشقاق، وتسليح المعارضة بجميع تشعباتها وإعطائها الشرعية هو الذي أوصل سورية الى ما تعانيه اليوم من حرب أهلية وسيطرة للجماعات "الإرهابية" على مساحات شاسعة منها. ربما لا تكون الولايات المتحدة السبب المباشر فيما يجري في سورية، لكنها على أقل تقدير وفرت الحماية السياسية لتصرفات حلفائها في هذا الملف وأيدتهم سياسياً ومالياً وعسكرياً في معظم القضايا التي طلبوها.
ويمكن الادعاء أيضاً، بأن دعم الولايات المتحدة لأنظمة الاستبداد منذ عشرات السنين هو الذي مكن هذه الأنظمة من الاستمرار في الحكم على الرغم من فسادها وقمعها لشعوبها وعلى الرغم أيضاً من أن بقاءها في السلطة كان العامل الأهم في ظهور الحركات الإرهابية في المنطقة. حتى عندما تمكنت الشعوب العربية في بعض الأقطار من الإطاحة بحكامهم المستبدين في ثورات تاريخية عظيمة، لم تسارع الولايات المتحدة لحماية المولود الجديد واكتفت بالتفرج عليه وهو يقتل من قبل الثورات المضادة.
في الشأن الفلسطيني حيث القضية العادلة المنسجمة كلياً - حتى في تفاصيلها الصغيرة - مع القانون الدولي، اختارت الولايات المتحدة الوقوف الى جانب الدولة المحتلة وحمايتها. عندما يقول أوباما إن ما يجري في سورية والعراق وليبيا يؤكد أن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ليس السبب وراء ما آل إليه العالم العربي من انقسام طائفي وظهور للحركات التكفيرية، فإنه كمن يقول: لا تركزوا على دعمنا لدولة الاحتلال لان لديكم مشاكل أخرى أهم من إسرائيل. هو لا ينفي عدالة القضية، ولا يخفي في نفس الوقت وقوف دولته إلى جانب إسرائيل، وهو على الأكثر "حزين" لأن "المزاج" العام في إسرائيل ضد حل الدولتين. لكن هذا لا يغير من حقيقة أن دولته تقف سداً منيعاً رافضاً لأي حل منسجم مع القانون الدولي الذي يدعو أوباما لاحترامه.
الأدلة التي تؤكد قيام الولايات المتحدة بأعمال تناقض ما يدعو إليه الرئيس أوباما أكبر من أن تغطيها بضع كلمات تصالحية من نوع رفض "صراع الحضارات"، و"عظمة الإسلام"، وأن الدول الغربية في تاريخها قد عاشت مأساة مشابهة لما يجري اليوم في العالم العربي. وهذه الأدلة بالتأكيد هي التي تُجرد خطاب أوباما من الأرضية الأخلاقية التي يدعي الاستناد إليها في الدعوة للحرب على داعش والنصرة.
لكن القول إن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية، ليس مثل القول إن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن الكوارث التي لحقت بالعالم العربي. مثل جميع الدول "الكبيرة والصغيرة"، أميركا تصرفت بما يخدم مصالحها كما تُعرفها "هي"، وليس كما نُعرفها "نحن" أو كما نريد لهذه المصالح أن تكون دعم حقوق وكرامة الإنسان، مساندة الديمقراطية والوقوف ضد أنظمة الاستبداد، فرض القانون الدولي على إسرائيل. اللائحة التي نرغب بأن تدعمها أميركا بالتأكيد تطول، لكن وظيفة الدولة في سياساتها الخارجية ليست الانتصار للقيم العالمية على حساب مصالحها هي ولكن حماية هذه المصالح.
أميركا لم تصنع أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية، لكنها تعاملت معها لحماية مصالحها. أنظمة الاستبداد هي وليدة بنية المجتمعات العربية الداخلية. لم تولد أحزاب ديمقراطية في العالم العربي منذ استقلالها، والمعارضة لأنظمة الاستبداد لم تكن أفضل من الأنظمة التي كانت تحاربها. الإخوان المسلمين والشيوعيون حتى نهاية القرن الماضي، لم يصارعوا أنظمة الحكم من أجل تأسيس نظم ديمقراطية، ولكن لفرض نظم استبدادية بديلة.
