كان قادة م.ت.ف وحماس يبشروننا في تواتر مرة واحدة كل سنة منذ 2009 بمصالحة بين المنظمتين التخريبيتين. أما الاولى فولدت في 1964 حينما كانت "الضفة الغربية" في أيدٍ عربية، وولدت الاخرى في 1987 في غزة بصفة استمرار مباشر لحركة الاخوان المسلمين في مصر. فالحديث اذا عن صدام طويل بين منظمتين مختلفتين في تصورهما العقائدي: ففي حين تتحدث م.ت.ف عن ثورة حتى النصر وعن انشاء دولة فلسطينية قومية بعد ذلك في كل مساحة الانتداب البريطاني السابق (ويشمل ذلك المملكة الاردنية)، تؤيد حماس انشاء دولة شريعة اسلامية في ارض "فلسطين" كلها.
يتفق هذان التياران على موضوعين فقط وهما أن الارهاب الموجه على دولة اسرائيل مشروع تماما، وأن القضاء على الكيان القومي للشعب اليهودي ضرورة لا يمكن انكارها. ومع ذلك ترى حماس الارهاب اليوم طريقة وحيدة لا يوجد سواها لـ "تحرير فلسطين"، في حين تبنت م.ت.ف حتى في 1974 "توجه المراحل" الذي يقول بايجاز إنه ينبغي "تحرير" أجزاءً كثيرة بقدر المستطاع بوسائل سياسية والعمل بعد ذلك فقط بطريقة الكفاح المسلح.
إن الفرق الايديولوجي والفرق التنفيذي بين المنظمتين والتنافس على قلب الانسان العربي الذي يسكن في يهودا والسامرة وقطاع غزة، أصبحا على مر السنين مصدر عداوة وشحناء بين الاثنتين. وهكذا سيطرت حماس على قطاع غزة في 2007 وقتلت كثيرين من معارضيها من منظمة م.ت.ف بتعذيب كبير. وأحدث كل ذلك هاوية لا يمكن ردمها. ومع ذلك يوجد لكل واحدة من اللاعبتين كنز استراتيجي تعنى به خصمها: إن اسرائيل تجري محادثات مع م.ت.ف منذ كانت اتفاقات اوسلو في 1993، وتراها بحق أو بغير حق محادثة، أما حماس من جهتها فتتمتع بتأييد الجماهير كما أثبت فوز المنظمة في انتخابات 2006 للمجلس التشريعي الفلسطيني.
إن م.ت.ف غير قادرة على التوصل الى اتفاق مع اسرائيل لأنها ممثلة أقلية في الشارع العربي، ولا تستطيع حماس من جهتها أن تحظى بالاعتراف بأنها الممثلة الشرعية حتى لسكان غزة. وكل ذلك يؤدي بالطرفين الصقرين الى محاولات لا تتوقف للتحادث بينهما والتوصل الى اتفاقات (خمسة حتى الآن)، لم تنفذ وليس من الممكن أن تنفذ في المستقبل. وكما كانت م.ت.ف واسرائيل تجريان تفاوضا عقيما منذ سنوات لمنع اتهام المجتمع الدولي لهما باحباط "مسيرة السلام" يتفاوض الطرفان العربيان كذلك كي لا يخسرا منزلتهما في نظر جمهورهما في الداخل.
يفضي كل ذلك الى استنتاج معلوم جيدا لأبو مازن واسماعيل هنية وهو أن الحديث عن تصريحات فارغة من المضمون ليس إلا. وليس العنوان في هذه الحالة اذا هو الجمهور العربي الذي لم يعد يؤمن لهما. إن العنوان المزدوج موجود في الساحتين الاقليمية والدولية وتشملان ادارة الولايات المتحدة لأن الرسالة الى واشنطن مفهومة من تلقاء نفسها وهي أنه اذا لم يقنع وزير الخارجية الامريكي اسرائيل بالعودة الى المحادثات بشروط م.ت.ف فمن المؤكد أن السلطة القادمة، سلطة حماس، ستكون أقل إراحة للولايات المتحدة.
ومع ذلك يفتح الاعلان عن الاتفاق باب أمل لمن يؤمنون بصدق نوايا أبو مازن، فهو لا يبشر بحكومة وحدة وطنية فورا، لكن بعد خمسة اسابيع فقط. ويسمى هذا السلوك في الدبلوماسية عرض انذار بحيث يضع ساعة رملية على الطاولة الاسرائيلية والطاولة الامريكية ويحدد خمسة اسابيع للاستجابة الى مطالبه.
يجب أن نقول في هامش الكلام أن الاتفاق من الفم الى الخارج يقتضي تفاوضا دبلوماسيا مهما وقد يكون طويلا. ومن المنطق جدا أن نفرض أنه في حين كان ممثلو المنظمتين الارهابيتين من الطرفين يجلس بعضهم الى بعض، كان ممثلون آخرون من منظمة التحرير الفلسطينية يظهرون انفسهم بمظهر حمام السلام، كان يتباحثون مع ممثلي دولة اسرائيل في الطقوس المسماة "مسيرة السلام". فاذا لم تكن تلك خدعة فانه توجد حاجة الى تعريفها من جديد.


