في إطار السجال المحتدم في الساحة الإسرائيلية بين النخب السياسية والاعلامية فيما يتعلق بالسؤال الفلسطيني ومستقبل دولة الكيان؛ استعرض رئس مركز دراسات الأمن القومي اللواء عاموس يادلين في النشرة الصادرة مؤخراً عن المركز الخيارات المتاحة أمام دولة الكيان في أربع سيناريوهات على النحو التالي:
الخيار الأول: اتفاق سلام مقبول اسرائيلياً حسب صيغة كلنتون 2000، ومقترحات أولمرت لأبو مازن 2008.
الخيار الثاني: اتفاق سلام غير مقبول على الإسرائيليين ويلبي رغبة الفلسطينيين من نواحي: عدم الاعتراف بيهودية الدولة، عودة لاجئين، عدم تلبية المطالب الاسرائيلية في الترتيبات الامنية بعيدة المدى وتقسيم القدس.
الخيار الثالث: بقاء الوضع الراهن بما يحقق مطالب فلسطينية من هجوم دبلوماسي وقانوني، وربما أمني ضد اسرائيل.
الخيار الرابع: عدم التوصل إلى اتفاق بما يخدم مصالح إسرائيل في بلورة حدودها وتحسين وضعها في المفاوضات مع الفلسطينيين وسلب حق الفيتو فيما يتعلق بحل الدولتين.
اسرائيل بحاجة، بحسب يادلين، إلى خطة سياسية تستجيب لأهدافها، والتي تتلخص في أن تكون دولة يهودية خاصة بالشعب اليهودي الذي يشعر بالتهديد الأمني على طول تاريخه وأبيد ثلثه في المحرقة النازية وبعد 66 عام من إقامة دولته مازال يشعر بالتهديد الأمني، وقوى من حولها تسعى لمحوها عن الخارطة.
هذه الخطة السياسية، يقول يادلين، أنها ستشكل رافعة للتغلب على الاستراتيجية الفلسطينية في عدم التوصل لاتفاق، والهجوم الدبلوماسي والاعلامي والقانوني الذي يشنه الفلسطينيون ضد إسرائيل.
وفيما يتعلق بالمرحلة الحالية من عمر دولة الكيان؛ يقول يادلين: "هناك مراحل تمر بها الدول يستحسن ألا تتخذ فيها قرارات، وأن تحافظ على بقاء الأوضاع الراهنة كما هي، والانتظار حتى تتضح الصورة الاستراتيجية، وهناك مراحل أخرى تتطلب من الدولة أن تبادر باستراتيجيات تشكل مستقبلها وتتعامل مع التحديات".
ويضيف: "إذا أردنا أن نعرف على وجه الدقة في أي نوع من المراحل المذكورة تقف دولة إسرائيل عام 2014 فإن علينا أن نبتعد عن النظر في الأحداث اليومية والنظر برؤية استراتيجية بعيدة، وأن ننظر الى الاهداف القومية الحقيقية لدولة اسرائيل وهي:
1. أن تشكل هذه الدولة وطناً قومياً لليهود، وتمثل البيت القومي لهم دون المساس بحقوق الأقليات، وبالمساواة.
2. أن تكون الدولة مستقرة وآمنة وتعيش بسلام مع جيرانها، وأن تمثل الترتيبات الأمنية للمفاوض هدف استراتيجي، وليس تكتيكي، وهي شرط اساسي كي يقوم الاسرائيليون بدعم المفاوضات والموافقة على أي اتفاق سلام.
ويعقب يادلين: "الشعب الاسرائيلي غير مستعد للعودة الى تفجيرات باصات في مدنه بعد رفض عرفات لخطة باراك عام 2000، وغير مستعد أيضاً لتساقط صواريخ كما حصل بعد الانسحاب من غزة 2005". ويشترط "كل اتفاق يجب أن يضمن لإسرائيل حماية مواطنيها حتى لو كانت المسئولية الاولى والحق الأول في مواجهة الارهاب بيد سلطة أخرى".
