إن تصريحات اسماعيل هنية الاحتفالية عن انقضاء عهد الانقسام، ومباركة محمود عباس الاتفاقات التي تم احرازها بين الطرفين هي فقط بدء تنفيذ لاتفاقات المصالحة التي وقع عليها في أيار 2011 وأعيدت اجازتها في 2012. وهذا قبل كل شيء اعلان نوايا يرمي الى نقل رسالة لا لبس فيها الى حكومة اسرائيل والادارة الامريكية تقول إنه انقضى عهد النظر الى جزئي فلسطين أنهما كيانان منفصلان. فالذي يريد اتفاق سلام مع الشعب الفلسطيني ويطمح الى انهاء الصراع لا يستطيع أن ينفي وجود حماس وسائر المنظمات، وعليه أن ينظر الى الادارة الموحدة باعتبارها مفوضة واحدة متفقا عليها. وهكذا اذا كانت الولايات المتحدة قد هددت عباس قبل بضعة ايام فقط بمنع المساعدة اذا حل السلطة الفلسطينية، فان الاتفاق يبين لها أن حل السلطة الفلسطينية ليس مطروحا للنقاش في الحقيقة لكنها ستكون منذ الآن فصاعدا سلطة مختلفة.
لكن الطريق الى انشاء تلك السلطة الجديدة طويلة مليئة بالالغام. ولا يحل القرار المبدئي على أن يكون عباس رئيس حكومة تمثيليا وأن يعمل الى جانبه نائبان ذوا سلطات يستعملان حكومة "تكنوقراط"، لا يحل مسألة التركيبة الشخصية للحكومة؛ وموضوع تجريد حماس من السلاح واخضاع قواتها المسلحة لقيادة عسكرية موحدة؛ وتقسيم مخصصات المساعدة على نحو يُمكن حماس من الاستمرار على تمويل مؤسسات حركتها (بخلاف المكاتب الحكومية التي ستكون مسؤولة عنها)، وصورة اجراء الانتخابات التي تم تحديد موعدها في نهاية السنة أو بداية السنة القادمة.
تدل تجربة الماضي – بدءً من نتائج انتخابات 2006 التي فازت فيها حماس باكثرية ساحقة – على أن هذه الاسئلة العملية هي التي أفشلت في كل مرة من جديد جهود المصالحة حتى قبل أن تسيطر حماس على غزة في حزيران 2007 وحتى بعد أن وقع على اتفاقات المصالحة. وإن الاختلافات التي ستنتج عن هذه الاسئلة قد تعوق المصالحة في هذه المرة ايضا لكن الظروف السياسية (في الداخل والخارج) التي تخضع لها السلطة الفلسطينية وحماس تختلف عن تلك التي كانت تسود في الماضي، وقد تسهم في تثبيت المصالحة.
إن ازمة حماس الاقتصادية والسياسية، وخزانتها الفارغة والحصار الذي ضربته مصر على غزة، والعلاقات الضعيفة بايران والضغط في داخل غزة أحدثت تنازل حماس المبدئي الذي مكّن من المصالحة: فقد وافق خالد مشعل على أن يبحث في البدء في انشاء جهاز حكومي مشترك قبل اجراء الانتخابات وقبل تنفيذ مواد اتفاق المصالحة. والتحول عن موقف يؤيد "اتفاقا بصفة رزمة واحدة"، الى موقف يقبل طلب عباس انشاء قيادة مؤقتة مشتركة واجراء انتخابات بعد ذلك فقط، يبقي عباس هو صاحب الامر حتى نهاية 2014 على الأقل، وهو موعد انتهاء التفاوض مع اسرائيل اذا تم الاتفاق على تمديده.
سيحظى عباس اذا نفذت الاتفاقات بـ "اصلاح" الفشل التاريخي وهو اقتطاع غزة من سيطرة القيادة الفلسطينية المتفق عليها وسيطرة حماس عليها وهي التي ليست جزءً من م.ت.ف. وهكذا سيسجل باسمه توحيد الشعب الفلسطيني على الأقل اذا لم ينجح في الاتيان باتفاق سلام مع اسرائيل.
سيضطر عباس على الصعيد العملي الى مواجهة الرد الاسرائيلي على الوحدة مع حماس. وقد بين في الحقيقة أن المصالحة لا تناقض استمرار التفاوض لكن اسرائيل لا ترى الامر كذلك وهي التي قد تسارع فترى هذه الخطوة قلبا للطاولة والغاءً من طرف واحد لاتفاق اوسلو الذي وقعت عليه مع م.ت.ف.
ليست تلك معضلة اسرائيلية فقط لأن الولايات المتحدة ايضا ستضطر الى صوغ موقف من الشراكة مع حماس التي لا تعترف باسرائيل. فهل توافق واشنطن على التعاون مع حكومة فلسطينية فيها اعضاء يمثلون منظمة ارهابية، أو ترى أن الحكومة الجديدة حكومة تكنوقراط لا تمثل ايديولوجية؟ ليس من الفضول أن نذكر أن الولايات المتحدة تتعاون مع حكومة لبنان وممثلو حزب الله اعضاء فيها، وهي تؤيد ايضا مصالحة بين حكومة افغانستان وفصائل "معتدلة" من طالبان، بل إنها تساعد منظمات متطرفة اسلامية في سوريا (ليست جزءً من القاعدة).


