اذا أردنا أن نحكم بحسب ما يراه مندوبو الجمهور الاسرائيلي في الكنيست التاسعة عشرة وفي حكومة نتنياهو – بينيت – لبيد فانه يمكن أن نقول بيقين إن أكثرية متينة من اليهود الاسرائيليين معنية بالاستمرار على حكم الشعب الفلسطيني. ويوجد من لا يزالون يفضلون وسائل الحكم القديمة على صورة الاحتلال. ويوجد آخرون مستعدون لأن يستبدلوا الاحتلال بوسائل حكم أكثر اعتدالا على صورة دولة فلسطينية عاجزة ذليلة. وأن تنشأ هذه الدولة على المساحة الضيقة من مساحة فلسطين التاريخية، وتحاط بجدران وأسوار تفصل بين أبناء الشعب الفلسطيني الذين يسكنون بين الاردن والبحر.
إن هذا الكيان الذي سيشبه مخيم لاجئين مطورا أكثر من أن يشبه دولة أحرار تستحق وجودا انسانيا محترما، لن ينشأ إلا بشرط واحد وهو ألا يُقال لأبناء الجيل الفلسطيني الشاب في تلك "الدولة"، إن الاراضي خارج الجدران والأسوار هي جزء من وطنهم الحبيب ايضا. وهذا هو المعنى التربوي العميق في الحقيقة لتعليق تقرير المصير الفلسطيني بالاعتراف بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي.
وفي مقابل ذلك فان بقايا اليسار الاسرائيلي الذي يؤيد إقرار مساواة كاملة في الحقوق الوطنية ودون شروط بين الشعبين، هي أقلية ضئيلة من الجمهور الاسرائيلي اليهودي. ولهذا فان آري شبيط على حق حينما كتب أن ذلك اليسار يشبه ناطوري كارتا ("حراس الأسوار"، هآرتس 27/3)، لكن شبيط ضال ومُضلل حينما يزعم أن السياق الذي يُصور فيه ناس اليسار الاسرائيلي النقدي على أنهم طائفة فقدت كل صلة بالواقع، هو سياق واسع. بل الحديث عن سياق ضيق لخطاب اسرائيلي داخلي مقطوع تماما عن خطاب المجتمع الدولي. ففي السياق الدولي الواسع – ولا سيما سياق العالم الحر الديمقراطي الذي تريد اسرائيل شبيط أن تنتمي اليه – فان طلب اسرائيل التحكم بمضامين ذاكرة الفلسطينيين القومية وفرض أن تُبعد يافا وحيفا وصفد عن هويتهم القومية شرطا لانهاء الاحتلال العسكري – قد يبدو تعبيرا عن حسد قومي يثير العجب لا يقل عن تطرف ناطوري كارتا الديني من جهة مبلغ انفصاله عن الواقع لأنه في الواقع الدولي للعالم الحر اليوم لم يعد من المعتاد استعباد شعوب لاقناعها بعدالة الرواية القومية للمستعبد.
ليس من المتوقع في الحقيقة أن يرفض العالم الغربي قريبا الحجج الاسرائيلية لاستمرار الاحتلال والاستيطان وأن يطلب الى اسرائيل أن تحرر الشعب الفلسطيني دون شروط مسبقة. فقد استطاعت اسرائيل أولا أن تثبت نفسها بصفتها الحليفة العسكرية الحيوية لاعظم قوة في العالم، وبصفتها واحدا من العوامل الأشد تأثيرا في سياستها الداخلية. وثانيا تستخدم اسرائيل منذ سنوات ذاكرة المحرقة استخداما قديرا يمنع الغرب من أن يستعمل عليها ضغطا فعالا بسبب مشاعر الذنب نحو الشعب اليهودي.
إن التوجه الفلسطيني الى مؤسسات الامم المتحدة لن يجدي شيئا اذا – فلا يمكن بغير قرار صارم يعترض على الاحتلال الاسرائيلي في مجلس الامن، وبغير عقوبات شاملة على اسرائيل المحتلة من قبل العالم الغربي تحريك أية مسيرة ناجعة تنهي السيطرة الاسرائيلية على الفلسطينيين.
لكن يمكن في سني الجيل التالي أن تبدو الدعوى الاسرائيلية التي ترى أن الاحتلال مستمر لأن الفلسطينيين غير مستعدين للاعتراف بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي، أن يبدو في الغرب لا نزوة محرجة لكنها مفهومة لشعب جرب صدمة شعورية هي صدمة الابادة الجماعية، بل أن تبدو حجة غير مقبولة لدولة مستعمرة معزولة. فمن سيتهم أنصار شبيط آنذاك اذا حينما تصبح اسرائيل في الحقيقة في نظر العالم الحر كله دولة ناطوري كارتا. اليكم تاريخ الجدل بين عاموس شوكان وآري شبيط: 5 آري شبيط يؤبد الاحتلال/ عاموس شوكان. 4 ذاك خاصة في يدي عباس/ آري شبيط. 3 نتنياهو غير مقنع/ عاموس شوكان. 2 عرفات أعطى وأبو مازن لن يأخذ/ آري شبيط. 1 الدولة اليهودية ليست أمرا سخيفا/ آري شبيط.