ينتقل يادلين إلى استعراض ومناقشة البدائل المتاحة أمام دولة الكيان في مواجهة الفلسطينيين على النحو التالي:
اتفاق سلام بمعايير كلينتون
هذا الحل يقترب من معايير الرئيس كلينتون عام 2000 واقتراح أولمرت لأبو مازن عام 2008، التفسير الاسرائيلي لهذا الخيار يعني أن على الفلسطينيين أن يوافقوا على نهاية الصراع والتوقف عن طلباتهم من دول اسرائيل، أن يتنازلوا عن حق العودة للاجئين وأحفاد اللاجئين، وأن يوافقوا على الترتيبات الأمنية بعيدة المدى، وأن يتنازلوا عن فكرة تقسيم القدس ضمن حدود 67.
ويرى يادلين أن احتمال قبول الفلسطينيين لهذا الخيار ضئيل، كما أن لدى الإسرائيليون شكوك في استعداد الفلسطينيين للموافقة على نهاية الصراع ونهاية الطلبات، حتى لو قالوا ذلك بألسنتهم.
ويضيف بأن "رفض الفلسطينيين للإقرار بيهودية الدولة والتنازل عن حق اللاجئين يعبر عن نواياهم السيئة ويفرغ نهاية الصراع من محتواه، ولذا يسود في اسرائيل عدم الثقة في أن عباس قادر على التنازل في الأربع مسائل المفتاحية في أي اتفاق وهي: يهودية الدولة، التنازل عن عودة اللاجئين، الموافقة على الترتيبات الأمنية بعيدة المدي، التنازل عن تقسيم القدس؛ وهذا ما تؤكده تصريحات الرئيس أبو مازن عند عودته من واشنطن بأنه لن يتنازل عن حق الشعب الفلسطيني في تلك القضايا الاربع.
ويتابع يادلين: "وحتى لو أبدى عباس مرونة أمام ضغوطات الرئيس أوباما ووافق على الورقة الأمريكية فإنهم في إسرائيل يقدرون بأن قراره هذا سيواجه برفض واسع في الشارع الفلسطيني بأكمله، وبالذات في غزة، حيث تسيطر حماس، ولدى فلسطيني الشتات".
ويدلل على صعوبة التوصل إلى تفاهمات أمنية بين الأطراف بالقول "من المهم النظر إلى المحاولات الأمريكية للتوصل الى ترتيبات أمنية، والجسر بين الأطراف، وأن الجنرال الامريكي جون الن وطاقمه أعدوا ورقة في الموضوع الأمني ولكن رفضها الفلسطينيون والاسرائيليون على حد سواء، وكان الرفض الفلسطيني أشد فجاجة".
ويواصل يادلين: "هذه المحاولة الأمريكية كشفت إلى حد بعيد وعميق الفجوة بين الطرفين، وقد كانت هذه الفجوة في الموضوع الأسهل من بين المشاكل ذات الخلاف، الفلسطينيون لم يبدوا مرونة، ولهذا من الصعب أن يبدوا مرونة في المسائل الأخرى مثل حق العودة والقدس؛ الأمر الذي جعل وزير الخارجية الأمريكي يخفض من توقعاته، وأن يستبدل الحديث عن "اتفاق دائم" إلى "اتفاق اطار"، ثم استبدل "اتفاق اطار" بـ "مبادئ اطار لاتفاق"، ثم تحول من "مبادئ اطار لاتفاق" إلى مجرد "ورقة مبادئ" أمريكية لا تلزم الطرفين بالتوقيع، ويستطيع الطرفان ان يتحفظوا عليها، ولكنها فقط تسمح بتمديد المفاوضات، وحتى هذه الورقة رفضها الفلسطينيون.
ويختم يادلين مناقشة هذا الخيار بالقول "هذه حقيقة تؤكد التقديرات بأن الفلسطينيين غير مستعدون للتوصل إلى اتفاق سلام بمعايير كلينتون".
