إن النقاش العام في اسرائيل حول اختطاف الفتيان الثلاثة وقتلهم نقاش مهم. ويُقال في فضل المجتمع الاسرائيلي إنه يجريه بانفتاح وصدق. في هذه اللحظة القاسية التي يهدد فيها الألم والغضب الرهيب لموت أبرياء باسكات صوت العقل، ينبغي أن نعود ونقول المفهوم من تلقاء نفسه وهو أن الزعامة ذات المسؤولية لا يحركها الباعث الشعوري، المفهوم والطبيعي، الى الانتقام. بل يفترض أن تعمل عن تقدير للامور يرمي الى الاهتمام بمصالح المجتمع في اسرائيل في الأمد البعيد وألا تعرض المستقبل للخطر من اجل إرضاء المشاعر المباشرة.
إن هدف الارهابي، وينبغي أن نتذكر هذا، هو أن يستخدم الجانب المتضرر بطريقة تدفع بأموره قدما. ولا تستطيع العملية النقطية التي يقوم بها أن تحسم المعركة أبدا. ويريد الارهاب أن يفرض على ضحاياه أن يعملوا بخلاف مصالحهم. لا شك في أن المتطرفين في الجانب الفلسطيني لهم مصلحة عميقة في التصعيد العسكري واستعمال غير مراقب للعنف. وكل استخدام كهذا للقوة يضر بأبرياء من الطرف الآخر ويشجعهم على الانضمام للمتطرفين.
إن العنف يُضعف دائما المعتدلين. والدم المسفوك يتكلم ثلاث لغات العبرية والعربية والموت، ولا يحل أن تعمل دولة اسرائيل في مصلحة الارهابيين.
لم يخدم قتل الفتيان أمور المتطرفين، فقد رأوه من جانبهم ايضا عملا محرجا ولا حاجة اليه ومرفوضا اخلاقيا. وأضعفت هذه العملية التي يُشك كثيرا في أن تكون تمت بأمر من قيادة حماس، أضعفت المنظمة التي تعاني على هذه الحال ايضا تضعضع مكانتها كثيرا. ولا يمكن أن نفهم الاقتراب من السلطة دون أن نأخذ في الحسبان تخلي مصر القاطع عنها، والاحداث في سوريا والعراق التي جعلتها وجعلت الخطابة الاسلامية التي تستعملها مُريبتين.
إن اشتعالا محليا يُظهر على شاشات التلفاز في العالم بيوت الفلسطينيين المهدومة، والضحايا المدنيين، والمأساة التي تأتي على أثر عملية عنف كثيفة. ويثير نقدا لاسرائيل، بعضه حق وبعضه غير حق ويقوي حماس في لحظة اصبحت فيها اضعف مما كانت دائما.
ما الذي يقوي المتطرفين ايضا؟ يقويهم انشاء مستوطنة اخرى ردا على القتل، فلا صلة ألبتة بين هذا القرار واعمال الارهابيين. وهذا استغلال ساخر للمأساة للدفع قدما بمصالح سياسية سافرة. إن الجواب "الصهيوني" لليمين الاسرائيلي عن كل سؤال هو دائما انشاء مستوطنة اخرى. ولا يُرضي هذا "الجواب" سوى المستوطنين. إن مستوطنة جديدة في يهودا والسامرة لن تخدم دولة اسرائيل بل ستضر بها.
إن توسيع الاستيطان واستخدام العنف على نحو غير منضبط خرقة حمراء لا في نظر المتطرفين في الجانب الفلسطيني فقط بل في نظر المجتمع الفلسطيني كله مع المعتدلين فيه. واذا أردنا أن نقول الحقيقة قلنا إنه كذلك في نظر الاكثرية الغالبة من دول العالم. وفي اسرائيل فقط يوجد من يظنون أن انشاء مستوطنة اخرى هو رد مناسب على الارهاب.
إن هذا القرار سيثير انتقادا عاما يصرف الانتباه عن فعل الارهابيين الآثم ويعرض اسرائيل على أنها دولة تستخدم كل ذريعة لتدفع قدما بأجندة استيطانها. ويقوي المتطرفين من الجانبين ويضعف الباقين جميعا.
وينبغي أن نقول آخر الامر إن عمل الارهابيين الفلسطينيين القذر لا يغير في هذه اللحظات ايضا قيد أنملة حقيقة أن دولة اسرائيل تمنع منذ عقود السكان الموجودين في المناطق المحتلة من حقوق المواطنة وحقوق الانسان وتستعمل عليهم قمعا عنيفا وتعسفيا. وإن منع هذه الحقوق لا يسوغ الارهاب لكن الارهاب لا يُبطلها.
إن مكانة اسرائيل الامنية والسياسية والاخلاقية معلقة في المدى البعيد برفع هذا الظلم الذي ما زال موجودا منذ سنين طويلة. إن الارهاب مهما يكن قبيحا لن يجعل دولة اسرائيل تنهار لكن استمرار الاحتلال سيفعل ذلك.


