القدس المحتلة / سما / اعتبر المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل ان حصول قائد اركان جيش الاحتلال، 'بيني غانتس'، على أعلى نسبة في الاستطلاع الذي استوضح مدى ارتياح الاسرائيليين من اداء المسؤولين لمهامهم، ليس مفاجئان بل لم يكن مفاجئا لغانتس نفسه، لأن الجيش، كما المؤسسة الرئاسية في اسرائيل، يبقى في قلب الاجماع الاسرائيلي".
واشار عاموس هارئيل في ذلك الى نتائج استطلاع معهد ديالوج الذي حصل فيه 'غانتس' على تأييد 78% من الجمهور كشخص يؤدي مهامه بشكل جيد. ويقول ان الانتقادات المتسعة للجيش في الآونة الأخيرة، خاصة في المسائل الاقتصادية، كشروط الأجور والتقاعد من الجيش، لا تمس بالنظرة الايجابية الأساسية للرأي العام تجاه جنود الخدمة الالزامية، وكذلك الجيش ككل وقائده العام. وبالاضافة الى هذه المعطيات، فان هناك عاملين آخرين يضيفان الى شعبية غانتس، الأول: الهدوء الأمني النسبي في السنوات الأخيرة، والثاني يتعلق بشخصية غانتس وطريقة سلوكياته، كما تنعكس في وسائل الاعلام. فالثلاثة الذين سبقوه في هذا المنصب، انهوا مهامهم بشكل سيء. فموشيه يعلون اقصي عن منصبه بعد ثلاث سنوات، بدل اربع، نتيجة لعبة قذرة شارك فيها اريئيل شارون وشاؤول وفاز على خلفية تحفظ يعلون من خطة الانفصال عن غزة. ودان حالوتس اضطر الى الاستقالة من منصبه بعد عام ونصف، بسبب فشله في حرب لبنان الثانية، واما غابي اشكنازي الذي اعتبر في بداية ولايته بمثابة المنقذ بعد اخفاقات حرب لبنان، فقد ترافقت سنته الأخيرة في منصبه، بالصراع القذر مع وزير الأمن ايهود براك، في حينه، وقضية وثيقة هرباز التي لا تزال تخضع للتحقيق حتى اليوم.
في المقابل، يقول هرئيل، لم يلتصق ببيني غانتس ولو الشيء القليل من مثل هذه الأمور، اذ لم يتم تسجيل اخفاقات عسكرية كبيرة خلال فترة ولايته، والخلافات بينه وبين القيادة السياسية، مهما بلغ حجمها، يتم علاجها في الغرف المغلقة. ويبدو ان غانتس درس سلوكيات حالوتس واشكنازي وانعطف قرابة 180 درجة في الاتجاه المعاكس. فقد غيبت الغطرسة التي تميزت بها فترة حالوتس، ويحرص غانتس على عدم الظهور كصاحب طموحات سياسية تتحدى رئيس الحكومة ووزير الأمن، كما حدث في نهاية فترة اشكنازي. ويشير الكاتب الى وقوع حالتين خلال الفترة الأولية لغانتس، جرتا الى انتقادات في وسائل الاعلام، وغضبا في اوساط الجمهور، كانت اولها مسألة صيغة صلاة "نتذكر" العسكرية، والثانية تجاوز غانتس لقبر آخر جندي قتل، في حينه، في يوم ذكرى قتلى الجيش، كونه لم يكن يهوديا. الا ان غانتس سارع الى اصلاح الضرر، وتقبل توصيات اللجنة العسكرية التي عينها بشأن التمسك بالنص الأصلي لصلاة "نتذكر"، وحدد مبادئ ملزمة لزيارة المقابر العسكرية. وتم اخماد الحريق بسرعة دون أن يترك أي رواسب ملموسة. وحتى الآن، على الأقل، قبل عشرة أشهر من موعد انتهاء ولايته، يعتبر الجمهور غانتس يمثل كل ما يجب ان يكونه القائد العام للجيش: تمثيلي، موضوعي، غير متعجرف، ويقيس ظهوره الاعلامي. ويساهم تقليصه للتصريحات العلنية بتسهيل علاقاته مع القيادة السياسية، رغم انه ينطوي احيانا على نواقص. فهذا الأسبوع، مثلا، امتنع عن شجب هجوم المستوطنين على الجنود في يتسهار، ويقول المقربون منه انه يعبر عن موقفه امام الجهات المعنية، ولم يجد فائدة من الادلاء بتصريح اعلامي. لكن هذا التفسير ليس مقبولا كما يبدو على رجال الاحتياط الذين تعرضوا للهجوم.
وحتى في مسألة مكانة رجال الخدمة الالزامية فقد مر وقت طويل حتى استيقظت القيادة العسكرية، بقيادة غانتس، وبدأت الرد على النار، فعندما تطور النقاش الاعلامي حول ميزانية الأمن وتم توجيه اتهامات بشأن اجور جنود الخدمة الدائمة وشروط تقاعدهم، أخر القائد العام للجيش رده العلني. وكان من السهل على الكثير من الضباط التماهي مع اشكنازي في هذه الحالة كشخص اظهر استعداده للكفاح من أجلهم بكل الوسائل.
ويخلص الكاتب الى القول انه اذا لم يتغير الواقع الأمني للمدنيين خلال السنة القريبة، في أعقاب حدوث تصعيد مع الفلسطينيين او أحداث على الحدود، سترسخ ذكرى غانتس الطيبة في أذهان الجمهور. فهل سيستطيع، اذا رغب بذلك، استغلال هذا الكنز لخوض غمار العمل السياسي مستقبلا؟ ان العائق الوحيد الذي يقف في طريقه الآن، هو القانون الذي يفرض على الشخصيات العسكرية البقاء ثلاث سنوات خارج الحلبة السياسية بعد انهاء خدمتهم في الجيش. وحتى ذلك الوقت، سيكون التأييد الذي حظي به كقائد عام للجيش قد خمد، واذا تواصل الهدوء الأمني، قد يبحث لهم الاسرائيليون عن آمال جديدة لا تكمن بالذات في الشخصيات التي جاءت الى الحلبة السياسية من الجهاز الأمني.