اتفاق سلام وفق الصيغة الفلسطينية
يقول يادلين: "القيادة الفلسطينية تطمح في إقامة دولة على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية بدون التنازل عن حق العودة، وبدون التنازل عن الترتيبات الأمنية، وبدون الاقرار بانتهاء الصراع، وبدون الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي. القيادة الفلسطينية لا تثق بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جاد في التوصل إلى إقامة دولة فلسطينية وتحديد حدود دولة إسرائيل على أساس خط 67 مع تبادل أراضٍ وتقسيم القدس، بالإضافة الى مطالبة الفلسطينيين القطعية بتفكيك واسع للمستوطنات، مع أنهم يدركون أن رئيس الحكومة الاسرائيلية لن يقوم بخطوة مركزها تفكيكي واسع للمستوطنات".
ويؤكد: "إن أي رئيس حكومة لإسرائيل، وليس فقط نتنياهو، لن يوافق على اتفاق بدون تنازل فلسطيني في المسائل المطروحة، وذلك لأن اسرائيل وقتها ستدفع ثمناً غالياً ولن تحصل على أي نتيجة، لأن الصراع سيستمر وتبقى اسرائيل بدون سلام وبدون أمن، ولذلك فإن اسرائيل ستفضل المخاطر المنضوية في عدم التوصل لاتفاق على المخاطر المنضوية في اتفاق بالصيغة الفلسطينية".
الوضع الراهن وعدم التوصل إلى آفاق
وفي الحديث عن هذا الخيار؛ يقول يادلين: "الاحتمالات للتوصل إلى اتفاق منخفضة، وهذا يعني أننا باقون على الوضع الراهن، ومع ذلك فإن الوضع الراهن غير مستقر وغير دائم، وهو متغير ومتطور ضمن المعطيات على الأرض، وهي مجموعة عوامل وعمليات منغرسة في الماضي والحاضر ومتقدمة الى المستقبل، وبدون شك فإن الطرفين سيحاولان إحداث تغيرات على الوضع الراهن تحسن مواقعهم وتقرب أهدافهم، ومن هنا يرى يادلين أن هناك احتمالين لتطورات الوضع الراهن:
البديل الفلسطيني: ويعنى تحولات ضد مصلحة اسرائيل
يقول يادلين: "إن على اسرائيل أن تدرك أن استمرار الوضع الراهن قد يؤدى الى الانزلاق لحالة الدولة الواحدة، بما يشكله من مخاطر تمس بهوية الدولة ومشروعها الصهيوني، وأن هناك تطور آخر محتمل نتيجة فشل المفاوضات: وهو ضعف السلطة الفلسطينية وصولاً الى خطر انهيارها، بما يحمل من قرارات للاعبين دوليين، سيما الاتحاد الاوروبي إذا توصل الى قناعة بعدم جدوى الاستمرار في دعم مشروع السلطة الفلسطينية مادياً.
ويرى يادلين أن توقف المساعدات الدولية للفلسطينيين أو أي ضربة قوية لهذه المساعدة؛ ستلقي بمسئولية الحفاظ على بقاء السلطة في حضن اسرائيل فقط ، بما تحمل هذه السلطة من مشاكل سياسية واقتصادية، ذلك أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق فإن المجتمع الدولي يرى أن المسئولية عن سكان المناطق تقع على عاتق إسرائيل، كون المناطق تقع تحت سيطرتها، مع ملاحظة وجود أجواء فلسطينية مؤيده للعودة إلى أشكال المقاومة والانتفاضات وزعزعة شرعية اسرائيل في المجتمع الدولي؛ وهذا الأمر قد يكون مدعوماً بخطوات فلسطينية "انتفاضة دبلوماسية"، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، بما قد يؤدى في النهاية إلى اعتراف دولي بدولة فلسطينية في حدود 67 وتعميق لا شرعية دولة اسرائيل.
ويعتبر يادلين أن هذا البديل رغم كل أوجه الضرر المحدق بإسرائيل، إلا أنه يظل أفضل من الوصول الى اتفاق وفق الشروط الفلسطينية.
