خبر : مصالحة وطنية شاملة ... أو انقسام للأبد !! ...بقلم: د. جميل مجدي

الخميس 25 سبتمبر 2014 08:52 ص / بتوقيت القدس +2GMT





تتزايد تساؤلات المواطنين عن ماهية اتفاق المصالحة الشامل الذي جرى توقيعه في مخيم الشاطئ قبل نحو خمسة أشهر من الان، وتتأرجح التحليلات بين يائس بقناعة أن الفجوة بين الفرقاء لا يمكن ردمها باتفاق مكتوب، ومتفائل يحلل بأمانيه لا بسيف التقدير المبني على المعطيات، وبين الفريقين آلاف من الذي شردتهم الحرب الأخيرة على غزة، هؤلاء الذين يعرفون تمام المعرفة أن فرصة إعادة بناء بيوتهم وترميم حياتهم التي هزتها الحرب بقوة رهينة بهكذا اتفاق، وبالتالي يزداد وقع ضربات قلوبهم كلما خرج أحد الفريقين ليتحدث عن عمق الهوة التي لا يمكن الجسر عليها بين المواقف، وهنا ينبغي على الساسة والناطقين الإعلاميين أن يعرفوا أنهم ربما يكونوا ذات يوم قادرين على إعادة بناء مسكن، لكنهم بالحتم لن يتمكنوا من إعادة بناء قلوب حطمتها لغة الانقسام البغيض.

واجهت حكومة الوفاق الوطني منذ لحظة تشكيلها عقبات كثيرة، وبدت منذ أسبوعها الأول وكأنها عاجزة عن تفسير نصوص اتفاق القاهرة الذي أكد عليه اتفاق الشاطئ، فقد استعدت (وفق قراءة حركة فتح) لاستقبال موظفيها الذين طلبت إليهم الرئاسة الفلسطينية ومجلس وزرائها الذي تشكل بعد الانقسام أن يمكثوا في بيوتهم إلى حين انتهاء الانقسام وأن تنظر اللجنة الإدارية في فرص "تثبيت" من أصبحوا موظفين بعد الرابع عشر من حزيران يونيو عام 2014، وكان عليها أن تستعد (وفق قراءة حركة حماس) لدفع رواتب آلاف الموظفين المدنيين والعسكريين الذين عينتهم الحكومة في غزة زمن الانقسام وأن ينتظر الموظفين الذين سبقوهم قرارات اللجنة الإدارية للبت في عودتهم إلى العمل من عدمه، أزمة البنوك واغلاقها، كانت هذه هي العقبة الأولى التي واجهت حكومة الوفاق الوطني وأول التراشقات الإعلامية التي ما فتئت تقض مضجع المصالحة عندما بدأ الحديث بقوة عن وجود "حكومة ظل" في قطاع غزة لا ترغب وليس لديها الاستعداد لتنفيذ قرارات حكومة الوفاق الوطني، فهل ستتجاوز حكومة الوفاق الأزمة هذه المرة لإكمال طريق المصالحة، أم ستتجه الأمور للأسوأ ومن الذي سيدفع الثمن؟

قناعتنا أنه لا يوجد هامش أمام أحد للعودة إلى الخلف بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني، لكن المؤكد أن ألغاماً ما تزال تقف أمام من يتحرك باتجاه المصالحة الشاملة، والمؤكد هنا أن قطاع غزة سيكون هو الخاسر الأكبر جراء تداعي أو انهيار المصالحة، لأن حكومة الوفاق بالأساس هي حكومة "متممة" لحكومة الدكتور رامي الحمد لله في الضفة الغربية، والمؤكد هنا أن فرص فك الحصار وبدء مسيرة الاعمار والخروج من النفق المظلم الذي يعيشه سكان القطاع رهينة بانتهاء الانقسام بشكل تام وأبدي أو الدخول في نفق أشد ظلمة وعتمة.

لا يوجد خيارات كبيرة أمام من يحكم قطاع غزة بحكم "الأمر الواقع"، فمن الصعب تشكيل حكومة لقطاع غزة بلا موارد، وغير قادرة على حل الأزمات، وتواجه عداءً اقليمياً من دول الجوار، وتواجع صعوبات في توفير المياه والكهرباء وفتح المعابر الحدودية والتجارية، ولديها جيش من الموظفين المدنيين والعسكريين غير قادرة على توفير متطلبات العيش الكريم لهم، وفي المقابل لا يمكن لحركة فتح أن تدعي شمول قطاع غزة في ولاية السلطة الوطنية أو الدولة الفلسطينية إن بقي أهل غزة خارج الحسابات فيما يتعلق بتوزيع الموارد وترتيب أولويات التنمية، وحكومة لدكتور الحمد لله عندما أعلنت قطاع غزة منطقة منكوبة كانت تعي تماماً ما يترتب على هذه التسمية من استحقاقات، وأهل قطاع غزة ينتظرون منه أن يحدد أدواته وخياراته ووسائله من أجل تكريس الاصطلاح ضمن سياسات وبرامج الحكومة، وهو بطبيعة الحال ينتظر توفر الموارد اللازمة للبدء في الاصلاحات المأمولة، لكن هذا لم يمنعه من توفير الحد الأدنى من الموارد من أجل تخفيف معاناة الناس، وما كان عليه أن ينتظر وكالة الغوث أو المنظمات الدولية لتسبقه في ترتيب آلية انتظام عجلة الاعمار في غزة.

يقف المتحاورون اليوم في القاهرة على عتبة تحدي كبير، يمس المستقبل الفلسطيني كله، ويتوجب عليهم أن يؤسسوا لفكر سياسي فلسطيني جديد، يقوم على أساس الشراكة التامة، وأن يُقر كل طرف للطرف الآخر بأنه لا يقل وطنية عنه، وأن اختلاف أساليبهم لا يعني أن مسارهم الوطني مغلوط أو فيه شبهة مساومة على الحقوق والثوابت، ويتوجب عليهم أن يعرفوا أنهم إن عادوا من القاهرة بخفي حنين، فإن هناك تاريخ لن يرحمهم وأن هناك شعب ذاقت به الأرض وينتظر الفرج والخلاص، وأن هناك أطفال بلا مأوى لو دخل عليهم فصل الشتاء وهم في مراكز الإيواء فإن حجم الكراهية والسخط والبغض لكل من هو سياسي على أرض وطن سيتضاعف مرات كثيرة، وأن آلام الناس كبيرة وينوء بحملها فصيل واحد مهما كانت "عظمته"، وأن البديل عن استراتيجية وطنية فلسطينية واحدة في مواجهة العواصف القادمة هو سنوات أخرى من الضياع وفقدان البوصلة وانهيار الأفق وتداعي الأحلام، فهل يملك أي فريق أن يخرج بكل شجاعة ويقول أنه قادر على مواجهة كل هذا وحده، وإن امتلك شجاعة القول أن الأمر يتطلب شراكة من المجموع الوطني، فهل يملك ذات الجرأة ليظل في القاهرة حتى يعود لنا بما يغيث عطش المحرومين؟!

باحث في الشؤون الفلسطينية