لندن – وكالات: نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية امس، تحقيقاً كتبه مراسلها انتوني لويد الذي كان قد اعتقل وتعرض لضرب مبرح على ايدي رجال ميليشيا متطرفة في شمال سورية أخيراً، يصف فيه ما حاق بمدينة حلب من دمار واسع جراء القصف العشوائي من الجو والذي لا يميز بين من سيكونون ضحاياه.
وقال التحقيق: "لا يتعين عليك ان تكون شخصاً ذا مكانة مميزة كي تموت في حلب، فقد تكون تلميذ مدرسة، او صاحب بسطة تجارية، او متقاعداً، او طبيباً، او ممرضاً او احد المتمردين: ان براميل النظام المتفجرة لا تميز عندما تمزق السوريين إرباً من اللحم وكسراً من العظم.
مئات القنابل قتلت آلافاً من الناس في حلب في غضون اشهر قليلة. وقد هرب اكثر من 70 في المائة من السكان من المدينة، وبدأت بعض الاحياء تبدو وسط الدمار الواسع الانتشار مثل ستالينغراد.
ان كل تفصيل من تفاصيل الهجمات بالبراميل المتفجرة – بدءاً بتصميمها محلي الصنع، مروراً بالطريقة التي تشعل بها طواقم المروحيات الحكومية الفتائل بالسجائر قبل دحرجتها من على منصة التحميل، والسقوط اللولبي في الهواء، ثم الانفجار الهائل الذي تحدثه محولةً المنازل الى تلال من الأنقاض – يوحي بشكل لا مبرر له إطلاقاً بطريقة قتل تمنح الموت بعفوية واستهتار مثل اللعب بقوارير البولينغ.
شهدتُ عاقبة انفجار برميل متفجر فور وقوعه في حي الشيخ خضر يوم الاثنين. كانت قنبلتان قد انفجرتا في مكانين بينهما صف من المنازل، فدمرتا أربعة منازل سكنية. ووسط أصوات البكاء، سارعت مجموعة من المدنيين المحليين ومتطوعي قوة الدفاع المدني المحلية، الذين غطاهم الغبار الأبيض الناعم الذي نثره الانفجار، الى رفع الأنقاض بأيديهم. ولم يكن هناك ناجون.
تم انتشال خمس جثث: زوجان وطفلان صغيران. وانتشل ايضاً جثمان فتى في السادسة عشرة من العمر من تحت الحطام. وجلس والده، وهو رجل نحيف بدا كسير القلب ومبيضاً بالغبار على الأنقاض باكياً، كان قد فقد ابناً آخر له في هجوم ببرميل متفجر في اليوم السابق.
انفجرت على الأقل أربعة براميل متفجرة أُخرى في القطاع الشمالي من المدينة في غضون ساعتين.
قال خالد آل حجو، رئيس قوة الدفاع المدني في حلب، والذي تنقذ فرقه الناجين من ضربات القنابل وتنتشل الموتى: "إننا نفقد ما معدله 20 شخصاً في اليوم في المدينة بسبب البراميل المتفجرة منذ كانون الثاني (يناير)".
قام السيد آل حجو، وهو طالب في كلية الحقوق، بتشكيل "قوة الدفاع المدني" بالمشاركة مع أصدقائه العام الماضي، بعد ان لاحظ ان المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون ليس فيها خدمات إسعاف، وان الجرحى يُتركون في اغلب الأحيان حتى الموت.
وقال "انهم يموتون تحت الأنقاض. وليس لدينا معدات ثقيلة لرفعها، كما انه ليس لدينا ما يكفي من الأفراد للعمل في كل المناطق التي تتعرض للقصف بالبراميل المتفجرة. وبقي الكثير من الموتى بين ركام المدينة".