البديل الإسرائيلي: تغيرات لصالح اسرائيل
بعد هذا العرض ينتقل يادلين إلى ما اسماه البديل الإسرائيلي، ويستهل قائلاً: "دولة اسرائيل قوية بما فيه الكفاية لأن تخلق لنفسها بديلاً أكثر جاذبية من الرؤى الأخرى، التي يمكن أن تجبر عليها ولا تتوافق مع أهدافها، فضلا على ما تنطوي عليه من مخاوف وتهديدات، وأن تشكل لنفسها بديلاً يعزز الأهداف في دولة يهودية ديمقراطية آمنة وذات شرعية؛ هذا البديل يمكن أن يغير ليس فقط الواقع، ولكن أيضا ديناميكية المفاوضات؛ يعزز الموقف الاسرائيلي لتعديل احتمالية الاتفاق، وذلك لأن الفلسطينيين الآن يفهمون أن اسرائيل تقف بين خيارين: بقاء الوضع الراهن على مساوئه وبين اتفاق يلبي الرغبة الفلسطينية، وهو بديل سيئ لدولة إسرائيل".
"البديل المقترح هو خيار مريح لإسرائيل ويشكل أزمة للفلسطينيين، وقد يسهم في تغيير التفكير الفلسطيني ويضغط عليهم لقبول تفاهمات كانت مرفوضة من قبلهم للخروج من هذا البديل الذي ستفرضه اسرائيل عليهم، ولذلك على اسرائيل أن تعد خطة بديلة تتضمن خطوات أحادية لتشكيل حدودها، هذه الخطة استراتيجية باتجاه واقع حل الدولتين، حتى بدون اتفاق كامل بين الطرفين وبدون منح الفلسطينيين حق الفيتو على عملية بناء حل الدولتين. وعلى الرغم من أنه لا يوجد ضرورة للموافقة الفلسطينية على هذه الخطوات، فإنها يمكن أن تتم بالتنسيق التكتيكي مع طرف فلسطيني، وذلك لتحسين عملية تولى المسئولية عن المناطق التي تخليها اسرائيل، وتقليل التخوفات من سيطرة أطراف معادية على هذه المناطق".
ويضيف: "واضح أن الخطوات المنسقة هي أفضل، مع ذلك نحن نعرف أن القيادة الفلسطينية ترفض بشدة الاتفاقيات الجزئية، ولذلك يجب عدم ربط السياسة الإسرائيلية بالموافقة الفلسطينية، هذا البديل ليس الأمثل، لكنه الأفضل بين البدائل، فهو يعزز الأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية، يضمن لدولة اسرائيل الغالبية اليهودية، يعزز الأساس اليهودي الديمقراطي للدولة، يقلص سيطرتها على مناطق مأهولة، يخفف الضغط عن الشعب الفلسطيني، يمنع عودة لاجئين فلسطينيين الى دولة اسرائيل، يبقى الترتيبات الامنية بيد إسرائيل؛ مع ضرورة أن تتم هذه العملية بالتنسيق مع حلفاء إسرائيل في الغرب بما يمنح شرعية للحدود التي ترسمها اسرائيل ويقلص انتقادها في العالم ويبقى مناطق لمفاوضات الوضع الدائم مع الفلسطينيين.
الخلاصة أنه في ضوء سعي قادة الكيان للوصول إلى اتفاق مع طرف فلسطيني يبتلع المشروع الصهيوني برمته وينهي الصراع، وفي كل محطة يتعذر على قادة الكيان الوصول الى هذه الهدف، فإنهم يلجؤون إلى بدائل تجميد الوضع الراهن مع تحسين ظروفه لصالحهم، انتظاراً لقيادة فلسطينية تقبل بما تم رفضه من سابقتها، ومن هنا فإن الخيار الذي يطرحه عاموس يادلين ضمن السياسة الاسرائيلية المتعاقبة هو خطوات أحادية الجانب، تخفف عبء الاحتلال، وتقلص الضغوطات الدولية، وتؤجل إنهاء الصراع إلى أن توجد قيادة فلسطينية جديدة تتماشى مع المشروع الصهيوني.
غزة - مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية