حينما سأل محققو "الشباك" زياد عوض لماذا خرج ليقتل في وضح النهار – لأن أكثر عمليات اطلاق النار على الشوارع في المناطق تتم في الليل لتسهيل الفرار – أجاب بلا تردد: أردت أن أرى من الذي أطلق النار عليه، وأن أكون متأكدا أن الحديث عن يهود. وقال عوض لابنه الذي اعتقل معه إن قتل اليهود يجعله يحظى ببطاقة دخول للجنة. ويتبين أن المقدم باروخ مزراحي وأبناء عائلته بدوا يهودا بقدر كاف لمجنون أصولي بحث لنفسه عن راحة في جنة عدن.
فجر عوض – الذي أفرج عنه من السجن في تشرين الاول 2011 في اطار صفقة شليط، واعتقل مرة اخرى في المدة الاخيرة بعد أن تبين أنه منفذ العملية في الشارع 35 – فجر بمرة واحدة دُملا في المجتمع الاسرائيلي يرفض أن يُشفى. فمنذ كانت الصفقة وكما كانت الحال ايضا بعد صفقة جبريل وصفقة تننباوم، يُثار سؤال قيمي وهو هل يحق لمجتمع يعيش تحت تهديد ارهاب دائم أن يعرض نفسه للخطر بالافراج عن قتلة عوض انقاذ اسرائيلي واحد جندي أو مواطن؟ وهذا في واقع الامر امتحان لقوة المجتمع.
لا شك في أن المبادرين على قانون الاسرى الذي يوجب على الحكومة الامتناع في المستقبل عن تنفيذ صفقات افراج عن السجناء سخية، حصلوا مع الكشف عن اعتقال عوض على دعم لهم. وحصلت النيابة العامة العسكرية ايضا التي توقف الآن عشرات ممن أُفرج عنهم في صفقة شليط أمام لجنة قضائية قد تعيدهم الى السجن المؤبد، على تعزيز لدعاواها ايضا. لكن زياد عوض بخلاف خاطفي الفتيان الثلاثة – وهو الذي حكم عليه بالسجن المؤبد على قتل عميل فلسطيني – لم يكن جزءً من تنظيم مؤسسي لتنفيذ عملية، فهو لم يتلق أوامر ولا مالا من أي أحد، بل استقر رأيه هو وابنه ببساطة على الخروج وقتل يهود وفعلا ذلك بعد ذلك بزمن قصير. وقد اعتقل سريعا نسبيا اذا أُخذ في الحسبان أن الحديث عن منفذ عملية بصورة عفوية.
يُحتاج لحل لغز عملية الى واحد من ثلاثة شروط على الأقل وهي: معلومات استخبارية نوعية، وخطأ منفذ العملية والحظ. وفي حال الفتيان الثلاثة المخطوفين، وبرغم التقدم في التحقيق، وبرغم ادراك الاستخبارات لكبر التنظيم، لم يوجد الى الآن أي واحد من هذه الشروط. أما في حال عوض فان الاستخبارات النوعية والاخطاء التي قام بها أفضت الى اعتقاله قبل أن ينفذ عملية اخرى.
صنع عوض تاريخا مريبا، فهو الاول ممن أفرج عنهم في صفقة شليط الذي نفذ قتلا بيديه. وحينما استقر رأي المستوى السياسي على تنفيذ الصفقة والافراج عن 1027 سجينا فلسطينيا منهم 450 سجينا ملطخة أيديهم بالدماء أفرج عنهم في الدفعة الاولى، عرفوا في "الشباك" عن تجربة الماضي أن 60 بالمئة منهم سيعودون الى الارهاب. وهذا ما أفضى الى اجراء "تقدير خطر" آنذاك وأُفرج من بين اولئك الـ 450 سجينا عن 110 فقط الى الضفة عُرفوا بأنهم "أقل خطرا". وقد شُمل عوض في هذه المجموعة لأنه لم يُر أنه سيقود خلية تخريب أو يُعد قنابل.
اعتقل في الضفة حتى اختطاف الفتيان 76 ممن أُفرج عنهم في صفقة شليط أكثرهم ممن أُفرج عنهم في الدفعة الثانية – وهم الـ 550 سجينا الذين اختارت اسرائيل أسماءهم. ومنذ أن بدأت عملية "عودوا أيها الاخوة" اعتقل 55 آخرون ممن أُفرج عنهم في صفقة شليط كلهم من الدفعة الاولى. وكان كل واحد منهم مشاركا على نحو ما في نشاط مع منظمات ارهاب أو نكث شروط الافراج عنه، وكلهم موجودون اليوم في مرحلة ما من اجراء قضائي يرمي الى اعادتهم الى السجن. وينوي "الشباك" الذي لم يتحمس قط لصفقة شليط أن يحارب عن كل واحد منهم.
جاء عوض من محافظة الخليل المصبوغة بألوان حماس. وقد أحبط "الشباك" منذ بداية السنة 90 عملية خطيرة – اطلاق نار وشحنات متفجرة ومحاولات اختطاف كان يفترض أن تخرج من الضفة، ونُفذ 25 من هذه الاحباطات في منطقة الخليل حيث تنحصر اليوم اعمال التفتيش عن الفتيان. وقد وقف رجال حماس في أكثر الاحوال وراء العمليات.
إن هذا الحساب البيني لانجازات صفقة شليط يضع علامة سؤال كبيرة فوق المنطق والمنعة وحسن التقدير لمن استقر رأيه على تنفيذ هذه الصفقة، وعلى أن ينسب الى نفسه المكسب السياسي المقرون بها.