فقد ثلاثة من مجموعته حياتهم خلال القصف بالبراميل في كانون الثاني (يناير) بينما كانوا يحاولون سحب الجرحى من بين الأنقاض. وأصبحت عمليات القصف الثانية والثالثة على الموقع ذاته من الأمور المسلم بها، ومن دون أن نحصل على أي من المنظومات المضادة للطائرات لإطلاق القذائف عليها وإسقاطها، ويمكن للمروحيات ان تقوم بعمليات القصف من ارتفاع شاهق حسب رغبة طواقمها وبطريقة مريحة.
اضاف: "نخشى دوما من ان نكون هدفا في عملية القصف الثانية، ولكن ما الذي يمكننا ان نفعله غير ذلك؟ فمهمتنا هي انقاذ حياة الناس".
استمر النظام في تدمير مناطق المدينة الخاضعة للمتمردين منذ كانون الثاني (يناير) من دون هوادة باستخدام البراميل المتفجرة والقصف الجوي التقليدي، وتخريب الشوارع في عمليات قتل عشوائية، يحق تماما وصفها بـ"حملة ارهابية".
توصل مجلس الأمن الدولي الى قرار في شباط يطالب بوقف فوري للقصف العشوائي للمناطق المدنية في سورية، غير ان القرار لم يجد آذانا صاغية، ومن المعتقد أن اكثر من ألف من المدنيين لاقوا حتفهم منذ صدور ذلك القرار.
ورغم ان بريطانيا وأميركا زودتا قوة الدفاع المدني في حلب بالخوذات الواقية والمصابيح التي يتم تركيبها على الرأس والأحذية، إضافة الى معدات قطع الحديد وتمهيد الزوايا، فقد ظلوا يواجهون وابلا من القذائف.
وقال ال حجو: "اكاد لا أصدق بتاتا، على ضوء ما عانى منه المدنيون في هذه المدينة، ان يقف المجتمع الدولي مكتوف اليدين ليراقب ما يجري. انه أمر لا يقبله العقل".
ويسير أسلوب القصف الذي تركز على المناطق السكنية في حلب وفق العمليات العقابية المتعمدة. وفي أول أيام شهر أيار قتل اكثر من 40 شخصا في الأسواق القليلة المتبقية في شمال المدينة. وفي يوم سابق قتل 30 طفلا واثنان من الأساتذة و15 من البالغين مجهولي الهوية نتيجة قصف جوي على مدرسة عين جالوت، في جنوب حلب، وقد عبرت منظمة "يونيسيف" عن الغضب تجاه ما قالت انه "اخر موجة من الهجمات العشوائية التي استهدفت المدارس والاماكن المدنية الاخرى" في انحاء سورية.
تجولتُ في انحاء المدرسة المهجورة في بداية هذا الاسبوع. كانت تبدو مكانا مريعا للاشباح، يكاد كل شيء يظل على حاله منذ المذبحة. احذية الاطفال ظلت تسبح في بحيرة من الدماء المتجمدة على الارض. وخصلات شعر اشتبكت مع موتى اخرين لم يعرف لهم اسم على السقوف.
غير ان هناك ما هو أسوأ من ذلك. على حائط احد الممرات الذي كانت تزخرفه رسومات لتوم وجيري وميكي ماوس (وهي شخصيات يحبها الأطفال في المسلسلات التلفزيونية) هناك ايضا صورة جانبية لطفل مطبوعة على الجدار نتيجة القصف الذي أحالها الى ركام ودخان.
وتبدو هيئة ذلك الطفل المروعة مثالا لا يمحى للذعر في سورية، وضحايا المدنيين في تلك الدولة، وانهيار نظام القيم الدولية التي كان عليها ان تحاول حمايتهم بشكل أو بآخر.
قالت ام احمد، وهي أم للطفلة نوران في الحادية عشرة من العمر لقيت حتفها في المدرسة "النظام قتل أبناءنا. قتل معظم طلبة الصف الذي تدرس فيه ابنتي، واحتجز معظم أطفال الحي. هذا هو الارهاب".