أميركا لم تكن المسؤولة عن إلغاء القذافي للدولة في ليبيا، ولم تكن المسؤولة عن حرب صدام حسين على إيران والكويت، وهي ليست مسؤولة عن الصراعات الأهلية في السودان، واليمن، والجزائر. وهي أيضاً ليست مسؤولة عن احتكار عائلة الأسد للحكم في سورية، ولا عن احتكار مشايخ دول الخليج لثروات بلادهم.
أميركا لم تفرض على "الليبراليين" العرب وعلى "الإخوان المسلمين" تدمير أول تجربة ديمقراطية حقيقية في بلادهم. هذا كان خيارهم هم. وقوف "الليبراليين" مع "العسكر" في مواجهة وقوف "الإخوان" مع السلفيين، كان خيار "محلي" بامتياز لا علاقة لأميركا به.
أميركا لم تدعم "طائفية" المالكي في العراق، ولا طائفية "آل خليفة" في البحرين، وليست هي المسؤولة عن حرمان قطاعات واسعة من الشعوب العربية من حقوقهم السياسية ولكنها كانت جميعها خيارات داخلية.
وأميركا لم تحرم العرب حقهم في القتال لاستعادة الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967. صحيح أنها وفرت الدعم العسكري لإسرائيل لكن هذا الدعم لا يكفي لصناعة انتصار دائم. السادات هو الذي اختار الذهاب الى سلام منفرد مع إسرائيل. الولايات المتحدة، شجعته وفرت إغراءات كافية له للقيام بذلك، لكن في نهاية المطاف كامب ديفيد كان خيار النظام المصري أياً كان سلوك أميركا. النظام السوري هو الذي قرر أن استعادة الجولان يعتمد على التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل، رافضاً أن يخوض حرب استنزاف لاستعادة أرضه خشية من دفع ثمن لا يرغب بدفعه. لكن عندما تعلقت المسألة بالصراع الداخلي على السلطة، لم يكترث النظام بأي ثمن وقرر خوض الحرب مع خصومه حتى لو كانت النتيجة تدمير الدولة وتهجير نصف شعبها. وأميركا لم تفرض أوسلو على منظمة التحرير، وهي لم تعلم به بتفاصيل الحوار بين المنظمة وإسرائيل إلا عندما أصبح الاتفاق جاهزاً للتوقيع. أميركا دعمت وتدعم إسرائيل، لكن ليست أميركا هي من جعل إسرائيل تنتصر في حروبها، ولكنه غياب التصميم والإرادة لدى أصحاب الحق في استرداده. وحزب الله قدم المثال على ذلك بتحريره للجنوب اللبناني في ظل الدعم الأميركي لإسرائيل.
ليست أميركا من وفر القنوات الفضائية للجماعات التكفيرية وليست أميركا من يقود حملة التبرعات لها في دول النفط العربي ولا هي من يوفر المساجد لهذه الجماعات للقيام بالدعوة للتكفير والكراهية والموت، ولكنها الأنظمة العربية المستبدة التي لا تكترث بمصائر شعوبها. أميركا استغلت هؤلاء في صراعها مع الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة، لكنهم ليسوا نتاجاً لسياساتها. هم نتاج "التخلف" و"القمع" وتوظيف مقدرات الشعوب العربية في غير مكانها، الذي فرضته أنظمة الاستبداد على شعوبها.
نصر الله صادق عندما يقول إن أميركا ليست في موقع أخلاقي يمكنها من قيادة حرب على الإرهاب، لكن أميركا ليست مسؤولة أيضاً عن الكوارث الحالية في المنطقة العربية. بالكثير، أميركا اليوم، كما كانت بالأمس، تسعى لحماية مصالحها، في منطقة لم يصل أبناؤها فيها بعد، إلى مرحلة يتصالحون فيها مع أنفسهم ومع مصالحهم.