نُصبت في ميدان بلدية شفا عمرو لافتة كبيرة عليها ارقام تتبدل كل يوم. وتعد اللافتة ايام اعتقال سكان المدينة الاربعة الذين أُدينوا بمحاولة قتل عيدان نتان زاده، وأظهرت اللافتة أمس الرقم 109. إن نتان زاده وهو جندي منشق كان مقربا من حركة "كاخ" أطلق النار من سلاح آلي في حافلة فقتل اربعة من سكان شفا عمرو وجرح عشرات قبيل تنفيذ خطة الانفصال في 2005. وبعد ذلك ضربه سكان ذلك المكان حتى الموت.
دخل المُدانون الاربعة السجن في مطلع كانون الثاني هذا العام بعد تلك العملية القاتلة بعشر سنوات تقريبا. ويقولون في شفا عمرو إن عرض ايام السجن في الميدان المركزي رسالة لكل سكان المدينة والجمهور تقول إن اربعة مواطنين يقضون مدة سجن فعلي بعد أن أوقفوا منفذ عملية بغيضا ومنعوه من الاستمرار على حملة قتله. ويؤكدون في المدينة أن الاربعة أرسلوا الى السجن ولم يحصلوا على أوسمة تكريم ولا شهادة تعظيم كتلك التي يمكن أن يفخر بها من يعيقون منفذي عمليات فلسطينيين.
وفي مقابل ذلك بينوا في سلطات فرض القانون طول محاكمة الاربعة أن دولة اسرائيل برغم تلك العملية القاسية والنتيجة المأساوية هي دولة قانون ولهذا يجب استنفاد الحكم مع من مسوا بنتان زاده. وقالوا إن الدولة خصصت لذلك موارد كثيرة وأجرت الشرطة تحقيقا كثيفا من اجل محاكمة المشتبه فيهم.
يمكن أن يُجادل في دعاوى الطرفين. ومهما يكن الامر فان قصة اربعة سكان شفا عمرو تمثل جيدا الرأي الغالب عند الجمهور العربي فيما يتعلق بسلطات القانون وهو أنهم "حين يريدون يستطيعون، واذا لم يريدوا تجاهلوا وسوفوا". ولا يتعلق ذلك بقضايا الامن القومي فقط بل بالقضاء على الجريمة ومكافحة العنف وانتشار السلاح غير المرخص الموجود في كل ركن تقريبا.
كانت جرائم الكراهية التي تسمى "شارة الثمن" الى وقت قريب من نصيب الفلسطينيين في الضفة الغربية. فهناك في الغرب المتوحش لم يتزعزع أحد ولم يتأثر. وفي تشرين الاول 2011 استيقظت دولة اسرائيل فجأة على فجر يوم جديد فقد أحرق مجهولون مسجد "النور" في قرية طوبا الزنغرية – فقد اجتازت "شارة الثمن" الخط الاخضر. وحظيت تلك الحادثة آنذاك بعناوين صحفية كبيرة وتنديدات من الطرف الى الطرف واشتمل ذلك على زيارة عاجلة لرئيس الدولة مصحوبا بالحاخامين الرئيسين ودعا سلطات تطبيق القانون الى علاج تلك الحادثة بقوة ومحاكمة المسؤولين.
وفي خلال ذلك أصبحت الحادثة في طوبا تاريخا لكن الاتجاه الذي أشارت اليه استمر بل قوي. ولم تعد أية بلدة منيعة، فالمدن كالقرى والمساجد كأديار المسيحيين – أصبحت جميعا أهدافا لنقل الرسالة. وأصبح من الممكن ترديد التنديدات والتعبيرات عن الأسف والزعزعة التي تُسمع كل مرة من جديد من قادة الدولة عن ظهر قلب. وأصبحت التسريبات على طرف خيط في التحقيق التي تُنقل في قنوات مختلفة الى رؤساء المجالس أو ممثلي الوسط العربي، أصبحت طقوسا ثابتة لكن لم يُحل لغز أية حادثة الى اليوم، فيستطيع الجميع الانتظار في صبر.
تنحصر العناوين الصحفية مرة بعد اخرى بدل انحصارها في حل الالغاز والاحكام الشديدة على منفذي جرائم الكراهية، تنحصر مرة بعد اخرى في أفلام عدسات تصوير الحراسة التي تُظهر مجهولين مقنعين يأتون تحت جنح الظلام – فيرشون الطلاء ويثقبون الاطارات ويحرقون ويغادرون في ثوان. وتُنقل المواد الى الشرطة ايضا بالطبع لكن بلا نتائج الى الآن. ويسمع رؤساء المجالس المحلية وممثلو الجمهور من القرى غير قليل من التفسيرات عن صعوبة التحقيق وعن الحاجة الى جمع أدلة، لكن هذا الجواب بعيد عن الاقناع لأن الاختبار هو اختبار النتيجة، وما لم توجد اعتقالات ومحاكمة مشتبه فيهم فلا يوجد ردع ولا ثقة. وحينما لا يوجدان تقوى الخشية ايضا من فقدان السيطرة أو من نتان زاده آخر.
يوجد في اللاوعي عند كل مواطن عربي اليوم شعور بأن الدولة تستطيع أن توقف هذه الظاهرة، وبأن "الذراع الطويلة" التي تدافع عن أمن اسرائيل قُصرت هذه المرة خاصة لأن المشكلة لا تبدأ بمن يرش الطلاء ويحرق بل بمن يحث ويحرض. واولئك المحرضون لا يسيرون مقنعين ويمكن الوصول اليهم بيقين.


